دعا القائد العام لقوات الاحتلال البريطانى لمصر بعض الوزراء والأعيان والكبراء إلى مركزه بفندق سافورى يوم 20 مارس «مثل هذا اليوم» 1919.
كانت الثورة تتواصل ضد الاحتلال، وتشهد عنفا يتزايد يوما بعد يوم منذ اندلاع شرارتها الأولى يوم 9 مارس 1919، ومن أبرز مظاهره، تدمير السكك الحديدية وحفر الطرق الطويلة، وطبقًا لكتاب «الوردة الحمراء- مذكرات الشيخ عبدالوهاب النجار عن ثورة 1919» عن «دار الكتب والوثائق القومية- القاهرة»، فإنه فى يوم «20 مارس» كانت الأخبار عن التخريب والتدمير كثيرة وأكثرها فى الأقاليم، ويقول الراوون إن الطريق الزراعية من الإسكندرية إلى مصر محفور فيها خنادق تمنع السيارات من المرور، وإن كل خندق عنده جماعة من الأهالى يسألون السائر عن اسمه وشأنه ويأمرونه بقراءة الفاتحة، فإذا قرأها كان ذلك جوازه، ويضعون له أخشابا يمر عليها إن كان معه سيارة وإلا فلا جواز له»، وينقل «النجار» ما تردد عن الاعتداء الذى وقع ضد إبراهيم حليم باشا مدير «البحيرة» فى دمنهور، وفيه أن المتظاهرين مروا من أمام بابه، فخرج إليهم وأفحش فى سبهم فحشا شديدا وتحداهم أن يكون بينهم رجل، فبرز إليه شاب فى يده «نبوت»، وقال: «أنا رجل يا سعادة الباشا»، ثم أهوى إليه بنبوته، وتبعه بعض المتظاهرين بالأسلحة غير القتالية».
كان الأمر على هذا الحال دافعا إلى إصدار القائد العام البريطانى إنذارا قبل اجتماع «فندق سافورى»، وحسب الجزء الأول من مذكرات عبدالرحمن فهمى «يوميات مصر السياسية» عن «دار الكتب والوثائق القومية- القاهرة» نص الإنذار على: «كل حادث جديد من حوادث تدمير محطات السكك الحديدية والمهمات الحديدية يعاقب عليه بإحراق القرية التى هى أقرب من سواها إلى مكان التدمير، وهذا آخر إنذار»، أما فى الاجتماع فقال للحاضرين:
«إن السلطة اقتصرت حتى الآن على اتخاذ إجراءات دفاعية ضد الحوادث الجارية فى البلاد، فإذا استمرت هذه الحوادث فسوف أرانى مضطرا إلى الالتجاء إلى خطة هجومية، مدارها تدمير العمائر وتخريب القصور، فضلا عن هدم القرى».
كان هناك مشهد رائع تسجله السيدات، فبعد أن تظاهرن يوم «16 مارس» لأول مرة فى تاريخ مصر، تكرر نفس الأمر يوم 20 مارس، وحسب «النجار»: «فى الساعة العاشرة صباحا اجتمعن من كل أوب ممتطيات السيارات والعربات، وسرن فيها إلى أن وصلن إلى الحديقة التى تقع قرب نهر النيل بموضع «قصر العينى» فى جاردن سيتى، ولما جاء الموعد المقرر سرن ماشيات على الأقدام، وفى مقدمتهن ستة أعلام كلهن باللون الأسود، وكتب على أحدها باللغة العربية وبالخط الجلى بالقماش الأبيض: «إننا نحتج على سفك دماء الأبرياء العزل من السلاح»، وكتب على العلم الثانى: «إننا نحتج على اعتقال الأبرياء»، ثم كتب على العلم الثالث: «نطلب الاستقلال»، ورأيت على كل علم من الثلاثة الأعلام الباقية ترجمة ما على أحد الأعلام الأولى باللغة الفرنسية، وكان كل علم تحمله سيدتان، وأعددن أوراق احتجاج لتقدم واحدة منها إلى كل قنصل من قناصل الدول إذا مررن بداره، وكان سير المتظاهرات ومركباتهن خلفهن فى شارع قصر العينى ثم فى شارع ناظر الجيش بالإنشاء، وواصلن سيرهن بنظام تام حتى وصلن إلى شارع سعد زغلول باشا، ووقفن أمام بيته هاتفات والناس من حولهن».
يضيف النجار: «أقبلت قوة كبيرة من البوليس المصرى مشاة وركبانا، وتلتها قوة من الجند الإنجليزى، وصلت السيارات وهى مسلحة بالبنادق ومعها سيارات وضعت فيها المدافع الرشاشة «المتراليوز»، وفى الحال ضرب على السيدات المتظاهرات نطاق من جند البوليس المصرى، وخلفه نطاق آخر من الجند الإنجليزى، وبذلك حوصرت السيدات حصارا تاما محكما، ومنعن من المسير إلى منازلهن أو السير فيما كن بسبيله، ومن الدخول فى المنازل المجاورة، وظللن واقفات فى الشمس من الساعة العاشرة والنصف صباحا إلى الساعة الواحدة ظهرا».
أرسلت السيدات باحتجاجهن إلى سفارات الدول، وحسب «عبدالرحمن الرافعى»، فى كتابه «ثورة 1919» عن دار المعارف - القاهرة»: «جاء القنصل الأمريكى بنفسه وشاهد هذا الحصار، فذهب إلى فندق «سافورى» حيث القيادة البريطانية، واحتج على هذه الفظاعة، فصدر الأمر على عجل برفع الحصار، وتمكنت السيدات من الخروج من النطاق المضروب حولهن، فركبن السيارات والعربات التى كانت تنتظرهن، وانصرفن إلى بيوتهن».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة