أصدر مرصد الأزهر الشريف تقريرا مفصلا، ردا على بث دواعش سيناء مقطعًا مرئيًا جديدًا بعنوان "صاعقات القلوب" يعرض فيه لعمليات قنص قامت بها الجماعة الإرهابية فى سيناء ضد أهداف من جنود الجيش المصرى الذين يرابطون دفاعًا عن الوطن، مدعين أنهم بذلك يقيمون شرع الله، وأنهم يجاهدون فى سبيله بهذه الجرائم النكراء الغادرة الخسيسة.
وفى تحليل هذا المقطع المرئى يؤكد المرصد على أنه قد احتوى على كثير من المغالطات المخالفة للمنطق والواقع، بل ويأبى أن يقبلها أى إنسان عاقل مهما ضل فى غياهب الجهل والانحراف، أو حاول الشيطان غوايته للتصديق بما جاء فيه.
ويوضح المرصد أن هذه المغالطات إنما هى استراتيجيات يحاول بها من أعدوا هذه المقطع المرئى إقناع أتباعهم أنهم لا تزال لهم شوكة فى سيناء الحبيبية.
وفى بداية هذا الإصدار المرئى يأبى هذا التنظيم الإرهابى إلا أن يفضح جهله وعمالته، فمع أول كلمات ينطق بها يزعم "إرهابيو التنظيم" كذبًا وزورًا أنهم يقاتلون اليهود حيث يذكر المتحدث فى الفيديو: "يواصل جنود الخلافة الإسلامية جهادهم، ماضون فى طريقهم إلى ربهم، لا يضرهم قصف اليهود"، وكأن التنظيم إنما يجعل هدفه هو حرب اليهود مع أنه لا توجد عملية إرهابية واحدة قام بها هذا التنظيم الإرهابى ضد اليهود، سواء على أرض الواقع أو حتى فى عالمهم الإفتراضى أو فى مقطع من مقاطعهم المصورة المشبوهة.. بل الواقع يشهد أن هذا التنظيم يسعى لتنفيذ عمليات يقتل فيها جنود الجيش المصرى العظيم الذى خاض صراعا طويلا لتحرير أرض سيناء المباركة من أيدى اليهود ويرابط على أرض الكنانة دفاعًا عنها ضد أى معتد، مجاهدين فى سبيل الله على معنى الجهاد الصحيح الذى علمه لنا الإسلام والذى شرع لنا القتال دفاعًا عن البلاد والعباد، لا للترويع والتفجير وقتل الأبرياء والعزل.
وتسعى داعش من خلال هذا المقطع المرئى التشكيك فى عزيمة جنودنا البواسل وهو يزعم أن من نجا من العبوات والكمائن والصواريخ الموجهة، صادته طلقاتُ القنَّاصين فخرًّ صريعًا وقد دبَّ الرُعب فى قلوب إخوانه، وما علم هؤلاء أن جنود الجيش المصرى البواسل هم خير أجناد الأرض، فما خافوا يومًا وما تراجعوا بل كانت مصر دوما وستظل الصخرة التى تتحطم عليها أحلام الغزاة وجيوش العدوان، وأسألوا التاريخ يخبركم أن جنود مصر لم يخافوا يوما من الموت أو من مجابهة أعتى الجيوش حتى يشعروا بالخوف من مرتزقة هذا الزمان.
وقد تكررت كلمة "مرتدون وردة وطواغيت" 8 مرات فى النص المقروء الذى لا يتجاوز 550 كلمة (بخلاف الأناشيد الموجودة بالخلفية) ليبرر الدواعش لأتباعهم من الحمقى والسذج ما يقومون به من اغتيال لجنود المسلمين المرابطين فى سبيل الله. فهو يحاول تهيئة أتباعه نفسيًا لتقبل هذا الأمر بسلاسة وكأنه أمر طبيعى. فبأى حق يكفرون المسلمين؟ وما الأساس الذى بنوا عليه هذا التكفير؟ وهل الكفر سبب لقتل الكافر، لم يشرع الجهاد فى الإسلام إلا دفاعًا عن البلاد والعباد، قال تعالى فى محكم كتابه: "وقَاتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ الَذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا أن اللَّهَ لا يُحِبُّ المُعْتَدِينَ (سورة البقرة: 190).
ونهى النبى صلى الله عليه وسلم أتباعه فى كل الحروب التى خاضوها دفاعا عن أنفسهم ضد من أضطهدوهم وأخرجوهم من ديارهم عن قتل الأطفال والنساء والشيوخ العجائز، ولو كان الكفر فى الإسلام سببًا لقتل الكافر لما نهى صلى الله عليه وسلم عن قتلهم.
ومن المحزن أن يزعم هؤلاء المرتزقة خوارج العصر أن الدين الذى دعا للتسامح والسلام والرحمة والرفق بالحيوان قبل الإنسان بأنه ضرام حروب وأداة للقتل والتدمير والتخريب والإفساد فى الأرض.
ولم يذكر هذا المقطع المرئى دليلًا شرعيا واحدًا على ما يقوم به من إرهاب وقتل للأبرياء وذلك لإفلاسه وتفنيد مرصد الأزهر لكل أسانيده الشرعية التى أستند عليها فى إصداراته السابقة، وكل ما استند عليه لطمأنة أتباعه على مدى صحة ما يقومون به وهو يلبس عليهم أن هؤلاء القناصين إنما تلقوا "دوراتٍ تدريبيةٍ مكثفةٍ تُركِّز على الجوانب الشرعية..."، وكأن هذا ضامنًا لصحة فعلهم. ونحن لا نجادل فى أن قضايا الحرب لا بد لها من مستند شرعى، لأن الإسلام هو الذى وضع لنا أخلاقيات الحرب قبل أن توضع المواثيق الدولية بألف وأربعمائة عام، وهو الذى علمنا الجهاد فى سبيل الله دفاعًا عن الدين والوطن والكرامة والعرض، لكن الخلاف الحقيقى والمحك الرئيسى هو إلى أى شريعة يستندون؟ وعلى أى مرجعية يعتمدون سوى مرجعية خليفتهم المزعوم البغدادى الذى لا يعرف عن الإسلام غير اسمه، والذى عجز عن إقناع زوجته بأفكاره المتطرفة وأعلنت تنصلها منه وبراءتها من أفكاره. ويحرص المقطع المرئى على الاستشهاد بكلمة لهذا الدعى وهو يخاطب كل من ليس معهم بالتوبة قبل أن "تطالهم أيدى المجاهدين" لتكون تلك الكلمات إيذانًا بالتحريض على كل من خالفهم، واستباحة دماءهم.
ويؤكد المرصد على أن توقيت هذا الإصدار يأتى فى أعقاب العمليات العسكرية المكثفة التى شنها الجيش المصرى ضد معاقل الإرهابيين فى جبل الحلال، والتى أجبرت من تبقى منهم على الفرار والتراجع، وكسر شوكتهم وتشتيت مساعيهم.
وأن العمليات التى يظهرها هذا المقطع المرئى إنما هى عمليات قديمة لم تحدث فى وقت واحد، ولكن تم جمع هذه المقاطع والتى ربما تم تصوير بعضها أيضًا من أماكن آخرى مثل سوريا والعراق وعلى مدار عدة أشهر ليظهر وكأن التنظيم قوى، وينفذ كل يوم عشرات العمليات كما يزعمون.
لكن التساؤل الذى يستحق أن نجيب عنه هو: ما سر إخراج هذا المقطع المرئى فى هذا التوقيت تحديدًا بعد أحداث كنيستى مار جرجس وكنيسة مار مرقس؟ والإجابة أنه بات من الواضح ضعف التنظيم وفشله أمام ضربات الجيش المصرى المتلاحقة والذى أجبره على الخروج من منطقة الصراع الحقيقية فى سيناء والنزول إلى الأهداف المدنية التى يسهل على هذا التنظيم تنفيذ عملياته الإرهابية فيها، حيث لا يتطلب الأمر أكثر من شخص أو شخصين من العناصر الإرهابية للقيام بعمليات تستهدف العزل من إخواننا المسيحين وبهدف ضرب الوحدة الوطنية وإحداث وقيعة بين أبناء الوطن الواحد، وايقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، ووضع التنظيم محل تركيز الإعلام العالمى الذى يلقى الكثير من الأضواء على مثل هذه الهجمات الإرهابية.
ولعل هذا هو التمثيل الحقيقى لمبدأ "شوكة النكاية" الذى يؤمن به أتباع التنظيم، فلسان حالهم "ما دمت غير قادر على أن أواجه جيش الدولة فلا أقل من الخروج من دائرة الصراع الحقيقى والدخول إلى دوائر مدنية أخرى أسبب لك فيها قلاقلا واضطرابات، وأزرع بها انقسامات داخلية تشغلك عنى”.
هذا هو منطق الدواعش فى هذه الهجمات، لكننا فى مرصد الأزهر نؤكد أن هذا الهدف أبعد من أن يناله هؤلاء الجنود المرتزقة المارقون (خوارج العصر). فقد رأينا كيف تعامل الشعب المصرى مع الأحداث الأخيرة بل ومع كل حدث إرهابى من هذا النوع. فالمصريون لا يرون أن هذا هجوم على مسيحيين أو مسلمين، إنما هو هجوم على المصريين الذين تختلط دماء مصابيهم بعضها ببعض، فالإرهاب لا يفرق بين دم ودم، وشهداء الشرطة البواسل الذين قضوا نحبهم فى هذه العمليات كانوا من المسلمين الذين كانوا يسهرون على حماية تلك الكنائس وحماية أرواح إخوانهم المسيحيين، لكنهم جميعا فى الأخير مصريون.
ويؤكد المرصد على أن ما تقوم به داعش لا يمت لتعاليم الأديان بصلة والتى حرمت الإعتداء على دور العبادة وترويع الأمنين، فضلا عن قتلهم وسفك دماءهم، قال تعالى فى كتابه العزيز: " وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا" (الحج: 40). وفى النهاية يرى المرصد أن هناك ارتباطًا وثيقا بين هذا التنظيم وجماعة الإخوان المسلمين والتى تروج لمثل هذه الإصدارات على مواقعها ومنصات تواصلها وقنواتها، تلك الجماعة التى تمثل الرحم الأم الذى يخرج منه كل هذا التنظيمات الإرهابية والتى لم تكن الدعوة للإسلام يوما هدفًا رئيسا من أهدافها، بل كان السعى للوصول للحكم والسيطرة على مقاليد الأمور والإقتتال على منافع الدنيا والتطاحن على النيل من شهواتها هو المحرك الأول لكل ما يقومون به لفرض أجنداتهم الخفية على حكومات الدول الإسلامية، وبعيدا عن الإسلام وتعاليمه السمحة.
ويؤكد المرصد على أن مثل هذه الأحداث لن تنال من وحدة المصريين أو تفت عزمهم، ولن تزيدهم إلا ثباتًا ويقينًا وصلابة وتدعوهم للوقوف صفًا واحدًا أمام من يحاول أو يجترىء على تهديد وحدتهم وتماسكهم أو العبث بأمن بلادهم.
حمى الله مصر وشعبها الأبى من كل مكروه وسو.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة