انتظر المصريون بفارغ الصبر قدوم اللورد «أللنبى»، ومبعث الانتظار كان ما سيأتى به من سياسة جديدة للاحتلال البريطانى لمصر.
غادر«أللنبى» لندن يوم 21 فبراير عام 1922 فى طريقه إلى القاهرة التى سيواصل فيها دوره، «المعتمد البريطانى لمصر»، وهو الموقع الذى كان يعنى أنه الحاكم الفعلى لمصر بالرغم من وجود ملك وحكومة.
كانت مصر ما تزال تنتظر حصاد ثورة 1919 التى طالبت بالاستقلال التام، وطرد الاحتلال الإنجليزى الذى بدأ منذ عام 1882، وفى 28 فبراير «مثل هذا اليوم» عام 1922 كان الحدث الذى رآه الاحتلال الاستقلال لمصر، ورآه المصريون استقلالًا زائفًا، والقصة معروفة تاريخيًا بـ«تصريح 28 فبراير 1922»، فماذا عنه؟، وهل أعطى لمصر فعلًا الاستقلال الذى طالب المصريون به، وسقط شهداء بسببه؟
وطبقًا لحوليات «مصر السياسية - التمهيد 3»، «أحمد شفيق باشا»، «الهيئة العامة للكتاب- القاهرة»، فإن رئيس الوزارة البريطانية أبلغ رؤساء حكومات ممتلكاتها، ومنها مصر، فى 27 فبراير ببرقية نصها: «يسرنى أن أبلغكم أن حكومة جلالة الملك قررت الآن، بالاتفاق مع اللورد أللنبى، إصدار تصريح لمصر تنتهى به الحماية البريطانية، مع المحافظة على الحالة الراهنة، فيما يتعلق بالصوالح الخاصة التى للإمبراطورية البريطانية فى مصر، وسيسلم اللورد «أللنبى» التصريح إلى السلطان فى 28 فبراير «السلطان هو فؤاد»، وسيقدم إلى البرلمان هنا «فى لندن» بعد ظهر اليوم نفسه، أما نصه فسيرسل إليكم فى تلغراف على حدة».
أدت هذه التحركات إلى ترقب ما سيكون عليه هذا «التصريح»، ومن هنا انتظر الجميع مقدم حامله «أللنبى»، ويصف «شفيق» هذه الحالة قائلًا: «لما وصل فخامة اللورد أللنبى فى مختتم شهر فبراير إلى القاهرة كان الاحتفال بمقدمه عظيمًا، وازدحم الناس فى ساحة المحطة، وعلى جانبى الطرق التى مرت بها عربته، وكانوا يحيطونه بالتصفيق، وكانت الغبطة والبشر باديين من محياه، ولم يكد يستريح من وعثاء السفر حتى قصد قصر عابدين فى الساعة الثالثة، وقدم لحضرة صاحب العظمة السلطان فؤاد الأول تصريحًا لمصر، وبيانًا تفسيريًا يبين فيه مرامى خطة حكومته السياسية الواردة بالمذكرة الإيضاحية التى قدمها فخامته فى 3 ديسمبر من السنة الماضية، فاستدعى عظمته فى المساء حضرة صاحب المعالى عبدالخالق ثروت باشا، وبعد أن حادثه فى الأمر كلفه بتشكيل وزارة جديدة على أساس التصريح الجديد».
نص التصريح: «بما أن حكومة جلالة الملك «بريطانيا»، عملًا بنواياها التى جاهرت بها ترغب فى الحال فى الاعتراف بمصر دولة مستقلة ذات سيادة، وبما أن للعلاقات بين حكومة جلالة الملك وبين مصر أهمية جوهرية للإمبراطورية البريطانية، فمبوجب هذا تعلن المبادئ الآتية:
1 - انتهت الحماية البريطانية على مصر، وتكون مصر دولة مستقلة ذات سيادة.
2 - حالما تصدر حكومة عظمة السلطان قانون تضمينات، نافد الفعل على جميع ساكنى مصر، تلغى الأحكام العرفية التى أعلنت فى 2 نوفمبر 1914 «مع بدء الحرب العالمية الأولى».
3 - إلى أن يحين الوقت الذى يتسنى فيه إبرام اتفاقات بين حكومة جلالة الملك وبين الحكومة المصرية فيما يتعلق بالأمور الآتى بيانها، وذلك بمفاوضات ودية غير مقيدة بين الفريقين، تحتفظ حكومة جلالة الملك بصورة مطلقة بتولى هذه الأمور، وهى: تأمين مواصلات الإمبراطورية البريطانية فى مصر، والدفاع عن مصر من كل اعتداء أو تداخل أجنبى بالذات أو بالوساطة، وحماية المصالح الأجنبية فى مصر، وحماية الأقليات، والسودان».
واختم «التصريح» نصوصه بالقول: «حتى تبرم هذه الاتفاقات تبقى الحالة فيما يتعلق بهذه الأمور على ما هى عليه الآن». بتحليل هذه التحفظات نجد أنها لا تعطى مصر استقلالًا، فهى تبقى على وجود الجيش البريطانى فى مصر، وتحرمها من تكوين جيشها الوطنى، وتبرر التدخلات البريطانية فى شؤون مصر تحت مبرر الدفاع عنها ضد أى تهديد خارجى، كما تفصل السودان عن مصر.
ومع هذا التصريح، سلم «أللنبى» إلى السلطان فؤاد بلاغًا شرح فيه نصوصه، وسمح فيه لمصر بإعادة منصب وزير الخارجية، والعمل على تحقيق تمثيل دبلوماسى وقنصلى مصرى فى الخارج بعد أن تقرر إلغاؤهما مع إعلان الحماية البريطانية على مصر عام 1914.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة