الإمام الأكبر الخائف من التجديد..يرفض بشدة جرائم «داعش» لكنه يرفض أيضا تكفيرهم

الجمعة، 14 أبريل 2017 01:52 م
الإمام الأكبر الخائف من التجديد..يرفض بشدة جرائم «داعش» لكنه يرفض أيضا تكفيرهم أحمد الطيب الإمام الأكبر

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

- اعترف فى حديث تليفزيونى «كلنا خائفون من التجديد».. وأكد: «هناك قلة تخطف النصوص المقدسة لصالحها»

 
راج مصطلح «تجديد الخطاب الدينى» على مدى السنوات الثلاث الفائتة، خاصة أنه ظل فقرة شبه ثابتة فى كل خطابات الرئيس، ووجد الصدى نفسه فى أحاديث شيخ الأزهر والمثقفين، وكل الذين أدركوا خطورة ما يحاك ضد الإسلام من مؤامرات وجرائم ترتكب باسمه.
 
«هناك قلة تخطف النصوص المقدسة لصالحها والإسلام منهم برئ» يقول الطيب فى مؤتمر المواطنة الذى انعقد فى فبراير الماضى، ولكنه إذ يؤمن بضرورة تجديد الخطاب الدينى كفقه للحظة والضرورة، يخشى فى الوقت نفسه أن يحل ما حرم الله.
 
 
فى برنامج تليفزيونى أذيع فى رمضان الماضى، سرد الطيب قصة الخطاب الدينى على طريقته، فقال إن بعض العوامل السياسية التى أخرت تجديد الخطاب الدينى ظهرت مبكرًا مع قيام الدولة الأموية، والتى ظهر فيها نوع من الاستبداد، ما جعل أفكار علماء الإسلام تبتعد عن الجوانب السياسية والاقتصادية، لتصبح مُنصبة حول الجوانب الفقهية والتعبدية فقط.
 
وواصل الشيخ أنه «فى عصر الدولة العباسية تجرأ على الفتوى فى الدين من ليس أهلا لذلك، حيث تضمنت فتاواهم أهواء أو أغراضا، ليبدأ المجتمع الإسلامى فى الاضطراب، ما أدى إلى اتفاق العلماء والفقهاء على وقف باب الاجتهاد رسميًا فى ذلك الوقت» مضيفًا: «وقف باب الاجتهاد فى العصر العباسى كان ضرورة فى ذلك الزمان فقط، ولكن هذه السياسة استمرت للأسف حتى الآن، وأصبح التجديد يعد خروجًا أو شذوذًا عن القاعدة، بالرغم من أن الرسول أوصانا بتجديد أمور ديننا كل 100 عام».
 
وعن أسباب عدم التجديد فى الخطاب الدينى حتى العصر الحالى، رد «الطيب» قائلا: «بصراحة.. كلنا مقصرون وخائفون من التجديد، فهناك من يخاف من أتباعه وآخر يخشى الناس، وثالث لديه ورع زائد على الحد فيقول خلى الأمور كدا عشان ماأتحملش أى حاجة أمام الله»، مؤكدا فى الوقت نفسه ضرورة التخلى عن كل هذه العقبات التى تحول دون تجديد الخطاب الدينى وتجعله جامدًا، مستطردا: «يجب أن ننزل إلى الناس ونرى واقعهم، لنقدم شريعة تسعد وتريح المسلمين، فى إطار ضوابط النص القرآنى والمقاصد العليا للشريعة والمعايير الأخلاقية».
 
وعلى الرغم من إيمانه الشديد بجرم ما تفعله داعش فإنه يرفض فى الوقت نفسه تكفيرهم، لعدة أسباب أهمها أن عقيدة الأشاعرة التى أقيم عليها الأزهر الشريف، تقوم على عدم تكفير أحد يقول لا إله إلا الله حتى وإن كان يفعل الكبائر كالقتل كما تفعل داعش، حيث إن الأمر مفوض إلى الله، ولا يجوز تكفير أحد إلا إذا أنكر معلوما من الدين بالضرورة، كما أن التكفير لدى الأزهر له ضوابط.
 
يوضح الشيخ: لكى نكفر شخصا يجب أن يخرج من الإيمان وينكر الإيمان بالملائكة وكتب الله من التوراة والإنجيل والقرآن، ويقولون: لا يخرجكم من الإيمان إلا إنكار ما أدخلت به، ويضيف: «ما حكم شخص يؤمن بتلك الأمور ويرتكب إحدى الكبائر، هل يصبح كافرا؟» وهناك مذاهب أخرى، تقول إن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان، بل هو مؤمن عاص، فلو أنه مات وهو مصرٌّ على كبيرته لا تستطيع أن تحكم عليه أنه من أهل النار، فأمره مفوض لربه.
 
ولا ينسى الشيخ أن يحاكم هؤلاء وفقا لشرع الله، فيقول إن الله قد حكم عليهم فى كتابه مستشهدا بالآية الكريمة: «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزى فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب عظيم»، مضيفاً أن الأزهر لا يحكم بالكفر على شخص، مادام يؤمن بالله وباليوم الآخر، حتى ولو ارتكب كل الفظائع، «فداعش لا أستطيع أن أكفرها، ولكن أحكم عليهم بأنهم من المفسدين فى الأرض، فـ«داعش» يؤمن بأن مرتكب الكبيرة كافر فيكون دمه حلالاً، فأنا إن كفرتهم أقع فيما ألومهم عليه الآن».
 

الطيب.. فقيه فى ملاعب السياسة

 
لم يكن للطيب أى علاقة بالسياسة من قريب أو من بعيد، إلا أن عصر مبارك كان قد شهد حرص الحزب الوطنى المنحل على ضم الكفاءات النادرة فى جميع مجالات الحياة إلى صفوفه، يشكل منهم الحكومة ويختار منهم الوزراء، ولم يكن غريبًا أن يسعى الحزب الحاكم وقتها إلى ضم الدكتور أحمد الطيب، الأستاذ بجامعة الأزهر، والذى سيصبح رئيسا للجامعة فيما بعد ثم شيخًا للأزهر.
 
بعد توليه منصب شيخ الأزهر، هاجمته الصحافة التى رأت أن عضويته فى الحزب الوطنى تقلل من استقلالية المؤسسة الدينية العريقة، إلا أن الشيخ العنيد كان يؤمن بعدم وجود تعارض بين الاثنين، لكن الأمر لم يدم طويلا حتى أعلن الرجل استقالته من الحزب، رادا فى الوقت نفسه على من يتحدثون عن احتمالية تبعية الأزهر للنظام السياسى بالقول: «إن مؤسسة الأزهر لا تحمل أجندة الحكومة على عاتقها‏، لكن الأزهر لا ينبغى أن يكون ضد الحكومة، لأنه جزء من الدولة وليس مطلوبا منه أن يبارك كل ما تقوم به الحكومة، وعندما جئت شيخا للأزهر وافق الرئيس مبارك على استقالتى من عضوية المكتب السياسى للحزب الوطنى، كى يتحرر الأزهر من أى قيد».
 
عندما اندلعت ثورة 25 يناير 2011، تحفظ الأزهر فى البداية قلقًا من احتمالات التخريب، وكذلك فعلت الكنيسة، إلا أن الإمام الطيب كان  مشددًا على الحقوق المشروعة للشعب فى العدل والحرية والعيش الكريم، وفى الوقت نفسه معبرا عن القلق والرفض لأى عمل يؤدى إلى إراقة الدماء وإشاعة الفوضى فى البلاد، ففى بيان له يوم  «29 يناير» وصف الطيب مطالب المتظاهرين بالـ«عادلة»، ولكنه حذر من الفوضى.
 
وبعد خطاب مبارك الثانى، عاد الشيخ الطيب ليصف التظاهر فى التحرير، قائلا إن «المظاهرات بهذا الشكل حرام شرعا، ودعوة للفوضى»، معربا عن أسفه الشديد لاشتباكات «موقعة الجمل 2011م»، مشددا على ضرورة التوقف فورا عن «العصبية الغاشمة»، وكرر دعوته للشباب المتظاهر للتحاور،  ودعا أيضا للتعقل ورأب الصدع والحفاظ على الأمن وقطع السبيل أمام محاولات التدخل الأجنبى، لأن «الأحداث يراد بها تفتيت مصر «، وبعدما أعلن  حسنى مبارك مبارك نقل سلطاته إلى نائبه  عمر سليمان، حذر الطيب من استمرار المظاهرات التى أصبحت «لا معنى لها» و«حرام شرعا» بعد انتهاء النظام الحاكم وتحقيق مطالب الشباب. 
 
بعد ثورة يناير وتنحى مبارك، عاشت البلاد أوضاعًا اقتصادية صعبة، فما كان من الشيخ إلا أن تطوع برد كل المبالغ التى تقاضاها كراتب نظير عمله كشيخ للأزهر للدولة، وذلك دعمًا للاقتصاد المصرى فى إبريل 2011، وفى زمن حكم جماعة الإخوان، شعر الإمام الأكبر بالخطر وسط محاولات كثيرة لإزاحته عن مقعده، ثم تزاح الجماعة عن الحكم، ويصبح الشيخ جزءا من مشهد الثالث من يونيو إلى جانب البابا تواضروس الثانى وقيادات العمل الوطنى ليبارك ثورة الجيش والشعب، وبعدها يأتى الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى سدة الحكم، ليؤكد فى مرات كثيرة حبه وتقديره للمؤسسة الأزهرية العريقة، لكنه ينهال عليها بالمطالب، وعلى رأسها تجديد الخطاب الدينى الذى صار مطلبا أساسيا للرئيس، ثم مطالبته بعدم إقرار وقوع الطلاق الشفوى، ومطالب كثيرة يستجيب الطيب لبعضها ويستدعى هيئة علمائه لتدارس البعض الآخر، ولكنه يحرص على الحفاظ على استقلالية قراره، وأزهريته دون أى ضغوط.
 

«الصوفى» فى مواجهة الجميع

 
فى القرنة.. كما فى مئات من القرى تحيط بأولى عواصم مصر وحاملة مفاتيح العشرات من أعظم شواهدها الحضارية.. هناك فى « طيبة» وحولها يجتمع كل ما يمكن أن يصيب الروح بتجليات المس الصوفى.. ففى قلبها وحولها شواهد حضارية صمدت لآلاف السنين، وفى القلب منها أيضا مساجد لأولياء يقصدهم المريدون من شمال البلاد وجنوبها، وعلى بعد بضعة كيلومترات منها، حيث مدينة نقادة، تحتضن جبالها أقدم الأديرة المسيحية، فى القرنة أيضا وهى إحدى توابع «طيبة» منازل فى أعلى الجبال وبيوت فى أحضانها، وفوق الجبل أو بجواره تستطيع أن ترى النيل وهو يجرى على مرمى البصر، وبين الجبال والنهر مزارع خضراء تارة، وبيوت عرفت أخيرا طريق الأعمدة الخرسانية وهجرت الأحجار والطوب اللبن.. فى وسط تلك البيئة تسحر الأرواح، فإما إلى صوفية صافية وإما إلى فن راق أو أدب ما بين رواية وشعر.. هناك كانت نشأة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، بين عائلة قائدة لواحدة من الفرق الصوفية المنتشرة فى تلك المنطقة من صعيد مصر، وهى الطريقة الخلوتية، وساحتهم مقصد للمريدين من كل مكان فى أنحاء البلاد، وكم انتهت بين جوانبها نزاعات وصلت إلى حد الاقتتال وفتحت أبوابا للثأر لم يغلق إلا على أيدى «آل الطيب».
 
بتلك النشأة الصوفية، كانت الوجهة الطبيعية للطفل أحمد الطيب نحو الأزهر، بتعليمات صارمة من الأب، وبصوفيته تلك انتقل من أقصى الصعيد إلى باريس «عاصمة الجن والملائكة» لاستكمال دراساته العليا، وعاد منها إلى القاهرة، أستاذا بجامعة الأزهر ومنها إلى مقعد المفتى فكرسى المشيخة.
 
معارك عدة خاضها الشيخ على مدى مشوار حياته، وجميعها تعامل معها بصوفية، بدءا من اختيار والده لمساره الدراسى، ومرورا برفضه الاستقالة من أمانة السياسات بالحزب الوطنى، عندما تم تعيينه شيخا للأزهر، حيث كان يرى أن الأزهر ليس مؤسسة معارضة للحكومة أو للحزب الحاكم، كما أنه ليس أداة للترويج لسياساتهما، وعاد ليستقيل من الحزب فى النهاية. 
 
بعد الإطاحة بنظام مبارك فى ثورة يناير 2011، تعامل البعض مع الشيخ الطيب باعتباره واحدًا من رموز «العهد البائد» من دون اعتبار لمكانته على رأس المؤسسة الدينية الكبرى فى العالم الإسلامى، وبدأت محاولات من قبل جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها فى ذلك الوقت من الجماعات السلفية لإزاحته عن موقعه، عبر تشويه صورته ومواقفه، وكلاهما «الجماعة وأنصارها» لم يستطع إخفاء رغبته فى إزاحة الشيخ وإسناد المقعد الأعلى فى المؤسسة الدينية الكبرى بالعالم الإسلامى إلى واحد من رجالهم، لكن كل المحاولات انتهت بسقوط حكم جماعة الإخوان فى 30 يونيو 2013، وظهر الإمام الأكبر ركنا أساسيا فى مشهد إعلان وزير الدفاع فى ذلك الوقت المشير عبدالفتاح السيسى فى 3 يوليو خارطة الطريق عقب تعطيل العمل بالدستور واختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلى منصور رئيسا مؤقتا للبلاد.
 
من ضمن المواجهات التى دخلها الشيخ أيضا، مدفوعا بصوفيته وموقعه على رأس المشيخة الأزهرية، إعلانه فى يناير 2011 تجميد الحوار مع الفاتيكان اعتراضا على «التهجم المتكرر» من قبل البابا بنديكت السادس عشر على الإسلام، وإطلاقه دعوات لما سماه بـ«حماية المسيحيين فى مصر» بعد حادث تفجير كنيسة «القديسين» بمدينة الإسكندرية، وأعلن شيخ الأزهر رفضه استئناف العلاقات مع الفاتيكان إلا بعد اعتذار صريح من البابا.
 
حين أطيح بالجماعة من الحكم لم يسلم الشيخ «الصوفى» من هجوم البعض عليه، ولم يكن ظهور الإمام الأكبر كمساند رئيس لـ«30 يونيو»، ولاعبا أساسيا فى دعم الإطاحة بحكم جماعة الإخوان شفيعا للرجل أو حاميا له من هجوم طاله مؤخرا، خاصة بعد تأكيد هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف وقوع الطلاق الشفوى المستوفى أركانه وشروطه، والصادر من الزوج عن أهلية وإرادة واعية وبالألفاظ الشرعية الدالة على الطلاق دون اشتراط إشهاد أو توثيق، وذلك بعد دعوة الرئيس السيسى إلى إصدار تشريع يجعل الطلاق لا يتم إلا أمام مأذون، وذلك منعًا لتفكك الأسرة المصرية، وخصوصا بعد ارتفاع نسب الطلاق خلال السنوات الماضية، ووصلت حدة بعض المهاجمين لشيخ الأزهر إلى المطالبة باستقالته من منصبه، وهى الحدة التى تراجعت أيضا مع استقبال الرئيس له بعد أيام من بيان «كبار العلماء»، لكنها لم تقض على رغبة البعض فى الهجوم على الشيخ وجعله طوال الوقت فى حالة مواجهات لا تتوقف.
 
p
 









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة