قضت المحكمة الإدارية العليا الدائرة الأولى برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين أحمد الشاذلى والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وسامى درويش ومحمود ابو الدهب نواب رئيس مجلس الدولة بمنح الجنسية لأربعة اشقاء مولودين من أب فلسطينى وأم مصرية هم : إبراهيم و عبد الرحمن و سالم وعمر أولاد على سالم سالم.
وأكدت المحكمة على أن المساواة بين الأب والأم في مجال ثبوت الجنسية المصرية الأصلية للأبناء من الحقوق الدستورية ومنحت المحكمة الجنسية المصرية لأربعة أبناء لأم مصرية بغض النظر عن جنسية الأب ولو كان فلسطينياً , كما اكدت على أن إتفاقية الجنسية بين الدول الأعضاء فى الجامعة العربية عام 1954 كانت بين حكومات مصر والأردن وسوريا والعراق والسعودية ولبنان وليبيا واليمن ، ولم تكن فلسطين طرفاً فيها , كما أن قرار مجلس جامعة الدول العربية عام 1959 بحظر منح الفلسطينيين جنسية أى من الدول الأعضاء حفاظاً على الهوية الفلسطينية مجرد توصية غير ملزمة وليست إتفاقية دولية .
قالت المحكمة أن المشرع إقراراً منه للمساواة بين الأب والأم عدم التميز بينهما في مجال ثبوت الجنسية المصرية الأصلية للأبناء فقد قرر تمتع المولود لآب مصري أو لآم مصرية بالجنسية المصرية دون أن يكون ثمة سلطة تقديرية في تمتعه بها ، إذ تثبت له منذ لحظة ميلاده فإذا ما ثار حول جنسية الشخص جدل كان عبء إثبات تمتعه بها وفقاً لأحكام قانون الجنسية المشار إليه واقعاً علي عاتقه ويكون له إثبات ذلك بكافة طرق الإثبات ، وتيسيراً علي من يتمسك بأنه مصري الجنسية أعتبر المشرع منذ تاريخ العمل بالقانون رقم 22 لسنة 2012 شهادة الميلاد أو المستخرج الرسمي منها حجة في إثبات الجنسية وكذا أية وثائق أو مستندات أخري تصدر عن الدولة ، ومنها علي وجه الخصوص بطاقة الرقم القومي وشهادة المعاملة العسكرية أو الإعفاء منها .
واضافت المحكمة أنه فى ضوء الاحكام المستحدثة للمشرع المصرى لصالح الأم المصرية وأطفالها من أجنبى التى ساير فيها الاتجاه الدولى , فإنه رغبة منه في معالجة الآثار والمشاكل القانونية المترتبة علي زواج المصرية من أجنبي ومعاناتها هي وأبنائها من فقدان الرعوية المصرية فقد أكد علي المساواة بين الأبوين فيما يتعلق باكتساب الجنسية المصرية بالولادة لآب مصري أو لآم مصرية ، ولم يعلق القانون اكتساب الجنسية لأبناء الأم المصرية علي جنسية الأب ، حيث جاء النص عاماً بتقرير الحق لمن ولد لآم مصرية في التمتع بالجنسية المصرية دون النظر لجنسية الأب ودون أية استثناءات علي هذا الأصل العام ولو أراد المشرع استثناء أولاد الأم المصرية لآب فلسطيني من أحكامه لما أعوزه النص علي ذلك صراحة في صلب هذا القانون ، كما رخص لكل من ولد لآم مصرية وأب غير مصري قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 154 لسنة 2004 إعلان وزير الداخلية برغبته في التمتع بالجنسية المصرية ويعتبر مصرياً بصدور قرار بذلك من الوزير أو بانقضاء مدة سنة من تاريخ الإعلان دون صدور قرار مسبب بالرفض .
وذكرت المحكمة أن الجنسية باتت رابطة قانونية وسياسية وإجتماعية تربط الفرد بالدولة التى يحمل جنسيتها ومرجع هذا الوصف أن الفرد بموجبها يصبح من مواطنى الدولة متمتعاً بالحقوق متحملاً بالإلتزامات وفقاً لأحكام القانون , والبين من إستقراء الدساتير المصرية المتعاقبة السابقة على الدستور الحالى أنها قد ناطت بالقانون تنظيم الجنسية المصرية ، أما الدستور الحالى النافذ بعد صدور الحكم المطعون فيه فنظم فى المادة ( 6 ) الجنسية المصرية الأصلية – ولم يفوض المشرع فى تنظيمها – وجعلها حقاً دستورياً لمن يولد لأب مصرى أو لآم مصرية ، وأسند الى المشرع تحديد شروط إكتساب الجنسية المصرية ( التجنس ) .وبهذه المثابة فإن المشرع فى القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية كان يقصر الجنسية المصرية على من ولد لأب مصرى إستناداً إلى معيار حق الدم من جهة الأب ، وبموجب القانون رقم 154 لسنة 2004 منح المشرع هذا الحق أيضاً لأبناء الأم المصرية ، فأصبح من يولد لأم مصرية بعد تاريخ العمل بهذا القانون فى 15 / 7 / 2004 متمتعاً بالجنسية المصرية الأصلية ، ونظم المشرع حالة أبناء الأم المصرية من أب غير مصرى الذين ولدوا قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 154 لسنة 2004 ، وأجاز لمن ولد لأم مصرية وأب غير مصرى قبل تاريخ العمل بالقانون رقم 154 لسنة 2004 أن يعلن وزير الداخلية برغبته فى التمتع بالجنسية المصرية ، وإعتبر المشرع الشخص من هذه الفئة متمتعاً بالجنسية المصرية متى صدر قرار من وزير الداخلية بتمتعه بالجنسية المصرية ، أو إنقضت مدة سنة من التاريخ الذى أعلن فيه الشخص المولود لأم مصرية وأب أجنبى وزير الداخلية برغبته فى التمتع بالجنسية المصرية دون صدور قرار مسبب من الوزير برفض تمتع الشخص بالجنسية المصرية، فإذا لم يصدر وزير الداخلية قراراً مسبباً بالرفض فى الأجل الذى حدده المشرع فإن الجنسية المصرية تثبت بقوة القانون .
وأوضحت المحكمة ومتى كان قانون الجنسية المصرى بعد التعديل المشار إليه قد قرر حكماً عاماً ولم يستثن المولود لأب فلسطيني عندما قرر منح الجنسية المصرية لأبناء الأم المصرية من أب أجنبى ، فمن ثم لا يجوز أن يضحى ذلك سنداً لحرمان المولود لأم مصرية وأب فلسطينى من حقه فى التمتع بالجنسية المصرية , ولما كان الثابت من الأوراق الاشقاء الاربعة إبراهيم و عبد الرحمن و سالم وعمر أولاد على سالم سالم قد ولدوا لأم مصرية هى السيدة / نعمات محمد عبد الله عبد السلام ، وأن تاريخ ميلاد كل منهم سابقاً على تاريخ العمل بالقانون رقم 154 لسنة 2004 ، وتقدموا لجهة الإدارة بتاريخ 2 / 8 / 2005 لإعلان رغبتهم فى التمتع بالجنسية المصرية إلا أن جهة الإدارة لم تمكنهم من ذلك ، الأمر الذى لامناص معه من إعتبار أن إعلان المطعون ضدهم من الأول حتى الرابع لوزير الداخلية بالرغبة فى التمتع بالجنسية المصرية قد تم واقعاً وبقوة القانون .
ونوهت المحكمة إنه لا يحاج فى هذا المقام , ما تذرعت به الجهة الإدارية الطاعنة بأن القانون رقم 154 لسنة 2004 لا يسرى على أبناء الأم المصرية من أب فلسطينى على سند من أن إتفاقية الجنسية بين الدول الأعضاء فى الجامعة العربية التى وافق عليها مجلس الجامعة فى 5 / 4 / 1954 ووقعت عليها مصر بتاريخ 9 / 11 / 1954 تنص فى المادة السادسة منها على أن : " لا يُقبل تجنس أحد رعايا دول الجامعة العربية بجنسية دولة أخرى من دول الجامعة إلا بموافقة حكومته وتزول عنه الجنسية الجديدة " ، والقول بأن أحكام هذه الإتفاقية تعلو على أحكام القانون الداخلى وتعتبر هى الواجبة التطبيق عند التعارض مع القانون الداخلى ، فإن ذلك مردود عليه ، فإن القاعدة المقررة فى القانون الدولى هى الأثر النسبى للمعاهدات الدولية وأن المعاهدة لا تلزم إلا أطرافها، وهو ما تنص عليه صراحة معاهدة فيينا لقانون المعاهدات التى وافقت عليها مصر بقرار رئيس الجمهورية رقم 535 لسنة 1981 وتم التصديق عليها، ونشرت بالجريدة الرسمية بتاريخ 10 / 6 / 1982 ، إذ تنص المادة (26 ) منها على أن : " كل معاهدة نافذة تُلزم أطرافها .... " ، وأنه ولما كانت إتفاقية الجنسية بين الدول الأعضاء فى الجامعة العربية المحتج بها قد وقعت بين حكومات مصر والمملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية السورية والمملكة العراقية والمملكة العربية السعودية وجمهورية لبنان والمملكة الليبية المتحدة والمملكة المتوكلية اليمنية ، ولم تكن فلسطين طرفاً من الأطراف الموقعة على الإتفاقية المشار إليها كما لم تقدم جهة الإدارة ما يثبت إنضمام فلسطين إليها لاحقاً ، فمن ثم فلا يجوز – بحال من الأحوال - الإحتجاج بالإتفاقية سالفة الذكر إزاء حالة المولودين لأم مصرية وأب فلسطينى ، ويكون قانون الجنسية المصرى والحال كذلك هو القانون الواجب التطبيق دون أن تستبعد أى من أحكامه , فحكم المادة السادسة من الدستور المصرى جاء عاماً دون تخصيص ومتسعاً دون تضييق ليشمل الجنسية الأصلية وتلك القائمة على التجنس .
واختتمت المحكمة حكمها المنصف للمرأة المصرية أنه لا يوهن فى سلامة هذا النظر , قول الجهة الإدارية الطاعنة أن منح الجنسية للأشقاء الاربعة يخالف قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 1547/1959 الذى حظر منح الفلسطينيين جنسية أى من الدول الأعضاء حفاظاً على الهوية الفلسطينية ، فذلك نعى غير صحيح أيضاً ، إذ أنه وبإستقراء هذا القرار يستبين أنه لا يعدو كونه محض توصيةبخصوص منح جنسية بعض الدول العربية للاجئين الفلسطنين وأنها غير ملزمة قانوناً بحسبان أنه لم يثبت أن قرار مجلس جامعة الدول العربية المشار إليه قد صيغ قى شكل إتفاقية دولية إنضمت مصر إليها كما لم يثبت أن مصر قد تعاملت مع هذا القرار بوصفه إتفاقية دولية ملزمة وصدقت عليه ونشرته حتى تصبح له قوة القانون فى مصر .