بدأ العد التنازلى لانطلاق انتخابات رئاسية جديدة فى فرنسا تجرى الأحد المقبل، التى تجرى وسط تحديات كبرى تواجه العالم من إرهاب وأزمة هجرة ونوبة عداء غربى للإسلام، وتغيرات كبرى عالمية قد تغير فى المستقبل القريب من خارطة التحالفات الدولية والإقليمية، وما يضفى طابع مختلف لتلك الانتخابات الفرنسية عن سابقيها أنها للمره الأوى يسودها حاله من الغموض حول من سيصل الى قصر الإليزيه.
حالة الغموض تأتى من صعوبة توقع من سيفوز برئاسة الدولة الهامة أوروبيا، فى ظل تقارب خمسة مرشحين من إجمالى 11 مرشحا فى استطلاعات الرأى التى أجريت فى تلك الساعات الحاسمة، وهم وزير الاقتصاد السابق فى الحكومة الاشتراكية إيمانويل ماكرون، ورئيسة الجبهة الوطنية مارين لوبان، والمحافظ فرنسوا فيون، ومرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلانشون وخصمه اليسارى الاشتراكى بونوا هامون.
وفى ظل عدم حسم الأمر بين مرشحين كما هو معتاد، ومع هذا التقارب فى نتائج استطلاعات الرأى عمد المرشحون إلى محاولة جذب كتلة تصويتية لا يمكن تجاهلها فى فرنسا، ويعول عليها المرشحون لحسم المعركة الانتخابية وهى أصوات الفرنسيين من أصول عربية ويتصدرها بشكل أساسى الأصول الجزائرية واللبنانية.
تلك الكتلة التصويتية ظهرت أهميتها بجلاء فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية التى أجريت فى العام 2002، وتم تعبئة تلك الكتلة فى مواجهة اليمين المتطرف الذى كان يحاول آنذاك الحصول الفوز بمقعد الرئاسة فى الإليزيه، واستطاعت تلك الكتلة أن تحسم فوز جاك شيراك بأغلبية ساحقة بنسبة 82.21% مقابل 17.79% لـ"جان لوبان" اليمينى المتطرف ووالد المرشحة الحالية مارين لوبان.
وخلال الشهرين الماضيين ومع اقتراب موعد الحسم تسارع المرشحون فى مغازلة الفرنسيين من أصول عربية فى محاولة لكسب تأييدهم كل على طريقته، حيث اختارت مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية اليمينى الفرنسي، المرشحة للانتخابات الرئاسية الفرنسية، لبنان لتكون محطتها الوحيدة فى منطقة الشرق الأوسط خلال حملتها الإنتخابية، وهو الاختيار الذى حمل فى طياته رسالة قوية من المرشحة الأوفر حظا فى السباق لقصر الإليزية.
لوبن ذهبت الى بيروت وعيناها على الأصوات المسيحية، ففى خضم حملتها الشرسة ضد الإسلام والمسلمين والمهاجرين قررت أن تسوق نفسها كـ"حامية" لمسيحيّ الشرق وهى الرسالة الأبرز التى سيطرت على تصريحاتها فى لبنان.
مرشحة اليمين المتطرف قالت من بيروت، إن "حماية المسيحيين هو العمل على تمكينهم من البقاء فى أرضهم والقضاء على التطرف الإسلامي"، وأن "وسيلة حماية الأقليات المسيحية هى القضاء على أولئك الذين يهدفون إلى تدمير كل الأقليات"، وتابعت: "ما يهمنى فى موضوع حماية المسيحيين، هو العمل على تمكينهم من البقاء فى أرضهم، وليس كما اقترح الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى منذ سنوات بإقناعهم بترك بلادهم وتحويلهم إلى لاجئين فى بلادنا"، وبتلك الرسالة حاولت لوبان أن تغازل أصوات الفرنسيين من أصول مسيحية عربية خاصة اللبنانيين.
وللتأكيد على رسالتها قامت لوبان بموقف وصفته الأوساط السياسية بـ"الاستعراضى" خلال الزيارة للبنان، حيث ذهبت الى دار الفتوى فى لبنان للقاء المفتى الشيخ عبد اللطيف دريان، ثم قررت عدم لقائه رفضا لطلب ارتداء الحجاب، وقالت دار الفتوى أنها أبلغت لوبان سابقا خلال الإعداد للزيارة ببروتوكول اللقاء.
ومن هنا رسمت المرشحة المتطرفة لنفسها صورة المدافع عن حقوق "مسيحيى الشرق" فى رهان واضح على اللبنانيين فى فرنسا الذين يحملون جنسيات مزدوجة، ويرجح عددهم بنحو 30 ألف ناخب، فضلا عن الفرنسيين اللبنانيين والمستقرين فى لبنان، فوفق الأرقام الرسمية يعيش فى لبنان أكثر من 23 ألف ناخب فرنسي.
وتأتى زيارة لوبان إلى لبنان بعد أسابيع قليلة من زيارة مماثلة أجراها أحد أبرز منافسيها فى الانتخابات الرئاسية، إيمانويل ماكرون وُصفتها الأوساط المراقبة بأنها "تكريس لمكانته الدولية"، فى حين لم يتمكن مرشح اليمين فرنسوا فيون من زيارة مماثلة كانت مقررة إلى لبنان والعراق فى فبراير الماضى، بعد فتح تحقيق فى قضايا فساد ضده بشأن وظائف وهمية أمنها لزوجته واثنين من أولاده.
ومن بيروت الى الجزائر شهدت وجهات نظر المرشحين تباينا كبيرا، فتلك الدولة فى المغرب العربى تعد من أكبر الدول التى لها جاليات مجنسة فى فرنسا وقد يصل عددهم الى أكثر من مليون فرنسى من أصل جزائرى، وكان ماكرون من أكثر المرشحين الفرنسيين مغازلة للجزائريين، حيث قام بزيارة فى منتصف فبراير الماضى أثارت جدلا كبيرا فى داخل فرنسا.
هذا الجدل جاء بعد أن وصف المرشح الفرنسى استعمار بلاده للجزائر بـ "جريمة ضد الإنسانية"، واعتبرت الصحافة الجزائرية أن ماكرون داس على العدائية والأحقاد التى ورثها نظراؤه عن ”فرنسا الاستعمارية”، وذلك بعد أن لقب الجزائر بـ ”الجارة” واعتبرها مفتاح الاستثمار الناجح مع إفريقيا كلها، ليكون بالمقارنة مع تاريخ الانتخابات الفرنسية الرئاسية ”ظاهرة سياسية” تجذب الجزائريين.
أما المرشحون الآخرون والذين لم يتمكنوا من اتمام جولات خارجية لدول النفوذ الفرنسى فى الشرق الأوسط إبان الحملات الإنتخابية حاولوا على طريقتهم مغازلة تلك الأصوات العربية والمسلمة، ولجأ فرانسوا فيون، بعد أن عمد مضطرا لإلغاء زيارته للبنان والعراق لزيارة مسجد سان دونى دو لا ريونيون الأقدم بفرنسا ليكون بذلك الأول بين مرشحى الرئاسة، ودعا الى أن يعبر المسلمون الفرنسيون عن غضبهم تجاه كل الممارسات والأفكار المتطرفة، وضد مَن يحرّفون رسالة الإسلام.
فى حين لجأ بنوا هامون، الى تصريحات جريئة أقر فيها بأن الإسلام ليس مشكلة لفرنسا، مطالباً بعدم منع ارتداء الحجاب، وضرورة احترام الفرنسيين لحقوق الغير، ونبذ الطائفية والتعصب، بل دعا إلى معاملة إنسانية للاجئين.
واليوم دخلت مرحلة الانتخابات الرئاسية فى فرنسا مرحلة حاسمة، حيث بدأ العد التنازلى لتوجه الفرنسيين على كافة توجهاتهم وأصولهم لصناديق الاقتراع الأحد المقبل فى الجولة الأولى من الانتخابات، ليظهر فى أعقابها أى من المرشحين نجح فى مغازلة الأصول العربية للتصويت له والإيمان بأحقيته فى الوصول لقصر الإليزيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة