"الشيخ على الحسينى، تربع فى السنوات الأخيرة منفردا على عرش فن الابتهال الدينى، فقد منحه الله صوتا جميلا وكأن الله أراد أن يعوضه عن فقده نعمة البصر وهو فى الثانية من عمره، فحفظ القرآن الكريم بكتاب القرية وذاع صيته من قريته إلى العالمية كمبتهل للقرآن الكريم، ومثل جمهورية مصر العربية فى العديد من دول العالم كمحكم دولى فى مسابقات الابتهال الدينى، واستقباه كل من الرئيسين "صدام حسين" ومعمر القذافى" استقبالا رسميا بالمطار وأغدقا عليه الهدايا القيمة"؛ وتقابل "اليوم السابع" معه بمنزله بحى السبتية بمحافظة القاهرة، ليحدثنا عن تجربته مع الابتهال الدينى والصعوبات التى واجهته فى بداية حياته، وإلى نص الحوار..
حدثنا عن سيرتك الذاتية ونشأتك؟
-"على الحسينى على " 58 سنة، ولدت بقرية جميزة بنى عمرو مركز ديرب نجم بمحافظة الشرقية،لأسرة فقيرة مكونة من ولدين وبنتين، وكنت الإبن الأصغر، وأصبت من الصغر بفقد نعمة البصر حيث بسبب الجهل والوصفات البلدية فقدت عينى اليمنى وعمرى عامان، وبعدها أصبت بمياه بيضاء على عينى اليسرى ولم أرى إلا بنور بسيط بيها، ورفض إجراء أى عمليات بيها حتى بعدما كبرت، وحمدت الله على قضاءه، وأسرتى كان عليها أن ترسلنى لحفظ القرآن بكتاب القرية، لأن فاقد البصر مثلى ليس له مهنة يعمل بها سوء أن يحفظ القرآن، وحفظت القرآن فى سن صغير.
ومتى بدأ صيتك داخل مركز ومدينة ديرب نجم؟
-عندما بلغت 12 سنة، وأتمت حفظ القرآن الكريم، إرتبطت بالشيخ " عبد الحى محمد عفيفي" من محافظة الدقهلية، وكان كفيف، وبدأ يأخذنى معه لقرأة القرآن فى المأتم، حيث أعجب بصوتى، وأول عزاء قرأت به كان بقرية" السلطان حسن" مركز أبوكبير بمحافظة الشرقية، وكان الشيخ يقسم ما يأخذه من مال، بينى وبينه، ثم بدأ يطلب لى فلوس خاصة بى، وذاع صيتى من قرية الحاج حسن، بديرب نجم، من خلال إحياء ليالى شهر رمضان، بدعوة من عائلة اللواء الهجرسى وكانت لى مكبرات صوت خاصة بى،وبعدها ذاع صيتى بمركز دكرنس وديرب نجم وثم محافظات المنصورة وبورسعيد والإسماعيلية، وجوبت جميع محافظات مصر، قارئ للقرآن.
وكيف كنت تنمى موهبتك فى القرية؟
-ورثت الصوت الجميل من أمى، فكانت رحمها الله صاحب صوت جميل أشبه بصوت الفنانة" فاطمة عيد "، وكنت أقرى القرآن يوميا، طول الوقت، كما كنت أدرب صوتى، على مكبرات الصوت، بسرك رياضى بالقرية، كان يطوف قريتنا كل عام، ونلتف الأطفال حول السرك طول اليوم، وكنت أطلب من القائم على مكبرات الصوت، أن أقرى القرآن وكان يرحب بى.
هل تتذكر أول راتب حصلت عليه فى حياتك؟
-نعم كان 25 قرش، وذلك كان فى السبعينات، وكان ال25 قرش لهم فرحة كبيرة، ثم بدأت أحصل على 50 قرش ثم جنيه ثم جنيهان إلى أن وصل أجرى إلى 5 جنيهات.
وما هو السبب الذى حال دون أن تدرس بالمعاهد الأزهرية؟
-كان نفسى أن التحق بالدراسة بالأزهر، فقد تقدمت أسرتى بأوراقى للمعهد الأزهرى بالقرية، وكان شرط أساسى أن من يلتحق بالمعهد أن يحفظ 4 أجزاء من القرآن الكريم، ويتم إختباره شفويا، وعندما تقدمت للإختبار كنت حافظ نصف القرآن، ونجحت لكن بسبب المحسوبية تم أخذ درجاتى، لصالح أحد أبناء الأهالى المتيسرين بالقرية.
وكيف إلتحقت بإذاعة القرآن الكريم؟ومتى تم إعتمادك رسميا عضو بالإذاعة؟
-سنة 1984 عندما حفظت القرآن الكريم، وبدأت أتعرف على كبار المقرئين، أمثال الشيخ "الشحات أنور" بدأت أفكر أن إلتحق بإذاعة القرآن الكريم مثلهم، وذهبت بمفردى إلى القاهرة وتقدمت بطب إلى الإذاعة، كقارئ للقرآن الكريم، ولم يرد على طلبى أو يسأل عنى أحد، فذهبت إلى الشيخ نصر الدين طوبار بمسجد" الخازندار" وتحدثت معه وقابنى مقابلة حسنة، وطلبت منه أن يرشدنى أن أتخصص فى قراءة القرآن أم الابتهال.
وعندما سمع صوتى فى القرآن والابتهال، قال لى تخصص فى الابتهال لكن أبتعد عن تقليدى حيث كنت قولت له جزء من منشودة"ياسامع الصوت" الخاصة به، ونصحنى بضروة دراسة موسيقى وذهب معى إلى معهد الموسيقا العربية، وكنا وقتها الموسيقار"محمد عبد الوهاب" المسئول عن المعهد، وعندما سمع صوتى أثنى عليه وشجعنى وخاصة عندما علم أنى من محافظة الشرقية، بلده، ودرست فى المعهد لمدة 6 سنوات، وبعدها تقدمت بطلب لإذاعة القرآن الكريم، سنة 1996، وتم نجاحى من أول مرة، كمبتهل وبكيت شكرا لله.
حدثنا عن فن الابتهال الديني؟
الابتهال الدينى، فن مصرى عرفه المصريون منذ آلاف السنين، فقد كان الابتهال موجودا منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن هناك فرق بين الابتهال والإنشاد الدينى، حيث أن الابتهال هو مدح فى الذات الإلهية والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، بينما الإنشاد الدينى يكون مصحوبا بألات موسيقية، والابتهالات أو الإنشاد الدينى هى موهبة من الله تعالى تصقل بالدراسة الموسيقية، حيث انها تتطلب معرفة المقامات، كما أن الابتهال يكون دون آلات موسيقية، ويعتمد على التنوع فى مخاطبة الناس من خلال مقطوعات من الشعر قصيرة، بينما يصاحب الإنشاد الآلات الموسيقية، ويكون بقصيدة شعرية كاملة..
برأيك ما أسباب التراجع فن الابتهال حاليا؟
ذلك راجع لفقدان عدة أشياء، منها التدقيق فى الشعر المقدم إلى المستمع الذى يتناسب مع المبتهل والمستمع، كما يجب على المبتهل أن يراعى الطبقة الوسطى من التعليم، مع مراعاة المقامات الموسيقية التى يجب أن يحفظها ويؤديها المبتهل بغير نشاز، حتى تستمع الأذن الموسيقية بلهفة..
من يختار لك الأبيات الشعرية التى تلقيها وكيفية تلحينها؟
أبيات الشعر أقوم أنا باختيارها،والتلحين من ادائى، لان من شروط المبتهل الجيد القدرة على الحفظ والتلحين وتعلم المقامات، ودراستى بمعهد الموسيقا العربية لمدة 6 سنوات أكسبتنى خبرة فى التلحين..
وما هى النصائح التى تقدمها للمقدمين على الابتهال؟
أولا، لابد أن يكون يتمتع بصوت جميل، وأن يكون عنده موهبة حقيقة، ويحافظ عليها ويدقق فى الأبيات التى يلقيها ويحفظها جيدا، وثانيا يبتعد عن تقليد الكبار وأن يكون له مدرسة خاصة به.
وهل قلدت أى من كبار المبتهلين فى بداية حياتك؟
-نعم فى بدايتى كنت أقلد الشيخ" نصر الدين طوبار" فأنا من عشاق صوته العذب، وهو صاحب الفضل عليه فى أن أكون مبتهل،حيث كنت قارئ فى بداية حياتى، وشأت الظروف أن قابلته فى مسجد "الخازندار" وسمع صوتى، وكنت أقلده، فكان صادق وأمين معى وقالى ليه بالحرف" صوتك جميل وخاليك فى الابتهال، لكن لابد أن يكون لك مدرسة خاصة، وأبعد عن تقليدي" وضرب لى مثل، وقال لى لو أنا وأنت متواجدين فى سرادقين متجاوين وأنت تبتهل وأنا، الناس سوف تسمع مين" وأرد بصدقه وأمانته أن يفهمنى أن الناس لا تحب المقلد ولكن تحب أن تسمع صاحب الصوت نفسه.
وهل دعيت لإحياء ليالى رمضان والابتهال خارج جمهورية مصر العربية؟
-نعم لقد سافرت إلى أكثر من 15 دولة أوربية وعربية منها" أمريكا والعرق وإيران وجزر القمر، وسوريا ولبنان" وغيرها وكان يتم إستقبالى بشكل رسمى حيث أستقبلنى الرئيس الراحل صدم حسين والرئس معمر القذافى رسميا فى المطار، حيث كانوا يحترمون الأزهر الشريف وحفظة القرآن الكريم، وكان يعطون الهدايا القمية، كما تم دعوتى كمحكم دول ورئيس رابطة المبتهلين وحكمت فى مئات المسابقات الخاصة بالإنشاد الدينى.
وما هى أصعب اللحظات التى مرت عليك وبكيت بسببها؟
-أصعب لحظات مرت بحياتى وبكيت بسببها، المرة الأولى، بعد وفاة محفظى القرآن الكريم"الشيخ السباعى " حيث كان عمرى 7 أعوام، وفضلت 4 أيام بدون طعام، من شدة حزنى عليه، فقد كان صاحب فضل كبير عليه، حيث كان يضربنى بشدة وبعدها يصالحنى، ويأتى إلى منزلى يصحنى من النوم، وكان يطلع لى فوق سطح المنزل، عندما كنت أختبى منه باحطب، فكان يأخذنى بهدوء وويقول لى "ياعلى أنت مش لك غير حفظ القرآن ولو مش أتعلمت هتشتغل أيه" لأنى فاقد للبصر، وبعد وفاته كنت أذهب يوميا إلى قبره بالقرية وأبكى وأحدثه بكل شىء.
والمرة الثانية التى بكيت فيها، لحظة اعتمادى رسميا مبتهل بإذاعة القرآن الكريم، حيث بادر إلى ذهنى كيفية عبورى بمفردى التقاطع أمام مبنى الإذاعة، لكن ربنا كان دايما وقف بجوارى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة