شهد العقدين الماضيين قيام الحكومة المصرية بتوقيع العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع التكتلات الدولية المختلفة بهدف تشجيع نفاذ الصادرات المصرية إلى الخارج وتحسين ميزان المدفوعات، ومن أهمها وأكبرها اتفاقية الشراكة الأوروبية، واتفاقية تيسير التبادل التجارى العربية، واتفاقية الكوميسا وأغادير وغيرها.
تسمح هذه الاتفاقيات فى مجملها بنفاذ الصادرات المصرية إلى الدول محل الاتفاق بدون جمارك، وفى المقابل تنفذ صادرات هذه الدول إلى مصر بدون جمارك أيضا أو بجمارك مخفضة بحسب الاتفاقية.
ورغم هذه الاتفاقيات التى تشمل شراكات مع حوالى 73 دولة، مازالت مصر تعانى عجزا مستمرا فى الميزان التجارى مع كافة دول العالم بما فيها دول الاتفاقيات باستثناء مجموعة دول الكوميسا وهو ما أظهرته بيانات التجارة الخارجية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، وهو ما يطرح السؤال: هل حققت مصر فائدة من اتفاقيات التجارة الحرة توازى الضريبة الجمركية التى تفقدها جراء الإعفاءات الممنوحة لواردات هذه الدول محل الاتفاق.
سجل العجز فى الميزان التجارى لمصر حوالى 38.7 مليار دولار تقريبا بنهاية السنة المالية 2015/2016 طبقا لبيانات البنك المركزى، حيث بلغت الصادرات المصرية حوالى 18.7 مليار دولار، مقابل 57.4 مليار دولار تقريبا حجم الواردات خلال الفترة.
بيانات مصلحة الجمارك تكشف أن مصر تخسر سنويا حوالى 12 مليار جنيه هى قيمة الإعفاءات الممنوحة لواردات الدول التى دخلت معها مصر اتفاقيات تجارية، بحسب تصريحات خاصة للدكتور مجدى عبد العزيز رئيس مصلحة الجمارك أدلى بها لليوم السابع.
وقال عبد العزيز: "نفقد أكثر من 12 مليار جنيه سنويا من الإعفاءات الناجمة عن الاتفاقيات".. وتابع: "كان من المفترض أن تنعكس هذه الإعفاءات على تخفيض الأسعار للمستهلكين ولكن هذا لم يحدث لأن المستورد يعتبر هذا التخفيض حق مكتسب له".
الشراكة الأوروبية
فى نهاية التسعينات وقعت مصر عدد من اتفاقيات التجارة الحرة مع عدد من التكتلات الاقتصادية، ومن أهم هذه الاتفاقيات: الشراكة الأوروبية التى تضم 27 دولة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى فيم عرف بـ"البريكست"، واتفاقية الكوميسا التى تضم 20 دولة أفريقية، ومنطقة تجارة عربية حرة تضم 18 دولة، واتفاقية أغادير تضم 4 دول هى مصر وتونس والمغرب والأردن، واتفاقية الافتا التى تضم 4 دول أيضا هى سويسرا أيسلندا والنرويج وليختشتاين، بالإضافة إلى اتفاقية التجارة الحرة مع تركيا.
وأكد عبد العزيز أن الفاقد من إعفاءات الاتفاقيات التجارية خلال 5 أشهر فقط "يوليو – نوفمبر" بلغ 6.4 مليار جنيها، منها 4.4 مليار جنيه من اتفاقية الشراكة الأوروبية والتى يتمثل الجانب الأعظم منها فى واردات السيارات المعفاة جزئيا من الجمارك لتصل إلى الإعفاء التام بحلول عام 2019، مؤكد أنه لهذا السبب فإن استراتيجية صناعة السيارات التى يناقشها مجلس النواب هامة جدا لأنها ستنهض بصناعة السيارات وصولا إلى صناعة سيارة مصرية.
وبالعودة على بيانات النشرة الخارجية لجهاز التعبئة العامة والإحصاء، فقد حققت تعاملات مصر التجارية مع العديد من التكتلات والدول عجزا فى الميزان التجارى باستثناء مجموعة الدول الأفريقية التى تدخل ضمن اتفاقية الكوميسا، أما مجموعة الدول العربية فتحول فائض الميزان التجارى معها الذى تحقق عام 2013 إلى عجز عامى 2014 و2015، وهو ما يوضحه الرسم التالى.
التبادل التجارى مع الدول العربية
التبادل التجارى مع أمريكا الجنوبية
التبادل التجارى مع دول أفريقيا
التبادل التجارى بين مصر ودول أوروبا
التبادل التجارى مع تركيا
مثلت تركيا أحد أهم حلقات التوجه المصرى لزيادة الصادرات نظرا لكبر حجم سوقها البالغ حوالى 70 مليون نسمة بالإضافة إلى محاولة تخفيف العجز فى الميزان التجارى والذى يميل لصالح تركيا بمقدار 34 مليون دولار لعام 2003، بحسب بيانات نقطة التجارة الدولية بوزارة التجارة والصناعة.
وتم التوقيع على اتفاق التجارة الحرة بين مصر وتركيا عام 2005، وقد تم الانتهاء من إجراءات التصديق على الاتفاق من الجهات المسئولة فى كل من البلدين ودخل الاتفاق حيز النفاذ فى 2007، ولكن مازال الميزان التجارى فى صالح تركيا بسبب ارتفاع حجم الواردات التركية إلى مصر مع ثبات حجم الصادرات المصرية تقريبا، وهو ما يكشفه بيانات عامى 2014 و2015 بنشرة التجارة الخارجية الصادرة عن جهاز الإحصاء.
الحكم على مدى نجاح الاتفاقيات التجارية من عدمه لا يقاس بتحسن الميزان التجارى، ولكن بمدى القدرة على نفاذ الصادرات المصرية إلى دول العالم وزيادتها، وهو ما يؤكده السفير جمال بيومى أمين عام المشاركة المصرية الأوروبية بوزارة التعاون الدولى سابقا.
وقال بيومى لـ"اليوم السابع": "محدش بيعمل اتفاقية تجارة حرة عشان يعمل فائض فى ميزانه التجارى ولكن العبرة هل حققت الدولة صادرات أكبر أم أقل".
وأشاد بيومى بالنجاح الذى حققته مصر فى إطار اتفاقية الشراكة الأوروبية حيث ضاعفت صادراتها بأكثر من أربعة أضعاف من 3 مليار دولار عام 2003 إلى 13 مليار دولار فى 2011.
كما حققت الاتفاقية العربية نجاحا من خلال زيادة حصة مصر من التجارة العربية من 12% فقط قبل توقيع الاتفاقية إلى 20% وتمكنت من تحقيق فائض فى الميزان التجارى.
وأشار بيومى إلى أن ما حققته مصر من خلال الاتفاقيات التجارية أهم بكثير من الحصيلة الجمركية التى تفقدها مصر من الإعفاءات، ويتمثل النجاح فى زيادة الصادرات المصرية للخارج وفتح السوق امام مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
ولكن يبدو أن هذا النجاح ليس كاملا، حيث فشل القطاع الصناعى المصرى فى اختراق الأسواق العالمية قياسا بما حققه القطاع الزراعى، ووصف بيومى القطاع الصناعى المصرى بالـ"كسلان".
وأشاد بيومى بنجاح القطاع الزراعى فى النفاذ للأسواق الخارجية خاصة الأوروبية، مشيرا إلى أن مصر أكبر مصدر للبرتقال فى العالم، بالإضافة إلى البطاطس والخضروات والفاكهة التى تصدر للسوق الأوروبية ضمن اتفاقية الشراكة الأوروبية، وهو ما يعنى ان مصر قادرة على المنافسة فى التصدير من حيث المبدأ، ولكن "العضلات ليست قوية كفاية" – على حد تعبيره.
عدد الردود 0
بواسطة:
حسىين جعفر
اتفاقية التجارة الحرة حطمت الصناعة المصرية
اتفاقية التجارة الحرة حطمت الصناعة المصرية