فى سنة 1941 أوجد الناشر الأمريكى "هنرى لوس" مصطلح "القرن الأمريكى"، وكان الهدف من ذلك رغبته فى أن تلعب الولايات المتحدة دوراً أساسياً فى الحرب العالمية الثانية، لأنه فى ذلك الوقت كان هناك شعور قوى بالعزلة التى تعانى منها الولايات المتحدة إذ عارض أفراد المجتمع الأمريكى فكرة مشاركة بلادهم فى الأحداث الدولية آنذاك، ومنذ الاستخدام الأول لهذا المصطلح لا تزال الولايات المتحدة هى اللاعب المهيمن فى توازن القوى العالمى، وفى كتابه الصادر عن مكتبة العبيكان والذى ترجمه "محمد إبراهيم العبد الله" يتساءل (جوزيف ناى) "هل انتهى القرن الأمريكى؟".
وعندما بدأ القرن العشرين استأثرت واشنطن بربع الاقتصاد العالمى وحدها، واستمر ذلك حتى قيام الحرب العالمية الثانية إذ دمرت تلك الحرب كل الاقتصاديات الرئيسية فى العالم وفى الوقت نفسه تعزز الاقتصاد الأمريكى بحيث أصبح يمثل وحده نصف اقتصاديات العالم فى الفترة التى تلت الحرب، لكن فى السنوات الأخيرة ظهرت كتابات عديدة تؤكد على الصعود الصينى.
لكن "جوزبف ناى" يؤكد أن القرن الأمريكى لم ينته بعد بل يتوقع أن تظل الولايات المتحدة القوة المهيمنة عالمياً حتى مع حلول عام ويرى جوزيف ناى أن مفهوم التراجع هو مفهوم مربك ومضلل لأنه يدمج شيئين مختلفين معاً وهما التراجع التام والتراجع النسبى، فالتراجع التام هو الذى يؤدى إلى تفوق الدول الأخرى على دولة كانت تتمتع بهيمنة عليها، ولكنها تراجعت نتيجة إعاقة داخلية. أما التراجع النسبى فهو يحدث حينما تتراجع هيمنة دولة ما نتيجة تحقيق الدول الأخرى نمو أفضل منها، وليس نتيجة انهيار الأولى.
ويثبت جوزيف ناى صمود القرن الأمريكى، بعدة دلائل منها، أن الولايات المتحدة ثالث أكبر دولة فى العالم "سكانيا: بعد الصين والهند، كما أنه من المتوقع أن تظل الولايات المتحدة مكتفية ذاتياً من الطاقة حتى العقد الثانى من القرن الحادى والعشرين، لا تزال الميزانية العسكرية الأمريكية تعادل أربعة أضعاف نظيرتَها الصينية ولكن لا يمكن إغفال زيادة قدرات الصين جزئياً على المستوى الاقليمى وسعى بكين لبناء ضعفى ترسانة صواريخها البالستية وصواريخ كروز والتى يمكن أن تعرّض السفن الأمريكية للخطر . وإذا سعت الصين لزيادة اعتمادها على نفط الشرق الأوسط بينما تقلل الولايات المتحدة من تركيزها عليه، فإن بكين ستبحث عن ممرات بحرية من خلالها سيتدفق البترول إلى الصين. ومع زيادة قدرتها البحرية فإنها ستشكل خطراً على التواجد الأمريكى فى هذه المنطقة المهمة.
ويؤكد "جوزيف ناى" أن الصين رغم النمو الاقتصادى الذى تحققه لن تقف على قدم المساواة فى القوة الاقتصادية والعسكرية، وأيضاً القوة الناعمة مع الولايات المتحدة، إذ أن بكين يمكنها الاعتماد على قدرات 1.3 مليار نسمة، لكن واشنطن يمكنها الاعتماد على مواهب وقدرات 7 مليار نسمة طالما أنها تحافظ على قبول المهاجرين من جميع أنحاء العالم وتستفيد من تنوعهم. ويخلص جوزيف ناى فى كتابه إلى عدد من النتائج منها لا يمثل سلوك الصين تهديداً وجودياً للولايات المتحدة لأن ما تريده بكين هو بعض التعديلات فى النظام الاقليمى ولكن ليس بالضرورة على المستوى العالمى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة