عن دار العماد للنشر والتوزيع، صدر كتاب "لغتنا العربية.. نحو بعث جديد" للكاتب إبراهيم حمزة، متناولاً فى ثلاثة مباحث "واقع اللغة العربية" ثم "اللغة العربية.. تاريخ من النور" ثم "محاولات للإجابة عن كيفية النهوض باللغة العربية.
ويرى الكاتب أن اللغة العربية ليست مجرد وسيلة تخاطب بين الشعوب فى حيز جغرافى ومن هنا تنبع أهمية الموضوع، فالعربية لغة الدين الذى أضاء سماء الجزيرة العربية.
وتتناول الدراسة دور الإعلام ولغته، مؤكدة أن "العرب على أتم استعداد للتنازل عن تراثنا جميعه بما فيه من لغة وشعر وأدب وأخلاق وغيره، لقد غرق العالم كله فى المستنقع الأمريكى، وصب الأمريكيون عليهم أطنان من أدوات التجميل، ليجعلوا الآخرين مقبولين لديهم.
ويتابع البحث رصد حالة التدنى اللغوى مستشهدا برأى المذيعة المغربية المتقاعدة "لطيفة الفاسى" حال المذيعات أو قل سوء حالهن من خلال معرفة وثيقة بهن، تقول "المذيعات يلقين نشرات الأخبار ملحنة، بمعنى أنها كثيرة الأخطاء، ومغناة فى نفس الوقت، فلا نطقهن سليم، ولا أسلوبهن مقبول، ومن بينهن من لا تستطيع فتح فمها كما ينبغى، والحروف تبدل، فالظاء والضاد والدال والذال كلها تصبح دالاً، والموضوع ينطق المودوع، و"أعضاء الحكومة" تنطق "أعداء الحكومة والتاريخ ينطق "الطاريخ" وغيرها من الأخطاء الفاحشة التى نسمعها، فالقناة المغربية قدمت استقالة من اللغة العربية التى تنتحر أمام أعينهم وهم صامتون، وأعتقد أنهم هم أيضاً لا يعرفون اللغة العربية ولا يحبونها وإلاَّ لما أصبحت مشوهة كما هى الآن".
وفى مقابل هذا الانتحار اللغوى، نجد فى العصر العباسى عالمنا المبرد يروى قصة تبين مدى اهتمام العرب بلغتهم بشكل بالغ ،حيث "كان أبو عثمان المازنى قد جاءه يهودى، وسأله أن يقرأه كتاب سيبويه، وبذل له مائة دينار، فامتنع أبو عثمان من ذلك قال المبرد: يا سبحان الله ترد مائة دينار مع فاقتك وحاجتك إلى درهم واحدٍ! فقال: نعم يا أبا العباس، أعلم أن كتاب "سيبويه" يشتمل على ثلثمائة آية من كتاب الله ولا أرى أن أُمكن منها كافراً . فسكتُّ (أى المبرد راوى القصة) ثم مضت الأيام، وجلس الواثق يوماً للشرب وحضر ندماؤه، فغنت جارية: -
أظلوم أن مصابكم رجلاً * * * * أهدى السلام تحية ظلم
فنصبت "رجلاً"، ورأى الجالسون فيه الرفع باعتباره خبر إن، فوقع النزاع حتى جاءوا بإمام علماء النحو فى زمانه أبى عثمان المازنى، بعـدما أمر الواثق بكتابٍ لولى البصرة بتسيير المازنى إليه مبجلاً معظماً، وذكروا له البيت، فقال: الصواب مع الجارية، ولا يجوز فى "رجلاً " غير النصب، لأن مصاب مصدر بمعنى الإصابة، ورجلاً منصوب به والمعنى أن إصابتكم رجلاً أهدى السلام تحية ظلم، فظلم خبر إن ففهم الواثق وعلم أنه الحق وأمر للمازنى بألف دينار وتحف وهدايا وذهبت له الجارية هدايا.
ويرصد الباحث علاقة التضايف بين العربية واللغات الأخرى، مستشهدا بوجود كلمات غير عربية فى لغتنا، وهو ما فسره "الصولى" هذا الأمر بما رواه عن بن الصباح قال: سمعت الحسن بن رجاء يقول: ناظر فارسىٌ عربياً بين يدى خالد البرمكى، فقال الفارسى، ما احتجنا إليكم قط فى عملٍ وتسمية، ولقد ملكتم فما استغنيتم عنا فى أعمالكم ولا لغتكم، حتى طبيخكم وأشربتكم وما فيها على ما سمينا، فسكت عنه العرب، فقال له البرمكى: قل له اصبر لنا نملك كما ملكتم ألف سنة، بعد ألف سنة كانت قبلها لا نحتاج إليكم، ولا إلى شىء كان لكم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة