أعلنت برلين أن موعد زيارة المستشارة أنجيلا ميركل للقاهرة - ردا على زيارة الرئيس السيسى لبرلين - ستكون فى الثانى والثالث من مارس المقبل، وأن وفدا اقتصاديا كبيرا سيصحب المستشارة الألمانية فى زيارتها تلك.
كيف تقرأ القاهرة تلك الزيارة؟.. وما الفرق بينها وبين كل الزيارات الألمانية السابقة؟
بداية تأتى زيارة المستشارة ليس فقط فى ظل وضع إقليمى فى منطقة الشرق الأوسط شديد التعقيد.. بل ووضع دولى تشوبه توقعات متباينة بشأن انعكاسات سياسة الولايات المتحدة الجديدة على كل مناطق العلاقات، والآثار الاقتصادية تحديدا لذلك.
ويمكن القول إن المستشارة ميركل تأتى ومعها أربعة ملفات على الأقل للتحاور بشأنهم فى القاهرة، فيما تضع القاهرة ملفا واحدا على طاولة البحث يتضمن بين دفتيه نفس القضايا التى تعتبرهما ميركل ملفات منفصلة.
برلين ترى على سبيل المثال أن العلاقات الاقتصادية - التجارية - السياحية مع القاهرة يجب أن تُناقش بمعزل عن قضية الإرهاب، أو الهجرة غير الشرعية أو العلاقات الأمنية والتسليحية، وقضايا المجتمع المدنى بين الطرفين، وأن كل قضية من القضايا المطروحة تلك ملف فى حد ذاته، فيما ترى القاهرة أن القضايا كلها يضمها ملف واحد، وأنه من غير الممكن التباحث بشأن قضية الهجرة غير الشرعية دون الأخذ فى الاعتبار الأوضاع الاقتصادية، والتسليحية والوضع فى ليبيا، وحتى قضايا المجتمع المدنى وعمل المؤسسات السياسية الألمانية فى القاهرة مرة أخرى وهو موقف تبنته وتتبناه القاهرة منذ يونيو ٢٠١٣ مع كل دول العالم، وستظل تتعامل بهذا المنطق لفترات طويلة مقبلة.
التقديرات من المتخصصين فى الغرب تشير إلى أن العلاقات المصرية الألمانية لم تكن فى أى يوم بأفضل مما عليه الآن، هذا بالرغم من كل ما قد يبدو لغير المتخصص من غيوم فى هذا القضية أو تلك، فالعالم كله لم يعتد على عقد صفقات اقتصادية بالمليارات بين طرفين - أو صفقات تسليحية ودفاعية وأمنية مهمة فى ظل وجود علاقات سياسية سيئة، والصفقات المصرية الألمانية منذ عامين معروفة للقاصى والدانى.
إذا كيف سيبدو الأمر؟
أغلب الظن أن الاتفاق على أغلب ما سيتم التباحث حوله تم بالفعل قبل زيارة المستشارة - خلال زيارة الوزير سامح شكرى الأخيرة إلى برلين، فعلى سبيل المثال - جرى الاتفاق على ضرورة مكافحة الإرهاب فى كل مكان بنفس المنطق، وتسييد معايير واحدة بهذا الخصوص، سواء تعلق الأمر بالإرهاب فى سيناء، أو ليبيا أو سوريا أو العراق أو اليمن أو فى أوروبا أى مكان آخر.
جرى الاتفاق أيضا على أن الهجرة غير الشرعية والملف الليبى والإرهاب والألغام والعلمين والتعاون الدولى الاقتصادى - السياحى – والتقنى، والتعاون الأمنى قضايا متداخلة ومتشابكة ومعقدة، وتمثل كتلة واحدة، لا يمكن التعامل مع تفصيلة بداخلها دون التباحث فى بقية النقاط الأخرى، ما يعنى ضرورة الاتفاق على معايير موحدة للتعاون فى تلك القضايا.
كذلك جرى الاتفاق على ضرورة إعادة تعريف الإرهاب، والديموقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان والعمل المدنى، وضرورة احترام التباين القائم بين البلدين فى فهم تلك الموضوعات، والناجمة عن الخلاف بين المجتمعين المصرى والألماني، مع تفعيل قاعدتى عدم التدخل فى الشؤون الداخلية والمعاملة بالمثل، مع ما يعنيه ذلك من سماح مصر بعودة عمل مؤسسة كونراد اديناور فى القاهرة وفق الأسس والمعايير المتفق عليها، واستعداد ألمانيا لتقبل وجود مؤسسات سياسية مصرية شبيهة فى برلين مستقبلاً، تتمتع بنفس الحقوق والواجبات.
فى كل الأحوال - فالجوانب الإيجابية من زيارة المستشارة ميركل للقاهرة أكثر من أن تحصى، والقاهرة لم تنس لألمانيا العديد من المواقف الإيجابية التى اتسمت بها السياسة الألمانية تجاه القاهرة فى أحلك اللحظات التى مرت بها مصر فى السنوات الخمس الأخيرة، كذلك لم تنس القاهرة أن برلين وافقت فى السنوات الثلاث الأخيرة على توقيع عقود اقتصادية وتسليحية مهمة لم توقع مثلها مع مصر منذ بدء العلاقات الدبلوماسية المصرية الألمانية عام 1957ـ الزيارة مهمة بكل المقاييس، وستدشن مرحلة جديدة فى العلاقات بين البلدين..مرحلة تتسم بالاحترام المتبادل، وتغليب المنطق البراجماتى للمصالح بين الطرفين على ما عداه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة