واصلت القوة العسكرية للإنجليز وعددها 800 جندى، عربدتها فى قرية «نزلة الشوبك» مركز البدرشين، محافظة الجيزة لليوم التالى، 31 مارس «مثل هذا اليوم» 1919، وفى الشكوى المرفوعة من «عبداللطيف أبوالمجد» ابن عمدة القرية إلى السلطان فؤاد والحكومة ونواب الأمة المصرية، سنجد سجلا وافيا لجرائم الاحتلال الإنجليزى التى شملت، قتل الأبرياء، واغتصاب النساء، وحرق البيوت بعد سرقة الأموال منها.
بدأ الاعتداء على القرية يوم 30 مارس «راجع ذات يوم أمس» ووفقا لشكوى «أبوالمجد» المنشورة نصا فى الجزء الأول من «مذكرات عبدالرحمن فهمى - يوميات مصر السياسية» عن «دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة»، فإن ملاحظ بوليس نقطة «المزغونة» وتتبعها القرية واسمه «الصاوى أفندى الطاهر» حاول الدخول إلى القرية للتدخل لوضع حد للكارثة، لكن قومندان القوة الإنجليزية كان يرفض، ولما سمح له بالدخول فى اليوم التالى «31 مارس» مع أومباشى مصرى وقوة إنجليزية شاهد بنفسه الجنود فى كل مكان يملأون البلد: طرقاتها وأطلالها والبقية الباقية من بيوتها الخربة والإنجليز ينهبون ويقتلون مع استمرار الرصاص، ورأى أيضاً عدداً عظيماً من النسوة والأطفال وبعض الرجال يحيط بهم حرس من الجنود، وعندما أبصروه بكوا واستغاثوا به، فاسترحم هو الضابط الإنجليزى باكيا مستعطفا حتى أطلق سراحهم.
يؤكد «أبوالمجد» فى شهادته أن الملاحظ سمع صوت امرأة تستغيث، ولما دخل عندها وجد ثلاثة من الجنود انصرفوا عند رؤيته، وقالت له المرأة، إنهم كانوا يريدون ارتكاب الإثم معها، ومنعها الخجل أن تذكر للملاحظ أن اثنين من الجنود قبل هؤلاء دخلا بيتها، واغتصبها أحدهما كرها، ويضيف: «تعذر على الإنجليز كسر باب منزل جارنا عبدالمولى حسن فدخلوه من منزل مجاور له، واستولوا على ما وجدوه من نقود وحلى، وبلغتنا امرأته المدعوة «وافدة بنت الجابرى»، وهى حامل فى الشهر التاسع أن الجند حاولوا اغتصاب عفتها فتقدم زوجها للدفاع عنها فضربه أحدهم بالرصاص، وتوفى فى اليوم التالى «31 مارس»، ولما فرت الزوجة إلى غرفة أخرى تبعها الإنجليز إليها، وأمسكوا بها لينالوا غرضهم منها، فلم تجد وسيلة إلا أن تحول بينها وبينهم بطفلها البالغ من العمر سنة واحدة، فقدمته لهم مستشفعة، ومدت نحوهم يديها وهى تحمله، علها تدخل على نفوسهم شيئا من الحنان والشفقة، أو أن يكون هذا الطفل باعثا على تلطيف شىء من غلظتهم، فما كان منهم إلا أن أطلقوا الرصاص على الطفل الرضيع فاخترقت واحدة منها كتفه، وقبل أن يخرجوا من المنزل أتموا الفاجعة المحزنة بإشعال النار فيه».
وعن مأساة أخرى يقول «أبوالمجد»: «أخبرنى سليمان محمود الفولى بأنه أغلق باب منزله على نفسه، وامرأته، فكسر الجند الباب ونهبوا كل ما وجدوه وأحاط به جنديان مسلحان، ورفع أحد العساكر ثوب امرأته إلى صدرها وهى تستغيث ولا مغيث، وتقاوم الاغتصاب بكل قواها ولما رأوها مستميتة فى الدفاع عن عرضها قتلوها رميا بالرصاص، فماتت فى الحال شهيدة العفاف وزوجها يرى وينظر، ثم أشعلوا النار فى المنزل»، أما السيدة فاطمة زوجة عبداللطيف الدكرورى فينقل «أبوالمجد»، أنها أبلغته بأن باب بيتها انكسر فجأة إلى نصفين عند طلوع الشمس، واندفع أربعة من الجند فى الدار، فنصحت لزوجها أن يصعد إلى السطوح، وتقابلهم هى وأطفالها وتعطيهم كل ما يطلبون، فاختفى الزوج ونهب الجند ما وصلت إليه أيديهم، ثم جذب أحدهم المرأة من شعرها وطرحها على ظهرها، وهى تتوسل وتستغيث ولا مغيث، فلم يطق زوجها صبرا، ولما هم بالنزول لإغاثتها بادره أحدهم وهو على السلم بطلقة نارية خر منها صريعا، يهوى إلى حوش المنزل ثم خرجوا بعد أن أحرقوا الدار وسلبوا ما فيها».
ويقول «أبوالمجد»، إن الجنود أطلقوا الرصاص على جمع من النسوة وكانت بينهن «واطفة بنت عقبى»، تحمل ابنتها الصغيرة «أم السعد» وعمرها ثلاثة أعوام، فأصابت رصاصة وجه الصغيرة، واستخرجها الدكتور حسنين بك حسنى، مفتش مديرية الجيزة، بعملية جراحية، ويؤكد أبوالمجد أن كثيرا من أهل البلدة الذين أصابتهم تلك النكبة، لم يبرحوا بها خشية العار الدائم والفضيحة الخالدة، ويضيف: «هذا قليل من كثير»، ويكشف، أنهم رفعوا شكواهم إلى السلطان فؤاد وللحكومة بعد أن لجأوا إلى مدير الجيزة وأعضاء مجلس المديرية، ورغم أنهم احتجوا على هذه الفظائع، لكن لم يكن هناك نتيجة لهذا الاحتجاج.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة