الجالية الفرنسية من أقدم الجاليات التى عاشت فى مصر، وكان لهم فيها مصالح اقتصادية منذ زمن قديم ربما يعود إلى زمن الحروب الصليبية، وقد كان الفرنسيون شديدى الاهتمام بمصر حتى قبل مجيء حملة بونابرت 1798 – 1801م، الأمر الذى لفت أنظار بعض الباحثين ومن ثم أقدم بعضهم على دراسة تاريخ الأجانب فى مصر بشكل عام، وجاءت الجالية الفرنسية فى تلك الدراسات عرضًا دون تخصيص.
من هنا رأت الدكتورة نشوة عبد القادر كيلانى، أن تقوم بعمل دراسة متخصصة عن الجالية الفرنسية فى مصر فى الفترة من 1929 وحتى 1949م، وهو عنوان الكتاب الذى صدر عن مركز المحروسة للنشر، وقام الدكتور عاصم الدسوقى بكتابة مقدمة حول أهمية هذا الكتاب، حيث يرى "الدسوقى" أن الباحثة بذلت مجهودًا مشرفًا فى تتبع حياة ونشاط الجالية الفرنسية فى مصر على مدى عشرين عامًا، وانتهت إلى نتائج هائلة تصلح مفتاحًا للتعرف على وضع سائر الأجانب فى مصر، وكيف أنهم لم يشعروا بالغربة فيها مصداقًا لمقولة مصطفى كامل فى نضاله من أجل استقلال مصر: أحرار فى بلدنا كرماء لضيفونا.. أى أن نضال المصريين من أجل الاستقلال لا يستتبع بالضرورة مهاجمة الأجانب فى مصر، مشيرًا إلى أن قارئ الكتاب سيجد فيه الكثير من المعلومات والأفكار التى تفسر جانبًا من تاريخ مصر الاقتصادى والاجتماعى والثقافى.
وفى هذه الدراسة، تتناول الدكتورة نشوة عبد القادر كيلانى الجالية الفرنسية كنموذج للجاليات الأوروبية فى مصر خلال الفترة التى تبدأ بصدور قانون الجنسية المصرية عام 1929م، والتى لم يكن لها وجود من قبل، مرورًا بمعاهدة مونترو لإلغاء الإمتيازات فى عام 1937م، حتى الإنهاء التام لها فى عام 1949 بعد فترة انتقال دامت اثنى عشر عامًا.
وكانت فرنسا من أشد الدول معارضة لإلغاء الامتيازات لما لها من مصالح كبيرة داخل مصر، وقد أثر إلغائها على الوجود الفرنسى فى مصر حتى لقد فكر، كثير من الفرنسيين فى العودة إلى بلادهم، حيث كانوا يعتمدون فى بقائهم فى مصر على مصالحهم الاقتصادية أكثر من أى جالية أخرى.
ومن هنا تأتى هذه الدراسة لتوضيح الدور الذى لعبته الجالية الفرنسية فى مصر، وعلى هذا الأساس قسمت إلى أربعة فصول، وتمهيد، وفيه تناولت مفهوم الجنسية بشكل عام وتطور قوانينها فى مصر العصر الحديث وصولاً إلى قانون 1929م، والتعريف بالأجنبى ووضعه فى مصر قبل إصدار هذا القانون، ووضعه فى ظل الامتيازات الأجنبية، ومحاولات إلغاء الامتيازات.
وتناولت فى الفصل الأول «الاستثمارات الفرنسية الحرة» دراسة النشاط الاقتصادى للجالية الفرنسية من حيث حركة رأس المال، والمؤسسات الاستثمارية ذات الرأسمال الفرنسى الصرف والشركات الاحتكارية التى منحت حق الامتياز. وفى الفصل الثانى «الاستثمارات المختلطة» تناولت دراسة المؤسسات المختلطة من بنوك وشركات، التى ساهم الفرنسيون فيها بنسبة من رأس المال، وفى الفصل الثالث تناولت أشكال الحياة الاجتماعية للجالية من حيث عددها وانتشارهم وعلاقاتهم بالجاليات الأجنبية الأخرى، وعلاقاتهم بالمصريين إلى جانب المهن التى زاولوها والوظائف التى تولوها فى الحكومة، أما الفصل الرابع فتناولت «النشاط الثقافى والسياسي» من خلال التعليم الفرنسى فى مصر بافتتاحهم مدارس دينية وغير دينية، وأهداف هذه المدارس، كما تناولت الصحف التى أصدروها، والنشاط السياسى الذى انخرطوا فيه سواءً فى الحركة الشيوعية أو الصهيونية أو الماسونية والانقسام السياسى الذى انتاب الجالية الفرنسية فى مصر أثناء الحرب العالمية الثانية بعد سقوط باريس.
وتشير الباحثة إلى أنه من الصعوبات التى واجهتها خلال عملها على هذه الدراسة، صعوبة الحصول على إحصاء عام لموظفى الحكومة المصرية خلال فترة الدارسة بين عدد الموظفين الفرنسيين وتوزيعهم بين الوزارات، هذا إلى جانب كثرة الصحف الصادرة باللغة الفرنسية فى مصر، والتى كان منها ما أصدرته جاليات أجنبية أخرى غير الجالية الفرنسية أو أصدرها مصريون، مما يصعب معه تحديد الصحف الخاصة بالجالية الفرنسية فى مصر.
كتاب الجالية الفرنسية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة