لم تكن زيارة رئيس الوزراء اللبنانى سعد الحريرى للكاتدرائية منذ أيام إلا حلقة ضمن سلسلة طويلة من اللقاءات بدأتها الكنيسة منذ 30 يونيو وحتى اليوم، حيث رأت نفسها مدفوعة لمقدمة المشهد السياسى، يصول رئيسها البابا تواضروس ويجول فى دول العالم لتصحيح صورة مصر فى الخارج بعدما صارت هدفًا لنيران الإعلام العالمى.
30 يونيو تدفع الكنيسة لصفوف الدبلوماسية
البابا تواضروس الذى حرص على أن يكون طرفًا فى مشهد التوافق الوطنى يوم الثالث من يوليو 2013، حين اصطف إلى جوار شيخ الأزهر والقوى الوطنية لتأييد حركة الجيش والشعب، رأى أن كنيسته المتواجدة فى أكثر من 62 دولة حول العالم عبر إيبراشياتها المختلفة مطالبة بلعب دور دبلوماسى للدفاع عن مصر، فما كان منها إلا أن أصبحت محطة لكل الزائرين الكبار الذين توافدوا على مصر فى السنوات الثلاث الأخيرة.
البابا تواضروس جزء من مشهد 30 يونيو
البابا تواضروس لرؤساء عرب وأجانب: أوضاع المسيحيين تتحسن
البابا تواضروس وسعد الحريري
ويأتى ذلك إلى جانب سعد الحريرى، والمستشارة الألمانية إنجيلا ميركيل التى أكد لها البابا أن أوضاع المسيحيين المصريين تحسنت بعد 30 يونيو، حيث تم إقرار أول قانون لبناء الكنائس، وكذا حصلت الكنيسة على حصة من النواب تحت القبة، فإن البابا استقبل الشهر الماضى الرئيس اللبناني ميشيل عون، وكذا رئيس دولة توجو فور غناسينغبى، والرئيس العراقى فؤاد المعصوم، وملك البحرين حمد بن عيسى، وكذلك ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز الذى التقاه البابا فى زيارة وصفت بالتاريخية كأول ملك سعودى يقابل بابا للأقباط، إضافة إلى وفود برلمانية أوروبية كخيط متصل لا ينقطع كان أبرزهم رئيس مجلس الشيوخ الفرنسى، ووفدى الكونجرس والبوندستاك الألمانى.
البابا تواضروس وميركيل
بابا الإسكندرية: كنائسنا سفارات لمصر بالخارج
البابا تواضروس وفى أكثر من مناسبة، حرص على التأكيد على أن كنائسه الموزعة على 62 دولة حول العالم ما هى إلا سفارات لمصر، تربط أبناء الكنيسة بوطنهم الأم وتوضح للسلطات المحلية فى كل دولة حقيقة الأوضاع السياسية والاقتصادية فى بلاد النيل.
ولم يكتف البابا تواضروس باستقبال الوفود فى صالونه الباباوى، بل حرص أيضًا على مد خيوط دبلوماسيته إلى خارج البلاد، فزار أثيوبيا والتقى رئيسها مولاتو تيشومى العام الماضى بدعوة من بطريرك أثيوبيا الأنبا متياس، مستغلًا تاريخ طويل يجمع بين الكنيسة القبطية الأم والكنيسة الأثيوبية ابنتها فى الأرثوذكسية والتى ظلت تابعة لها لقرون طويلة.
البابا تواضروس وبطريرك اثيوبيا
البابا فى أثيوبيا كقوة ناعمة لمصر
البابا ذهب إلى أثيوبيا فى ظل اشتعال أزمة مياه النيل بين البلدين، وكلف الأنبا بيمن أسقف نقادة ورئيس لجنة الأزمات بالمجمع المقدس بإدارة هذا الملف حتى صار الرجل منسقًا للعلاقات الكنسية المصرية الأثيوبية، ومن وقتها وتبعث الكنيسة معونات طبية للجانب الأثيوبى كنوع من الدبلوماسية الناعمة، إضافة إلى زيارة البابا لملوك السويد والدنمارك وكذا زيارته الأولى للولايات المتحدة الأمريكية نهاية عام 2015 تلك الزيارة التى تأجلت أكثر من مرة على خلفية التوترات السياسية بين البلدين، وحين تمت أفاد منها البابا لصالح مصر والتقى عدد غير قليل من المسئولين الأمريكيين وأكد لهم أن الوضع السياسى فى مصر صار أفضل من ذى قبل، وهو الأمر الذى لم يثنى الكنيسة عن التصدى لدعوة الكونجرس بمراقبة ترميم الكنائس التى تضررت من فض رابعة، فأكد البابا أن الكنائس ترممت بالفعل بفضل القوات المسلحة المصرية ووعود الرئيس عبد الفتاح السيسى.
إلى جوار ذلك، فإن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لنيويورك لإلقاء كلمة مصر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كانت من ضمن الأحداث التى لم تفوتها الكنيسة، فابتعث البابا اثنين من أساقفته الأنبا بيمن والأنبا يؤانس، وعقدا العديد من اللقاءات مع أقباط المهجر فى الكنائس لينتهى المشهد باستقبال حافل للرئيس فى نيويورك أمام مقر الأمم المتحدة محاطًا بأعلام مصر، وهو ما تستعد الكنيسة لتكراره خلال أول زيارة رسمية للرئيس السيسي للولايات المتحدة الأمريكية فى عهد ترامب حيث أرسل الأنبا كاراس النائب الباباوى لأمريكا خطابا لكل الآباء الكهنة هناك يطلب منهم خروج الشعب القبطى لاستقبال الرئيس فى العاصمة الأمريكية أثناء تواجده بالبيت الأبيض.
الكنيسة الإنجيلية على درب الأرثوذكس فى تصحيح الصورة
لم تكن الكنيسة القبطية وحدها التى قررت لعب هذا الدور، فالكنيسة الإنجيلية أيضًا ذات العلاقات المتعددة بالكنائس الأمريكية ودوائر صنع القرار هناك كانت قد انتهجت المسار نفسه، القس الدكتور أندريه زكى رئيس الطائفة الإنجيلية فى مصر، يرأس أيضا الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية، الهيئة التى ترتبط بعلاقات واسعة مع منظمات مجتمع مدنى شبيهة فى الولايات المتحدة وأمريكا، الأمر الذى دفع الطائفة لتنظيم زيارات ووفود متبادلة بين المؤسسات الأجنبية ونظيرتها المصرية، فحرص منتدى حوار الثقافات بالهيئة على استضافة برلمانيين أجانب وفتح حوار مع نظرائهم من المصريين.
رئيس الطائفة الانجيلية
زكى أكد أكثر من مرة حرص كنيسته على تصحيح صورة مصر فى الخارج حتى إنه التقى فى يوليو الماضى بمسئولين فى الخارجية الأمريكية وأكد لهم أن وضع الأقباط فى مصر أفضل من ذى قبل ويحظون بالتفاهم مع السلطات الحاكمة.
صارت الكنيسة مؤسسة دبلوماسية، وتقلد البابا تواضروس ونظيره القس الدكتور أندريه زكى أثواب الدبلوماسية دون أن يطلب منهم أحد، لتسطر صفحة جديدة من الوطنية فى تاريخ الكنيسة المصرية الحافل بالمواقف المشابهة.