بألوان زاهية وبشاشة وجوه سمراء فى طبيعة خلابة استطاع أبناء النوبة لفت أنظار العالم لنوع جديد من السياحة فى مصر، بجانب ما تعود السائح على رؤيته داخل مصر من آثار فرعونية ومعابد مقدسة وغير ذلك من مزارات تشتهر بها مصر طوال العقود الماضية.
ففى قرية غرب سهيل النوبية تشاهد نوعاً جديداً من السياحة، اعتمد فيه أبناء النوبة على الطبيعة الساحرة بضفاف نهر النيل فى محافظة أسوان، وموقع منازلهم البسيطة الممزوجة بالألوان الزاهية لتختلط ألوانها بألوان الخضرة على ضفاف النيل والجبال والصخور، فيجلس السائح فى هذه المنطقة يستمتع بجمال الطبيعة ويستمع لقصص النوبة القديمة وسط فلكلور نوبى ومشغولات يدوية نوبية.
يتحدث ناصر ربيع، أحد أهالى غرب سهيل، لـ"اليوم السابع"، "غرب سهيل قرية نوبية جنوب أسوان مازالت تحفظ تراثها وتردد أغانيها على إيقاعات كفوف سمراء تستقبل أبناءها العائدين فى الأعياد لإقامة أفراحهم بطريقة الأجداد، وهى قرية أنجبت الكثير ممن يعتبرهم النوبيون حاملى تراث الموسيقى النوبية أنها واحدة من بلاد الذهب تلك الرواية الممتدة التى يتداخل فيها التاريخ مع الأساطير وسنوات الفرح مع أيام الشقاء ارتبطت كلها بالنهر الذى بقدر ما يجرى فى العروق يجرى المقادير ولا يخفى على أحد عمق وخصوصية هؤلاء البشر والتى تعتبر من أهم مظاهر التنوع الثقافى المصرى".
وأضاف العم ناصر أن القرية الآن عبارة عن مزار سياحى مهم تمكنت خلالها مظاهر الحياة اليومية من اجتذاب السائحين الذين يأتون عبر النيل ويقضون وقتا ممتعا على الطريقة النوبية تحت قباب بيوت مازالت تحافظ على أصالة ناسها وتراثها، وتقع قرية غرب سهيل فى الضفة الغربية للنيل إلى الشمال من خزان أسوان فى مواجهة جزيرة سهيل ونجوع الكرور والمحطة على بعد 15 كم من أسوان، وهى من القرى التى لم يطلها التهجير لأنها تقع شمال السد العالى وهى مذكورة فى كتاب خرائط الحملة الفرنسية باسم "خور وادى كوكى" وكانت أصغر من حجمها الحالى، وكانت عبارة عن مسجد وعدة بيوت نوبية، وكان يعمل أهل هذه القرية بمهنة الصيد والتجارة من القاهرة إلى السودان.
وأوضح أن اسم القرية الحالى غرب سهيل فلأنها تقع غرب جزيرة سهيل تلك الجزيرة المقدسة التى يعبد فيها الإله خنوم أو الإله الكبش، الذى كان يعتقد أنه خالق وأن منابع النيل تبدأ من هنا، ومما يذكره المؤرخون عن هذه الجزيرة أنه فى عهد الملك زوسر حدثت مجاعة لمدة سبع سنوات ونصحه الكاهن والمهندس إيمحوتب بانى هرمه المدرج أن يقدم القرابين لخنوم ولما تقدم بالقرابين فاض النهر.
وأشار إلى أن عدد سكان القرية عشرة آلاف و750 نسمة نحو 90% منهم من النوبين و10% من محافظات الصعيد ممن قدموا أثناء بناء السد العالى ومن قبله خزان أسوان، والغريب فى السكان الصعايدة أنهم تطبعوا بطباع النوبة وأخذوا عاداتها وتقاليدها ويتكلمون مثلهم بل ويقدمون بعمل أفراحهم بنفس الطريقة وينطبق الأمر على كل عادات المناسبات المختلفة والأغلبية النوبية سعيدة بهذا الأمر.
وتابع أحمد شامبو أحد الأهالى الحديث عن قرية غرب سهيل قائلاً "عندما تسير فى شوارعها تشعر أن الزمن عاد بك إلى أيام النوبة القديمة التى قرأنا عنها فى الأدب النوبى تفسر الشمس والنيل والصبية السمر على الشاطئ المنحدر ونفس البيوت المعلقة على المدرجات الجبلية المنحدرة والبيوت معظمها على حالة بفنائه الداخلى وزخارفه الخارجية والمرأة النوبية لا تكف عن تنظيف بيتها وما حوله فى ظاهرة ملفتة للنظر نادرا ما نجدها بهذا الدأب فى مكان آخر، وأمام معظم البيوت تلك المصاطب المليئة بالرمال التى يحرصون على تنظيفها وغربلتها بحيث تبدو الرمال طازجة على الدوام.
وعلق شامبو قائلاً "ما يبعث السعادة هو حالة الرواج السياحى وحرص عدد كبير من السائحين على زيارة القرية، وغالبا ما يأتون عن طريق النيل فى مراكب شراعية ويرسون عند سفح رملى يسمى بربر ثم ينتقلون بالجمال إلى داخل القرية، والتى تحولت بعض بيوتها إلى استقبال السياح ليعيشوا الحياة النوبية ويقومون بشراء المنتجات اليدوية وتقوم النساء بعمل الحناء".
وأكد شامبو أن للنوبة تراث عريق فى المشغولات اليدوية، وقد تم الحفاظ على معظمه وليس كله، مضيفا أن ما يدهشك هذا التراث باكتشاف مساحات منه وهو يشبه أهل النوبة البسطاء الطيبين الحاملين مع ذلك أصالة وعراقة بلا حدود الذوق الرفيع عنوان لهذا التراث دون اصطناع صحيح أن بعض المنتجات قد بدأت تتحول وتأخذ طابعا سياحيا لكن الكثير منها مازال على أصالة الصنعة والخدمات القديمة.
ولفت إلى أن كل ما يتعلق بتراث النوبة القديمة ستجده فى غرب سهيل من التماسيح الموجودة فى بعض البيوت ويحب السياح مشاهدتها وطبعا معظمها من الحجم الصغير والمتوسط، حتى الطعام النوبى ومرورا بمشغولات الخوص المميزة والمختلفة عن أى سعف آخر فى أى مكان وتتميز بألوانها ونقوشها وخوص الدوم وأعواد القمح كذلك نجد مشغولات الخرز والطواقى والملابس النوبية التقليدية "كالجرجار" وهو عبارة عن جلابية خفيفة سوداء من قماش مخرم به كسرات عديدة يتم ارتداؤها فوق جلابية ملونة، مشيراً إلى أن القرية تنتشر فيها البازارات التى تبيع هذه المنتجات لكن تلاحظ ظاهرة غريبة وهى انتشار التراث الأفريقى كالأقنعة والتماثيل، ويتم استيرادها من بعض الدول الأفريقية وخصوصا مالى.
ويؤكد ربيع أحمد من أهالى غرب سهيل أن القرية تشتهر أيضاً بمشغولات البشارية والعبابدة والجعافرة، وهى قبائل الصحراء الشرقية فى الجنوب، والجعافرة والعبابدة من الهجرات العربية، أما البشارية فقبائل مهاجرة من شمال السودان وأغلب العبابدة والبشارية يعملون فى تجارة الجمال التى يأتون بها من السودان إلى دراو شمال أسوان وهو المسار البديل لدرب الأربعين.
ويشير ربيع إلى أن البيوت النوبية حالة من الجمال المريح ويعتمد معماره على الأقبية والأحواش السماوية المفتوحة ويبنى بالطوب الآجر وهو ملتقى الناس فى الصيف ويعمل على الأقبية لذلك فهو بيت صحى، تسطع داخله أشعة الشمس ويدخله الهواء أما نسبة المحافظة على البيت النوبى فى القرية فتبلغ نحو 60%، والأمر يحتاج إلى توعية بأهمية الحفاظ على البيوت النوبية خصوصا أنها تدر دخلا والبعض يقوم بشراء شقق فى أسوان ويحافظ على البيت النوبى للاستغلال السياحى.
وناشد أهالى النوبة فى قرية غرب سهيل المسئولين عن السياحة بالاهتمام بالقطاع السياحى وتشجيع الصناعات اليدوية الصغيرة التى رغم بساطتها إلا أنها تلفت انتباه السائحين، وتحثهم على زيارة المكان أكثر من مرة، وتدير دخلاً للدولة أيضاً.
قرية غرب سهيل بأسوان
المنازل النوبية بقرية غرب سهيل
مطعم على ضفاف النيل بغرب سهيل
جمال الطبيعة بقرية غرب سهيل
أحد المنازل النوبية
الخضرة على ضفاف النيل
المراكب النيلية الوافدة للقرية
السائحون يستمتعون بركوب الجمال
زوار القرية يشربون الشاى على ضفاف النيل
الزوار يستمتعون بالجلوس على ضفاف النيل
شرفة إحدى الغرف بالقرية
أحد المقاهى بغرب سهيل
السوق السياحية بغرب سهيل
توافد الزوار على القرية عبر النيل
تربية التماسيح بالقرية
المشغولات اليدوية بالقرية
رسم الحناء بالقرية
طرب نوبى فى وجود السائحين
لافتات استرشادية على ضفاف النيل
مراسى النوبة فى غرب سهيل