بينما مصر تمسح الدماء عن وجهها بعد تفجيرين دمويين، كانت دوائر فى خارجها تنتظر وتراهن، فربما ينجح كيان إرهابى هلامى إسمه"داعش" فيما لم تنجح فيه كل الغزوات والاتفاقيات والتمويلات المشبوهة على مدار أكثر من 150 عامً مضت أن يتفتت هذا البلد من الداخل فيسهل على أى عابر سبيل أن يستقطع منه ما يريد، يكفى فقط أن يستغل مشاهد الدماء والجثث المتناثرة ليشحن النفوس، يكفيه أن موتورًا هنا وجاهلًا هناك يتبادلان الحقد، لتكتمل الصورة القاتمة.
وفى أوروبا أيضًا كانت دوائر أخرى تخفى توترها من اقتراح أبداه مسئول أمريكى رفيع بتقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق بثلاث سلطات مستقلة، مصدر التوتر هنا ليس أن التقسيم يعنى ضياع ليبيا للأبد، لكن التوتر لأن المقترح تم كتابته على"منديل من الورق" وربما سبق استعماله أيضًا.."منديل ورقى" هذه قيمة الأوطان عند بعض الساسة طالما لا يتعلق الأمر بأوطانهم أو مستقبلهم، لهذا لا يجب أن يلومنا أحد لأننا ننظر لمصر على الخريطة بفخر وإعزاز ونعتبرها قلبًا للعالم، ونواة للحضارة يدور التاريخ فى فلكها.
تقسيم ليبيا
ونحن فى 2017 هل تصدق أن الفكر الاستعمارى مازال موجودًا على الأرض وفى النفوس؟.. بالتأكيد مازال فى العالم كيانات لا تعيش إلا بانقراض الآخرين، لأن السياسة لا تؤمن بالتنوع البيئى، ولأن الواقع يبرهن على ذلك، فكل الذين سقطوا تفككوا من الداخل أولًا لأنهم تركوا فيروس المصالح والعصبيات يتفشى بينهم، هكذا فعل الاستعمار مع الصومال فتركها خراب، وهكذا حاول المستعمر مع الهند لكن غاندى انتبه إليهم حين قال:" كلما قام شعب الهند بالاتحاد ضد الاستعمار البريطانى، يقوم الإنجليز بذبح بقرة ورميها فى الطريق بين الهندوس والمسلمين، حتى ينشغلوا بالصراع بينهم ويتركوا الاستعمار"..هل كان غاندى يقرأ الطالع أم أنها الفتنة التى لا تغير من وسائلها؟.
غاندى
كل العمليات الإرهابية ضد المسيحيين فى مصر لم تكن تستهدف المسيحية أو كسر الصليب، بقدر ما كانت تستهدف أن تغضب فئة وتخرج لتعبر عن شعورها بالاضطهاد بسب الفئة الأخرى، فتلتقى الفئتان على جثة الوطن، لكن العكس هو الذى حدث، فهرع المسلمون للتبرع بدماءهم فى المساجد نجدة للمصابين ، وصلى الأزهريون فى الكنائس صلاة لا نفاق فيها، ومنذ حولى 100 عام كان الرهان على قتال مشابه لأن السيد الإنجليزى يحتل مصر من باب "حماية" المسيحيين والمصالح الإمبراطورية، لكن جاءت ثورة 1919 لتطلق مصطلح "عنصرى الأمة" وتدشن نهاية مرحلة استعمارية مظلمة دفعت مصر ثمنها من دماء أبناءها الذين قال عنهم سعد زغلول " فليناموا هادئين فقد انبلج فجر الاستقلال مضمخا بدمائهم".
صلاة المسلمين
ومن الاستعمار يبدأ الأمر وينتهى إليه، أو كما يقول مارك توين بأن"التاريخ قد لايعيد نفسه و لكنه يتشابه كثيراً"، فقد غابت الشمس عن بريطانيا العظمى،لكن آثار حروقها مازالت على الأيدي والوجوه، وعادت سفن نابليون بونابرت لفرنسا، لكنها أيضًا تركت بعض مخلفاتها وقذاراتها على الشاطىء، منهم هؤلاء الذين يستدعون كل الأحقاد القديمة مع كل حادثة ليجددوا الآلام، أو هؤلاء الذين تستدعيهم القنوات أو الظروف السيئة ليكونوا هم محللى الأخبار وكاشفى الأسرار ومفجرى الحقائق الخفية، والنتيجة فى كل مرة ، مزيد من الأكاذيب ، مزيد من الفتن ، قليل من العقل والمنطق.
التبرع بالدم
نظرة واحدة منك للخريطة وستفهم ما أقول: فى سوريا انقلبت الحقائق والمعايير، فكلما خفت نور الأمل فى حل للأزمة، سطعت فكرة التقسم الطائفى ، كحل ينهى الصراع:"تعالوا نمنح للأكراد دولة والعلويين دولة والسنة دولة ، ولكل دولة كفيل"، بينما الحقيقة أن كل دولة منها ستكون ذيلًا لرأس آخر لا يعرف سوى مصلحته، فى العراق أيضا أخذ الأكراد دولة، وأنشأ الشيعة جيشًا، ولولا الحياء لتضامن السنة مع أول يد تمتد لهم من باب مقاومة الظلم، فهل هذا هو شكل الدولة التى تريدون لوطنكم أن يصبح عليه..؟
إن لم نتعلم من الجغرافيا ونفهم حديث الخرائط، ففى التاريخ ما يكفى لكى نتعلم من أخطاءنا وآلالمنا، فالاستهزاء بقيمة استقلال القرار الوطنى خطأ يتبعه كثير من الألم، ويدفع ثمنه أجيال لا ذنب لها سوى أن من سبقوا لم يتركوا لهم ما يفخروا به، والاستقلال الوطنى فاتورة باهظة التمن تدفعها الشعوب الحرة والنفوس المتطلعة للمستقبل وما دون ذلك فهى مثلما قال عنها جمال عبد الناصر: إذا كان الاستقلال لا يزيد عن علم ونشيد ومقعد فى الأمم المتحدة فإنه استقلال فارغ لا يساوى عناء التضحيات التى بذلت فى سبيله".
جمال عبد الناصر
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
الكاتب مبدع
الكاتب مبدع ما شاء الله ونسأل الله ان يحفظ مصر واهلها وجميع بلاد المسلمين