طالب قسم التشريع بمجلس الدولة بوجوب عرض وأخذ رأى مجلس القضاء الأعلى، على تعديلات قانون الحق فى الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات المعروف بـ"قانون التظاهر"، وذلك إعمالاً لحكم المادة 185 من الدستور، التى أوجبت أخذ رأى كل جهة أو هيئة قضائية فى مشروعات القوانين المنظمة لشئونها، والتى تتناول شأنا من الشئون التى يتولاها القضاء وفقا لاختصاصه الدستورى والقانونى.
وتنص المادة العاشرة التى راجعها قسم التشريع وأرسلها لمجلس الوزراء، على أن لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص فى حالة حصول جهات الأمن - وقبل الميعاد المحدد لبدء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة - على معلومات جدية أو قرائن ودلائل كافية، عن وجود ما يهدد الأمن أو السلم، التقدم بطلب إلى قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية المختصة لإلغاء أو إجراء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو نقلهم إلى مكان آخر أو تغيير مسار المظاهرة، ويصدر القاضى أمرا مسببا فور تقديم الطلب إليه على أن تبلغ به الجهة الإدارية مقدم الإخطار فور صدوره، ولذوى الشأن التظلم من القرار وفقاً للقواعد المقررة بقانون المرافعات المدنية والتجارية.
وسبق للمحكمة الدستورية العليا أن أصدرت حكمها بإبطال وعدم دستورية المادة العاشرة من قانون التظاهر رقم 107 لسنة 2013، والتى كانت تمنح وزير الداخلية ومدير الأمن المختص حق إصدار قرار بمنع الاجتماع أو التظاهرة المخطر عنها أو إرجائها أو نقلها، فأجرت وزارة العدل التعديل الجديد، وتم عرضه على قسم التشريع بمجلس الدولة.
وحصل "اليوم السابع" على نص ملاحظات قسم التشريع على تعديل المادة، حيث أيد القسم برئاسة المستشار أحمد أبو العزم، المادة فى شكلها الجديد، ومنح الاختصاص لنظر الطلب إلى قاضى الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية المختصة، رافضاً المطالب بجعل الاختصاص لمحاكم القضاء الإدارى بمجلس الدولة.
ذكر قسم التشريع أن اختصاص قاضى الأمور الوقتية "الأمور المستعجلة" بنظر طلب جهة الإدارة بإلغاء أو إرجاء أو نقل أو تغيير مسار التظاهرة فى ضوء ما تحصلت عليه من معلومات جدية أو قرائن ودلائل كافية قبل بدء التظاهرة، تفيد وجود تهديد للأمن أو السلم، لا يخالف حكم المادة 190 من الدستور، الخاصة بمجلس الدولة، تأسيسا على انتفاء وجود المنازعة الإدارية التى يختص بها مجلس الدولة فى مثل هذه الحالات، حيث لا يتجلى أى وجه للسلطة العامة فى هذا الشأن، فلا تصدر الجهة الإدارية أى قرار إدارى ينال من حق الأفراد فى تنظيم الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة السلمية، وإنما تلجأ إلى قاضى الأمور الوقتية بطلب استصدار أمر، ليقرر حينها دون غيره، ما إذا كانت هناك حقوق ومصالح وحريات أولى بالرعاية تحيز منع الاجتماع أو التظاهرة السلمية أو تأجيلها أو نقلها أو تعديل مواعيدها أو تغيير مسار التظاهرة، وذلك فى ضوء ما تقدمه جهة الإدارة "وزارة الداخلية أو مدير الأمن المختص" من دلائل وبراهين ومعلومات موثقة تقتضى ذلك وتبرره.
أوضح قسم التشريع كذلك أن الطلب الذى يقدم من وزارة الداخلية أو مدير الأمن المختص لا يصدق عليه وصف الدعوى، كما أن الأمر الذى يصدر فى شأنه لا يصدر عليه وصف "الحكم" وبالتالى يفقد مقومات المنازعة الإدارية، فضلا عن أن جهة الإدارة لا تملك استخدام أساليب السلطة العامة فى الحالات المشار إليها ويبقى الأمر مرجعة القضاء فى كل حالة على حدة، ومن ثم لا نكون بصدد منازعة إدارة مما تدخل فى اختصاص مجلس الدولة، الأمر الذى يضحى معه إسناد المشروع المعروض الاختصاص بنظر الطلب المشار إليه لقاضى الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية، فى محله، وفرضته اعتبارات عملية تبرره نظرا للسرعة المطلوبة فى هذا الشأن وطبيعة الإجراء الوقتى الذى تقتضيه ظروف الحال والمصلحة العامة المستهدفة من ورائه والتى تكون أولى بالرعاية من مصلحة بعض الأفراد فى ممارسة حقهم فى تنظيم التظاهرة أو الاجتماع العام أو الموكب.
وتبنى القسم وجه النظر هذه بعد دراسته لمشروع القانون فى ضوء نصوص الدستور والقوانين ذات الصلة بأحكامه، وأحكام المحكمة الدستورية العليا وأحكام المحكمة الإدارية العليا وأحكام محكمة النقض ذات الصلة بالمشروع، ومنها الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا فى القضية رقم 160 لسنة 36 قضائية دستورية 2014 وكذلك فى ضوء ما استقر عليه قضاء المحكمة الإدارية العليا "دائرة توحيد المبادئ" من أن المقصود بالمنازعة الإدارية تلك المنازعات التى تنشأ نتيجة نشاط وأعمال السلطة الإدارية بوصفها سلطة إدارية - أى فى مجال ممارسة وظفتها الإدارية - إذا ما باشرت بشان هذا النشاط أسلوب السلطة العامة.
كما استند إلى حكم صادر من المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 1770 لسنة 48 قضائية عليا عام 2009، الذى أكد أن لا تعتبر المنازعة إدارية لمجرد كون الإدارة طرفا فيها، فإذا كانت التصرفات التى تجريها الجهة الإدارية متجردة من السلطة العامة ولا تتعلق بقرار إدارى نهائى أو التعويض عنه، تسرى أحكام القانون الخاص، كما يختص القضاء العادى بنظر المنازعات الناشئة عن تلك التصرفات.
كانت المحكمة الدستورية العليا قد أبطلت هذه المادة والتى كانت تمنح وزير الداخلية ومدير الأمن المختص حق إصدار قرار بمنع الاجتماع أو التظاهرة المخطر عنها أو إرجائها أو نقلها، وذكرت فى حيثيات حكمها إلى وجوب أن يكون القرار أو الطلب مراقب من "القضاء المختص" دون أن تحدد من هو "القضاء المختص" فتم إجراء التعديل ومنح الاختصاص لقاضى الأمور الوقتية، فخرجت مطالب بجعل الاختصاص للقضاء الإدارى بمجلس الدولة، لكن قسم التشريع بالمجلس أيد وجهة النظر الأولى مستنداً فى حيثياته لما سبق ذكره.
وكان المستشار أحمد أبو العزم رئيس قسم التشريع قد أكد فى حواره مع اليوم السابع أن القسم راجع فقط المادة العاشرة من قانون التظاهر التى عرضت عليه فقط، وذلك فى ضوء الاختصاص المنعقد له، وأنه يرحب بأى تعديلات أخرى تقترحها الحكومة.