افتتح الخديو عباس حلمى الثانى دور الانعقاد السنوى لـ«الجمعية العمومية» للبرلمان، كان الأمير حسين كامل هو رئيس الجمعية، وكان الافتتاح يوم 9 فبراير «مثل هذا اليوم» 1910، وكان مشروع «مد امتياز قناة السويس» أربعين عاما هو المشروع الذى ستناقشه «الجمعية».
كانت القناة بمقتضى هذا المشروع ستبقى خارج سيطرة مصر حتى عام 2008 بدلا من سنة 1968، وهو تاريخ نهاية الامتياز الأول، طبقا لما يذكره الدكتور مصطفى الحفناوى فى الجزء الرابع من كتابه «قناة السويس ومشكلاتها المعاصرة» عن «مكتبة الأسرة- الهيئة العامة للكتاب- القاهرة»، و«كانت يقظة محمد فريد بك هى التى أنقذت مصر من تلك المؤامرة الدنيئة».
كان «أحمد شفيق باشا»، رئيس ديوان الخديو عباس الثانى، شاهدا على الحدث وطرفا فيه، وفى الجزء الثالث من مذكراته «الهيئة العامة للكتاب - القاهرة» يذكر: «لما شعرت شركة قنال السويس بحاجة إلى المال، انتهزت الفرصة وعرضت على الحكومة أن تصرح لها بمد امتياز القناة أربعين سنة جديدة مقابل أربعة ملايين من الجنيهات، وكان المستشار المالى يميل للأخذ بهذه الفكرة، وكذلك السير جورست «المندوب السامى البريطانى» وبطرس باشا غالى «رئيس الوزراء»، إلا أن الرأى العام كان ضدها وكذلك بعض النظار كسعد باشا ورشدى باشا ومحمد سعيد باشا، وكتبت الصحف بهذه المناسبة كتابات شديدة، وتماطرت البرقيات والاحتجاجات على السراى من الأعيان والأحزاب والهيئات المختلفة، ووردت لنا برقيات من محمود سليمان باشا وعلى شعراوى باشا وأحمد يحيى باشا يطلبون فيها طرح المشروع على الجمعية العمومية، وكذلك جاءنا مثل هذا الطلب من حزب الإصلاح، وأرسلت الاحتجاجات إلى رئيس النظار بطرس باشا ولناظر الخارجية الإنجليزية».
يضيف «شفيق»، أنه سلم هذه البرقيات إلى بطرس باشا بتكليف من الخديو الذى أفهمه أن يبلغ بطرس بأن سموه يخشى أن تكون هذه الحركة ضده شخصيا فيلزمه أن يحترس منها، وأن سموه لا يرى مانعا بعد هذه الحركة القوية أن يعرض المشروع على الجمعية العمومية حتى تخف مسؤولية النظارة، ويؤكد «شفيق» أنه لما قابل بطرس أبلغه رأى الخديو، وفى يوم 31 أكتوبر 1909 عرض على الخديو نتائج مهمته، وفى اليوم التالى جاء جورست «المعتمد البريطانى فى مصر» إلى سراى رأس التين وتم الاتفاق على عرض المشروع أمام الجمعية العمومية، شرط أن يدافع سعد زغلول عنه «باعتباره وزيرا فى الحكومة» ويكون رأى الجمعية قاطعا.
قاد الزعيم الوطنى محمد فريد الحالة الوطنية حول هذه القضية، ويذكر عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية» عن «دار المعارف- القاهرة»: «ظل المشروع فى طى الخفاء زهاء سنة، وكان فى عزم الوزارة إنفاذه بسرعة، حتى لا يزعجها احتجاج الصحف الوطنية، ولكن «فريد» تمكن من الحصول على نسخة المشروع فى أكتوبر سنة 1909، فبادر إلى نشرها فى جريدة اللواء، ثم قفّى على أثرها ببيان أسرار المشروع وأسبابه، والغبن الذى يصيب مصر من ورائه، وشرح ذلك فى سلسلة مقالات مستفيضة»، وحركت القضية روح الشاعر حافظ إبراهيم، فكتب مناشدا الجمعية العمومية بألا تثق فى وعود الاحتلال: «فياويل القناة إذا احتواها/بنو التايمز وانحسر اللثام/ لقد بقيت من الدنيا حطاما/ بأيدينا وقد عز الحطام».
فى ظل هذه الأجواء ذهب الخديو عباس الثانى إلى الجمعية العمومية، وحسب «شفيق باشا»، كان معه رئيس النظار «بطرس باشا» ومحمود شكرى باشا وحسين محرم باشا، وألقى الخديو كلمة عرض فيها المشروع بإيجاز قائلا: «بعد المخابرة الطويلة أمكن الوصول إلى المشروع المطروح أمامكم، وقد علمتم أن حكوماتنا مجمعة على قبوله إذا رضيت الشركة بالتعديلات التى اقترحتها الحكومة عليها، فالغرض إذًا من اجتماعكم إنما هو البحث فيما إذا كان من مصلحتنا مد أجل الامتياز إلى أربعين سنة مع اقتسام الأرباح فى هذه المدة بين الحكومة والشركة مناصفة، وفى مقابل إعطاء الشركة نصف الأرباح عن المدة الجديدة تدفع للخزينة مبالغ موزعة على الستين سنة الباقية من مدة الاميتاز الحالى، وقدر هذه القيمة بعد البحث الدقيق أشخاص من ذوى الخبرة فى الشؤون المالية، وهم يرون أنه إذا حصلت الموافقة على التعديلات تكون الفائدة التى تنالها مصر موجبة لتمام الرضاء».