قبل عامين احتفت وسائل الإعلام الألمانية بخروج تونس بشكل سلمى من أزمة سياسية خانقة إثر الثورة التى أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن على، وحظيت عملية الانتقال السياسى للسلطة فى تونس، بإشادة كبيرة من الساسة والإعلاميين فى ألمانيا.
إلا أن تلك العلاقات الوردية شهدت انتكاسة كبرى وصلت لأقصى مدى لها منذ شهرين، حيث سادت حالة من الشد والجذب على خلفية أزمة اللاجئين التى انفجرت بينهما، وعلى الرغم من محاولة احتوائها على مستوى المسئولين من خلال الزيارات المتبادلة إلا أن الأزمة على المستوى الشعبى مازالت مستمرة.
وجاءت زيارة رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد مؤخرا إلى ألمانيا فى هذا الإطار والتى حاول خلالها احتواء التوتر المتصاعد، وبحث مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إمكانية التوصل إلى اتفاق يحقق لتونس مطالبها الاقتصادية ويمنح المانيا حلولا لأزمة المهاجرين.
متى بدأ التوتر بين ألمانيا وتونس حول أزمة اللاجئين؟
بدأت صورة تونس الوردية فى نظر الرأى العام الألمانى فى الاهتزاز منذ ظهور التقارير الاستخبارات الغربية والعالمية، حولها والتى أكدت أنها أكبر مصدر للإرهابيين، وتصاعد التوتر مع حادث الاعتداء الرهيب بالدهس من قبل تونسى على مقصد سياحى كبير فى مدينة نيس الفرنسية فى يوليو 2016.
حتى جاءت الصدمة الكبيرة فى ألمانيا، عندما نفذ التونسى أنيس العامرى حادث اعتداء بالدهس فى 19 ديسمبر 2016، على سوق لعيد الميلاد فى برلين، ومنذ ذلك الاعتداء ظلت المستشارة أنجيلا ميركل تشدد فى تصريحاتها على ضرورة تسريع إجراءات ترحيل التونسيين.
كم عدد التونسيين الذين ترغب ألمانيا فى ترحيلهم؟
"الإحصاءات الرسمية للعام الماضى تفيد أنه يتواجد حوالى 3 آلاف تونسى بصفة غير قانونية فى ألمانيا"، ويمكن أن تكون الأرقام أكبر بكثير لأن أغلبهم لا يفصحون عن هوياتهم الحقيقية، إضافة إلى وجود نسبة كبيرة من الذين لم يسجلوا أسماءهم لدى السلطات خوفا من الترحيل.
ما موقف الحكومة التونسية من رغبة ألمانيا فى طرد اللاجئين؟
كانت تلك القضية محور محادثات بين ميركل والرئيس التونسى قائد السبسى، فى ديسمبر الماضى، حيث طالبت المستشارة الألمانية من السبسى التسريع بإجراءات ترحيل طالبى اللجوء من التونسيين والمقيمين بصفة غير شرعية فى ألمانيا.
إلا أن المطلب الألمانى واجه رفضا شعبيا تونسيا لتعنت برلين غير المبرر خاصة فى عودة اللاجئين، وبرر البعض الرفض التونسى بأن المواطنين التونسيين لم يخرجوا من البلاد إرهابيين وبالتالى لا داعى لتحميل تونس المسئولية.
وانطلقت مظاهرات فى أنحاء تونس تنتقد ضغط ألمانيا على الحكومة التونسية للقبول بعودة الإرهابيين ورفع متظاهرون فى شارع الحبيب بورقيبة الرئيسى بالعاصمة تونس لافتة كبيرة كُتب عليها "أنجيلا ميركل.. تونس ليست مكب نفايات لألمانيا"، وتداولت وسائل إعلام ألمانية باستياء صورة شعار المظاهرة، الذى تم فيه الربط بين ترحيل تونسيين من ألمانيا ومسألة عودة الإرهابيين التى تلقى رفضاً من قطاعات فى الرأى العام التونسى، وهى اللافتات التى كادت تؤدى إلى أزمة دبلوماسية بين البلدين.
كيف ردت ألمانيا على الرفض الشعبى التونسى والمماطلة الرسمية؟
ارتفعت الأصوات المطالبة باستخدام المساعدات الاقتصادية كوسيلة ضغط على الحكومة التونسية لدفعها إلى التعاون فى ملف ترحيل ما بين 1000 إلى 2000 تونسى، وأكد مسئولين ألمان، بأن الدول التى لا تتعاون بشكل كافى فى هذا الملف لا يمكنها أن تأمل بأن تحظى بمساعدة برلين فى مجال التنمية."
واستغلت ألمانيا الضغط الاقتصادى على تونس، خاصة أن ألمانيا لعبت دورا مهما فى دعم عملية الانتقال الديمقراطى فى تونس، عبر برنامج "شراكة الانتقال" الذى دشنه وزير الخارجية الألمانى الراحل جيدو فيسترفيله، وتستفيد تونس بمقتضاه من مساعدات سنوية قيمتها 100 مليون يورو فى مجالات دعم الانتقال السياسى والاقتصادى وبرامج التعليم. ورفعت وزارة التنمية الألمانية مساعداتها إلى تونس من 37,5 مليون يورو سنة 2010 إلى 290,5 مليون يورو فى العام الماضى.
هل نجح يوسف الشاهد رئيس الحكومة التونسية فى تخطى أزمة اللاجئين مع ألمانيا؟
حكومة الشاهد تبدو قليلة الحيلة فى بلد يواجه صعوبات اقتصادية واجتماعية جمة، وتصل فيه معدلات بطالة الشباب إلى 30 %، لذلك لم يكن أمامه خيار سوى بحث اتفاق مبدئى يتم بموجبه تقديم مساعدات إلى الحكومة التونسية، مقابل ترحيل 1500 لاجئ.
وقالت ميركل عقب المباحثات التى جمعتها برئيس الحكومة التونسية فى برلين إن "ألمانيا تعتزم تقديم دعم كبير لتونس يشمل عروضا تعليمية ومساعدات مالية لطالبى اللجوء التونسيين المرفوضين بألمانيا لتشجيعهم على الرحيل طواعية إلى بلدهم، كما أكدت أن حصول طالبى اللجوء المرفوضين على مساعدات لبدء حياة جديدة وفرص تعليم وتدريب مهنى يجعل إمكانية رحيلهم طواعية أكثر جاذبية.
وقالت ميركل: إنها تتطلع لاتفاق هجرة يكون مفيدا لبلدها ولتونس على غرار الاتفاقية الأوروبية التركية لاستعادة اللاجئين، وأوضحت أن هذا الاتفاق سيتيح إعادة طالبى اللجوء التونسيين المرفوضين بألمانيا لبلدهم، مقابل زيادة الاستثمارات الألمانية بتونس.
هل شهد الرأى العام الألمانى تحولا تجاه تونس بعد الاتفاق الأخير؟
لم يتغير الرأى العام الألمانى بل على العكس عمدت بعض الجهات إلى استغلال هذا الاتفاق للهجوم على ميركل، حيث وصف حزبى اليسار والخضر المعارضين الاتفاق المبدئى بـ"القذر"، وقالت كاترين جورينج رئيسة حزب الخضر أن تونس ليست من الدول الآمنة فى ظل الاعتقالات التعسفية والتعذيب الذى تفرضه الأجهزة الأمنية بحق المعارضين، على حد قولها.
وحذرت "جورينج" من إقدام المستشارة الألمانية على الخطوة نفسها التى اتخذها الاتحاد الأوروبى مع نظام رجب طيب أردوغان بشأن اللاجئين، ومن جانبها، قالت كاتيا كيبينج رئيسة حزب اليسار: "يتعين على المستشارة ميركل أن تبعد عن أى خطط لتأسيس مخيمات للاجئين فى تونس، وكان عليها فى المقابل أن تحث رئيس الوزراء التونسى على الالتزام بحقوق الإنسان".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة