كانت سعاد نايل سلطان إبراهيم، طفلة تلهو بشوارع إحدى قرى مركز الواسط محافظة بني سويف، عندما مات أبوها فجأة وهو ما يزال فى شبابه تاركا وراءه زوجة عمرها 32 عاما يوحى وجهها بجمال ريفي وعزيمة صلبة، حيث غادر الحياة وتركها وحيدة مع 12 طفل.
السيدة والتروسيكل
كبرت سعاد ونما عودها وورثت عن أبيها عزة نفسه وعن أمها عزيمتها وصلابتها، وعندما أكملت عامها الرابع عشر، ولأنها جميلة الوجه ودقيقة الملامح ونضرة البشرة وأهلها طيبون؛ فقد خطبها عامل لحام من منطقة شبرا الخيمة محافظة القليوبية.
لم تفرط أم سعاد فيها بسهولة؛ فقد كانت أحب بناتها إلى قلبها؛ لكن الحمل ثقيل والأيام تمضي بجنون وتكاليف المعيشة لا تنتهى، ووقتها وتحديدا فى عام 1990 كان مناسبا أن تتزوج الفتاة من إبن الحلال الذى سيرفع عن كاهل الأسرة نفقات أحد أفرادها، ومضت سعاد مع زوجها وأحبته بشدة، وأصبح رجل حياتها الوحيد، لم تعرف معنى الحب إلا بعد أن رأته، ولم تكن تفكر يوما في أن يتعلق قلبها إلى هذا الحد بشاب من محافظة بعيدة ومن مكان بعيد على أطراف القاهرة الكبرى المزدحمة دائما والتي لا تناسب طبيعتها الريفية الهادئة والوديعة.
تقود التروسيكل أمام محطة مترو كلية الزراعة
في المنزل رقم 17 بشارع مختار مطر بشبرا الخيمة، أقامت سعاد مع زوجها وباتت الحياة هنيئة، تستيقظ في الصباح الباكر وتوقظ زوجها وتعد له إفطاره قبل أن يذهب إلى عمله فى ورشة اللحام، وتنتظر حتى آخر النهار تنظف البيت وتهئ له سكنا تملؤه بالمودة والرحمة، حيث أنجبت 6 أبناء محمود ومحمد وحسام وإسلام وإحسان وحبيبة، وما إن بلغ ولدها الأكبر محمد عامه السابع، عانى زوجها من العجز البصرى وبدون عمل.
واجهت سعاد الحقيقة بمفردها، كيف تربي الأولاد؟ وكيف تنفق على علاج زوجها الذي لا تأمين صحى له؟ وكيف تواصل الحياة ؟ وكيف سيكمل الأولاد تعليمهم أو حتى يتحصلون على أقوات أيامهم؟ أسئلة كثيرة دارت في رأس سعاد غير أن إجاباتها الوحيدة كانت في ضرورة أن تخوض سوق العمل لأول مرة في حياتها وهي الشابة االتي لم تبلغ من عمرها سوى 21 عاما.
عملت سعاد بائعة متجولة للخضار والفاكهة، وتحصل لأولادها الستة ما يسد الرمق بالكاد، ولأن بيع الخضار لا يكفي إطعام رجل وستة أولاد؛ فقد قررت أن تناضل وعملت في محل لبيع الفراخ وصبية جزار في محل لبيع اللحوم وخدمت في البيوت، ثم انتقلت إلى ما هو أصعب وأشق عشرات المرات، عملت في رفع الأسمنت والحديد.
كبرت سعاد وبلغت من العمر 41 عاما بعد أن مضى على مرض زوجها 20 عاما، فكرت في أن تستأجر تروسيكل وتبيع الحلوى والمخبوزات به أمام محطة مترو كلية الزراعة بشبرا الخيمة على مقربة من بيتها.
تستيقظ من نومها في الثانية والنصف بعد منتصف الليل، لتكون في تمام الثالثة فجرا أمام المخبز، وتحمل بضاعتها على التروسيكل ثم تذهب إلى محطة المترو تبيع للمارة وتعود فى آخر النهار منهكة لتبيت وسط أبنائها.
سعاد نايل
وردا منها على سؤال "اليوم السابع" عما تتمناه، أكدت أنها لا تريد من الحياة إلا الاطمنان على البلد وأن يكون كل إبن بارا بأمه لأن المرأة المصرية ـ في تصورها ـ تتحمل الصعاب وتتحمل المسؤولية كالرجال.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد علاء الدين
نماذج انسانية مشرفة
شكرا لليوم السابع لهذا التحقيق الصحفى الذى يلقى الضؤ على نماذج انسانية مشرفة تستحق تقدير و رعاية المجتمع كله و ليس الدولة فقط