قال الدكتور شاكر عبدالحميد وزير الثقافة الأسبق، إن رواية "شيطان صغير عابر" للكاتب محسن عبدالعزيز تُعد عملًا إبداعيًا يتناول نوع معين من حياة بعض المبدعين أو الموهوبين الذين لا يتحققون بشكل كامل، وهذا النوع مرتبط بالشخصية المصرية والممارسات الثقافية والدينية والسياسية وأساليب التربية والتعليم فى مصر، وينطبق عليهم قول المتنبي: "ولم أر في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام"، مشيرًا إلى أن الرواية تُصور حياة هؤلاء المبدعين في مجال الخطابة والموسيقى والرسم وغيرها، لكن هذه الموهبة لا تكتمل لأسباب موجودة عبر الرواية، كذلك تُعد الرواية ذات خصوصية، لأنها ترصد الشخصية المصرية في كثير من جوانبها، وبخاصة إشكالية المبدعين، باعتبار أن المصريين مبدعون بطبيعتهم، نتيجة الخبرة المختزنة من آلاف السنين التي تناقلتها الأجيال.
وأضاف "عبدالحميد" خلال مناقشة الرواية بنادي القصة الأدبي، أن الرواية تعتد على تكنيك الذاكرة، والاستدعاء، بلغة شديدة الحميمية للماضي، باعتبار ان الماضي هو الجنة المفقودة إن قّورن بالحاضر، فالراوي غريب الوجه واليد واللسان، يجد نفسه غريبا في عالم المدينة بكل مافيه ما أحداث وعلاقات وتناقضات، يتحول إلى شيء أو موضوع أو شخص عاجز محبط، لن يصل لهدفه إن لم يسلك طرق ملتوية.
وصنف العمل بأنه نص أو بورتريه روائي، تُجسد براهفة تناقضات الشخصية المصرية، والازدواجية في الفكر، حيث التدين والتهتك في ذات الوقت، وحالات التلون الديني و السياسي، وكيف أن الشخص يمكن أن يتحول من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار٬ معرفًا عنوان الرواية بأن شيطان دلالة على تمرد وعند الطفل، وعابر تعنى أن الطفل الصغير عابر من خلال الشخصيات الروائية، وعابر للأحداث.
فيما أوضح الكاتب الصحفي أنور عبداللطيف، مدير تحرير جريدة الأهرام أن الرواية عمل تاريخي إنساني يتماهى مع واقع حياتنا في مصر، حيث اعتمد الكاتب في سرد الرواية على مفرادات ثرية ُتصور القرية وجوانب الحياة فيها، والطفولة البائسة والأحلام الضائعة بعيون طفل صغير مُعبّأ بالأحلام وّلد في صعيد مصر بمحافظة المنيا، جعلته يندمج ويتفاعل مع الرواية، نظرًا لأنها تُعبّر عنه، كطفل نشأ في مركز ميت غمر بالدقهلية.
وأشارت الكاتبة زينب العسال إلى أن عنوان الرواية "شيطان صغير عابر"، يتمم عنوان المجموعة القصصية الأولى للمؤلف "ولد عفريت تؤرقه البلاد"، التي كُتبت منذ حوالي 16 عامًا، ووقفت "العسال" عند تصنيف الرواية، حيث اعتبرت أنها جنس أدبي يجمع بين الرواية والسيرة الذاتية، والرواية التسجيلية والمتوالية القصصية، وبإعادة تصنيف العمل المكون من ستة فصول، نجد أنه في كل فصل يضع الكاتب أكثر من قصة أو مشهد روائي كلها تتسق ويضمها راو، وهذا الراوي هو السارد، لكن هذا السارد ليس هو ذات المؤلف، لأن الرواية تبتعد عن السيرة الذاتية الخالصة.
واستعرضت "العسال" موضحة أن الرواية تُروى برؤية طفل متمرد ، ممتلئ بالدهشة، سواء كان في القرية أو المدينة، مغرم بأنه يقدم نفسه من البداية بأنه فعلًا "شيطان صغير عابر"، من خلال تصرفاته مع أسرته والعالم المحيط به في القرية التي نشأ فيها، مشيرًا إلى أن قرية "محسن عبدالعزيز" في الرواية تختلف عن القرية في رواية "الأيام" لطه حسين، أو رواية "المعذبون فوق الأرض"، أو القرية عند توفيق الحكيم، وعبدالحكيم قاسم ويوسف القعيد، فالقرية عند "عبدالعزيز" تُشبهه هو، يصف شارعها بأنه "أوسع من الطريق إلى الله"، وهو تعبير وتشبيه ينفرد به الكاتب.
وأضافت أن "شيطان صغير عابر" اهتمت بإبراز إشكاليات قضايا النسوية، وسلب حقوق النساء في بعض قرى الصعيد والدلتا، وحرمانهن أو اقتطاع جزء كبير من ميراثهن، كذلك إبراز قضية تسليع المرأة في المدينة، حيث يلجأ بعض النساء في بعض المؤسسات الصحفية إلى تقديم تنازلات ورشاوى جسدية للحصول على امتيازات من إدارة التحرير، مشيرة إلى أن الكاتب عرّى المجتمع وكشف الستار عن انتهاك المرأة ومظاهر الاستبداد ومساوئ الإسلام السياسي.
ووصفت "العسال" الكاتب بأنه صياد ماهر قادر على أن يلتقط اللحظات التي لا يمكن لذاكرة المتلقى أن ينساها كمآسي الطفولة وأفراحها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة