لم تفلح عمليات التجميل التى قادها النظام السودانى مؤخرا فى تغيير النظرة التى اصبحت راسخة لدى المعارضة، ولا فى كسب التأييد الشعبى الذى فقده عن آخره على مدار الشهور الثلاثة الماضية بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية إلى حد غير مسبوق، فعمر البشير الذى يجلس على رأس السلطة فى السودان لما يقرب من ثلاثة عقود لم يستطع التحكم فى مقاليد الامور.
حزب المؤتمر الوطنى الحاكم بعد أن تعرض الى موجتين متتاليتين من العصيان المدنى شهدت مشاركات من قبل النشطاء والسياسيين والطبقة الشعبية بدأ يشعر بالخطر الذى يتعرض له النظام، وفى أعقاب ذلك لجأ الى تقديم بعض التنازلات فى ظاهرها خطوات ايجابية وفى باطنها تكشف عن رغبته فى عدم إحداث تغيير حقيقى ينقذ البلاد من السقوط للهاوية.
ومن أهم تلك الخطوات التى قام بها الإفراج عن ما يقرب من 200 مقاتل من الحركات المسلحة وإلغاء عقوبة الإعدام عن العشرات، والتى اكد محمد آدم، أمين تنظيم جيش تحرير السودان، (جبهة عبد الواحد محمد النور): إنها حزمة قرارات جاءت فى ظل الضغوط الخارجية التى تمارس على النظام السودانى من قبل المجتمع الدولي، ومن أجل بعث رسالة دولية بان السودان عازم على انجاز مخرجات الحوار الوطنى على امل ان تساعد تلك الرسائل فى تيسير مسيرة رفع العقوبات الامريكية الاقتصادية عنه.
وعن تلك الخطوة أكدت كبيرة الباحثين بقسم افريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش، جيهان هنرى، أن الصورة الجديدة التى تسوقها حكومة السودان عن نفسها باطلاق سراح عدد من السجناء والمعتقلين السياسيين صورة غير قادرة على تمويه الحقيقة القاسية وينبغى ألا تخدع احداً.
وأوضحت هنرى بموقع المنظمة، أن البشير أفرج الأسبوع الماضى عن (193) من المقاتلين الدرافوريين الذين قضى بعضهم (9) سنوات بالسجن، كما ألغى عقوبة الإعدام عن (66) آخرين، وأفرجت محكمة بالخرطوم عن ثلاثة من نشطاء المجتمع المدنى بعد عشرة أشهر من الاعتقال، لافته الى ان هذه التطورات التى تجد الاشادة من قبل المتفرجين من على البعد تلمع صورة السودان فى وقت يطور فيه عمر البشير – المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب فظائع فى دارفور – تحالفاته الدبلوماسية مع دول الخليج واوروبا والولايات المتحدة الامريكية .
وأكدت أن إطلاق سراح هؤلاء السجناء قطعة نموذجية فى كتاب التلاعب السياسى لعمر البشير و لا يشير الى تغيير حقيقى فى سجل حقوق الانسان السيئ بالسودان، لافته الى ان جهاز الأمن السودانى يعتقل النشطاء لفترات طويلة وعادة ما يتهمهم بالتجسس وغيرها من الجرائم التى يعاقب عليها بالإعدام لترويعهم، مشدده على ان هناك تزايد للتحركات الاحتجاجية فى السودانية، والمحزن أن الحكومة لا تزال تحاول قمعها.
ولم تكن هذه الخطوة هى عملية التجميل الأولى للنظام السودانى، وسبقها التعديلات الدستورية التى حاولت من خلالها اغراء المعارضة السياسية بعد ان تم استحداث منصب رئيس الوزراء، والذى كان البشير يحظره منذ توليه السلطة فى عام 1989 إثر انقلاب عسكري.
التفاؤل الحذر الذى ساد وسط المعارضين، سرعان ما تبدد فى اعقاب أصدر الرئيس السودانى قرارا بعد اجتماع مطول لمكتب حزب المؤتمر الوطنى الحاكم قبل أيام، وعين بموجبه نائبه الأول الفريق بكرى حسن صالح - احد ابرز اعضاء الحزب الحاكم - رئيسا للوزراء، والذى جاء بالمخالفة لتوقعات بعض من كانوا ينتظرون ان يتم اختيار شخصية من المعارضة له، كبادرة حسن نيه من النظام على بدء مرحلة جديدة تكون المشاركة السياسية عنوانا لها.
ويرى المراقبون ان اختيار بكرى للمنصب هو تكريس لحكم حزب المؤتمر الوطنى والذى اكد بذلك عدم رغبته فى اشراك المعارضة له فى السلطة، كما يعد مزيدا من احكام قبضة المؤسسة العسكرية السودانية على مفاصل الدولة، فيما يراه البعض قد يكون خليفه محتمل للرئيس السودانى الحالى، فى حين وصف زعيم حزب الأمة القومى المعارض الصادق المهدى الاختيار بانه لا يمثل قيمة إضافية لما هو كائن الآن، مشيرا إلى أنه "صورة من صور إدارة النظام لشؤونه الداخلية"، وشدد على ان المعارضة كانت تنتظر ماهو اكثر من ذلك الا ان البشير لايزال يرى انه وحده يملك ويمكنه ان يفعل ما يشاء.
ويبدوا ان الحزب الحاكم بدأ يخسر حتى اقوى داعميه حزب المؤتمر الشعبى الذى بدأ يميل لصف المعارضه، مؤكدا ان الاختيار جاء مخيبا للامال، واكد الحزب فى بيان كل من رئيس البلاد ورئيس الوزراء اصبحا شخصان متلازمان يمثلان شخصية واحدة.
وفى أحدث خطوات المعارضة لمواجهة تمدد النظام اتفق حزبا المؤتمر السوداني، والشيوعي، خلال الساعات الماضية على العمل لإنهاء تباين المواقف بين قوى المعارضة وتكوين مركز موحد، وتصعيد العمل الجماهيرى سعياً لإسقاط النظام الحاكم فى السودان، وإقامة بديل ديمقراطى يحقق السلام والعدالة.
وعقد، الأربعاء، اجتماع موسع بين قيادتى الحزبين بالمركز العام للحزب الشيوعي، تتويجاً لسلسلة لقاءات مشتركة انعقدت بين الحزبين فى وقت سابق، وناقش الاجتماع تطورات الراهن السياسى.
وبحسب بيان مشترك للحزبين فإن الطرفين اتفقا على وحدة مساعيهما من أجل تصعيد المقاومة الجماهيرية التى تقود لانتفاضة جماهيرية تسقط نظام الإنقاذ وتقيم بديلاً ديمقراطياً يحل السلام والعدالة بالبلاد. وأكد أن الطرفين اتفقا كذلك على أهمية تطوير العمل المشترك بين أطراف المعارضة كافة للوصول لأوسع جبهة لمنازلة النظام عبر صيغ مرنة تستوعب الجميع، ولا تستثنى طرفاً للتصدى لمشاكل الجماهير المختلفة والوقوف ضد سياسات النظام.
وذكر البيان أن الحزبين أكدا أن التباين فى وجهات نظر بعض أطراف المعارضة لا يرقى لدرجة التناقض الجوهرى فى الأهداف الذى يحول دون تلاقيها، مردفاً "لذا فسيعمل الحزبان على تذويب هذه التباينات والدفع بالعمل المشترك بين كافة أطياف المعارضة".
وأكد الطرفان على أهمية التصدى لقضايا الجماهير المختلفة والوقوف ضد سياسات النظام، وزاد "أن يبذل الحزبان جهوداً مشتركة فى الدفاع عن مطالب الجماهير والعمل المشترك مع كل القوى السياسية والاجتماعية لرفع وتيرة النضال ضد سياسات النظام عبر تكوين مركز موحد للمعارضة تمهيداً لإسقاط النظام".