أقام الكاتب الصحفى محمد التابعى، حفلة فى بيته لأصدقائه اللبنانيين الوزيرين السابقين «واصف عز الدين»، والسيدة حرمه، و«حبيب أبو شهلا»، وحسب كتاب «أسمهان لعبة الحب والمخابرات» لـ«سعيد أبو العينين» كتاب اليوم، أخبار اليوم، القاهرة، حضرت الحفلة الفنانة أسمهان، والفنان محمد عبد الوهاب وآخرون من أصدقاء التابعى، وحضرها أحمد حسنين باشا رئيس ديوان الملك فاروق، وغنت أسمهان وغنى عبد الوهاب.
كان الاحتفال مساء يوم 8 فبراير، «مثل هذا اليوم» 1940، وفيه بدأ قصة غرام «حسنين باشا»، و«أسمهان»، وبالرغم من أن التابعى نفسه أحب أسمهان، إلا أنه يحكى تفاصيل هذه الليلة التى ستكون نقطة التحول فى حياة ابنة الـ28 عامًا وقتئذ«مواليد 25 نوفمبر 1912»، وابن الـ50 عامًا،كانت هى حسب وصف الكاتب الصحفى مصطفى أمين الذى عرفها عن قرب: «امرأة ساحرة،أنوثتها طاغية،وفى عينيها جاذبية،وكانت أحيانًا تتكلم وكأنها تغنى،وأحيانًا تغنى وكأنها تتكلم،وكان لها قدرة غريبة على اجتذاب الرجال»، ووصفها«التابعي»فى كتابه«من أسرار الساسة والسياسة-أحمد حسنين باشا» «دار الشروق–القاهرة»: «عيناها كانتا كل شىء، فيهما السر والسحر والعجب، وكانت تعرف كيف تستعمل سحر عينيها عند اللزوم».
أما«حسنين باشا» ففى رأى التابعى: «الرجل الذى كان بيده خيوط السياسة المصرية فى الفترة من عام 1940 إلى عام 1946. كان خلالها«يقيم الوزارات ويسقط الوزارات، وكان طول عمره موضع إعجاب النساء، فيه كل ما يعجب المرأة، ممشوق القامة، حلو الحديث، حسن الهندام، جذابًا، مؤدبًا، إذا أقبل على سيدة يتحدث معها خيل إليها أنه لا يرَ سواها ولا يهتم بسواها، وكان رياضيًا ممتازًا وبطلًا مبرزًا من أبطال السيف، ورحالة مشهورًا جاب مجاهل الصحراء،وجابه أخطارها،واكتشف واحة أو واحتين ودوى نبأ اكتشافاته فى جوانب العالم، وكانت ثقافته واسعة متعددة الألوان،كان يستطيع أن يتحدث بسهولة فى الشعر العربى القديم والحديث،وفى المسرح،والفرق بين المدرسة الإنجليزية فى التمثيل والمدرسة الفرنسية،وفى الصيد والقنص وفى الطيران،وكان يتحدث فى الموضة وتطوراتها،ويمكنه أن يناقش وعلى قدم المساواة أى سيدة خبيرة فى الأزياء».
التقى الاثنان فى هذه الحفلة لينسجا معًا قصة حب صاخبة، وزاد من صخبها ولهيبها غيرة الملكة نازلى أم الملك فاروق التى ذابت عشقًا فى «حسنين» بعد وفاة زوجها الملك فؤاد، حيث شعرت يوم موته بأنها وحسب تعبير«التابعى»:«تحررت بعد أن بقيت سجينة القصر أو فى «قفص من ذهب» سبعة عشر عامًا هى الربيع وخير ما فى العمر وسنوات الصبا والشباب». كانت أسمهان يوم عرفها«حسنين»تقيم فى فندق«ميناهاوس»،وأصبح يزورها فى الفندق،وإذا لم يجدها يترك لها رسالة بخطه،وعرف نزلاء الفندق والموظفون أن كبير رجال حاشية الملك فاروق يتردد على المطربة الشابة،وكان طبيعيًا أن يخرج هذا الخبر من الفندق وينتشر هنا وهناك إلى أن يصل إلى القصر والذين فيه،ودهش الذين يعرفون حسنين ويعرفون مبلغ حذره وحرصه وتكتمه،لقلة احتياطه ولعدم مبالاته أن يعرف الناس أن له علاقة بالمطربة أسمهان، وذات مساء كان جالسًا فى غرفة مكتبه بقصر عابدين،وانطلق صوتها بإحدى أغنياتها المعروفة».
يضيف التابعى:«روى لى حسنين نفسه التفاصيل، فقال:«ظننت أن أحد أجهزة الراديو العديدة فى السراى هو مصدر الصوت وأنه ينقله من محطة الإذاعة،وانتهت الأغنية،وأعقبتها أغنية أخرى لأسمهان،ثم أغنية ثالثة،عجبت وقلت ترى هل تذيع محطة الإذاعة هذه الليلة برنامجًا خاصًا لأسمهان،ولكن عندما انطلق صوتها بأغنية رابعة وخامسة شككت فى الأمر،وقمت من أمام المكتب ومشيت إلى النافذة،وأطللت منها فرأيت«جلالة الملك»واقفًا وأمامه على مائدة صغيرة جهاز فونوغراف وإلى جانبه أحد خدام القصر يحمل بضع أسطوانات،ورفع الملك رأسه ورآنى وقهقه ضاحكًا،وصاح:مبسوط يا حسنين».
كانت نازلى تتابع الأمر بلوعة.كانت تجرى وراءه.كانت على استعداد لأن تحارب الدنيا كلها من أجل أن يكون لها وحدها،وأدرك«حسنين»أن حكايته مع أسمهان لابد أن تكون وصلت إلى مسامع نازلى،ويسأل التابعى:«هل جزع أو اهتم»، ويجيب:«كلا»وليس لهذا التصرف من جانبه سوى تفسير واحد وهو أنه كان يتعمد إثارة غيرتها،وكان يعرف طبيعة الملكة نازلى،فنار الشوق التى فى صدرها لا تلبث أن تهدأ ثم تبرد وتخمد وتموت،ولم يكن موت هذه النار من برنامج سياسته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة