سأل الرئيس الأمريكى جورج بوش «الأب» جنراله «شوارتزكويف»: «هل تعتبر أن الهدف الاستراتيجى من الحرب وهو إبادة الجيش العراقى وتدمير الإمكانية العراقية قد تحقق؟. أجاب: «تحقق بالكامل».
كان دافع الحديث الذى جرى يوم 23 فبراير «مثل هذا اليوم» 1991 حسب محمد حسنين هيكل فى كتابه «حرب الخليج - أوهام القوة والنصر»، ما إذا كان حل آوان وقف حرب «التحالف الدولى» بقيادة أمريكا ضد الجيش العراقى لإجباره على الخروج من الكويت بعد أن قام بغزوها يوم 2 أغسطس 1990.
أعطى «بوش» أوامره ببدء الحرب فى الساعة الثالثة من فجر 17 يناير، وبالرغم من أن هدفها تحرير الكويت، إلا أن هدفها الأهم نعرفه من طبيعة سؤال بوش إلى جنراله الذى قاد قوات التحالف فى هذه الحرب، كما نعرفه وفقا لـ«هيكل» مما قاله رئيس أركان الجيش الأمريكى وقتها «كولن باول» فى مؤتمر صحفى لعدد محدود من الخبراء يوم 23 يناير 1991: «إن استراتيجيتنا إزاء الجيش العراقى استراتيجية بسيطة فنحن أولا سوف نمزقه إربا إربا وبعدها سوف نقتله»: «كان الجيش العراقى بالفعل جيشا قويا، وقد وضع فى الميدان أكثر من خمسين فرقة مدرعة وميكانيكية للمشاة، كما كانت لديه قوة ضخمة تتكون من قرابة 400 طائرة، وكان يملك إلى جانب ذلك سلاح صواريخ يرتكز على قرابة 400 منصة للإطلاق».
فى هذه الأجواء واصل الإعلام حديثه عن قوة الجيش العراقى «راجع صحف الأهرام والأخبار والجمهورية الصادرة فى مصر وقتئذ»، وفيها أنه «رابع جيوش العالم»، ويمتلك قوة ضخمة من الصواريخ، وأكبر مدفع فى العالم، وأسلحة بيولوجية وكيميائية، وخلق هذا نوعين من الشعور لدى الرأى العام العربى، الأول هو الثقة بأن الجيش العراقى لن يهزم، وحدث نوع من الاستدعاء التاريخى لقدرة مصر بقيادة جمال عبدالناصر على مواجهة العدوان الثلاثى عام 1956 «بريطانيا، فرنسا، إسرائيل»، ولم يكن هذا التصور نفسه بعيدا عن القيادة العراقية نفسها، وحسب هيكل: «كان التقدير أن هذه الحرب قد تطول وبمقدار ما تطول فإن خسائر الأرواح فى القوات الأمريكية سوف تعيد إلى الوطن الأمريكى أشلاء جنوده فى أكياس بلاستيك»، أما الشعور الثانى فكان الخوف من الهزيمة مما يؤدى إلى خسارة عربية فادحة فى المخزون العسكرى الذى يمتلكه العرب ضد إسرائيل.
دارت الحرب، وكان للطيران دوره الحاسم، وحسب هيكل، دخل الرئيس السوفيتى «جورباتشوف» على خط المبادرة لوقف الحرب فبعد إعلان «صدام» قبول قرارات مجلس الأمن الدولى والانسحاب من الكويت فى خطاب له يوم 20 فبراير 1991، اقترح جورباتشوف على «بوش» دعوة مجلس الأمن للانعقاد وإعلان العراق أمامه قبول وقف إطلاق النار، إلا أن بوش رفض وقال إنه أصدر أمره بالهجوم البرى.
وحسب «هيكل»، كان «شوارتزكويف» مستعدا لتنفيذ خطة الهجوم البرى وتحركت قواته طبقا للعملية التى أطلق عليها اسم «المجد للعذراء»، لتقوم بحركة التفاف واسعة حول مواقع الجيش العراقى، يضيف هيكل: فى ذلك الوقت تلقت القوات العراقية صدمة إضافية، فالقوات على الجبهة كانت تعتمد على ثلاث شبكات من الاتصال مع قيادتها العليا فى بغداد، وخلال الضرب الجوى فى الأسابيع الأولى من الحرب فقدت القيادة العراقية شبكتين من شبكات اتصالها مع الجبهة، لكن شبكة واحدة ظلت تعمل، ويوم 23 فبراير «مثل هذا اليوم» 1991 تعطلت الشبكة الثالثة، وأصبحت القوات العراقية معزولة بالكامل عن قيادتها، فى الوقت الذى توقفت فيه حركة الإمداد والتموين، وسادت الخطوط العراقية حالة فوضى عارمة، وإن كانت القيادة العراقية قد تمكنت فى آخر لحظة من إصدار أوامرها إلى عدد من الفرق فى الكويت بالخروج من المدينة والانسحاب صوب البصرة، وفى ذلك الوقت كانت حركة الالتفاف حول الجبهة العراقية قد أكملت مهمتها، فوصلت قوات فرنسية تلحقها قوات أمريكية وبريطانية إلى منطقة الناصرية على نهر دجلة، واتصل قائد القوة الأمريكية بالجنرال «شوارتزكوف» يقول له، إن الجيش العراقى قد تم حصاره، وأن آلافا من جنوده يستسلمون.
بدأ الرأى العام العربى يفيق من هول الكارثة، وبدأت حركة فوران شعبى كما حدث فى مصر وفى نواحٍ كثيرة فى العالم، وحسب هيكل: «راحت واشنطن تتحسب فجرت اتصالات بين باول وشوارتزكوف، وكان رأيهما أن القوة العراقية العسكرية والصناعية والتكنولوجية تم تدميرها، فخرج بوش إلى مؤتمر صحفى معلنا وقف إطلاق النار».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة