أصدرت مجلة آفاق التى يصدرها اتحاد كتاب المغرب ملفاً متكاملاً لأول مرة عن واحدة من أهم تجارب السينما فى الوطن العربى "السينما المغربية"، خاصة أنها تمر بطفرة نوعية جديرة بالتتبع والاهتمام، ومراهنتها على التجديد شكلاً ومضمونا، حيث ذهبت إلى موضوعات جادة وقضايا ظلت تعانى من الصمت لسنوات طويلة منها: قراءة تاريخ النضال المغربى من أجل الديمقراطية، عراك المرأة لتحقيق رغباتها فى التحرير، الأطفال ومدرسة الحياة، الغربة القاسية فى دهاليز الوطن.
عبد الرحمن طنكول رئيس تحرير مجلة آفاق المغربية يرى أن علاقة المغاربة بالصور الفيلمية جد مترسخة فى وعى المجتمع إن لم يكن فى لاوعيه أيضاً، ولعل ذلك يعود إلى ولعهم منذ القدم بما يسميه عبد الرحمن طنكول بالصورة الوسائطية، سواء تلك المستقاة من قصص القرآن أو من السرديات الشعبية، والتى كانت ولاتزال فى متناول الجميع، فى الدكاكين البسيطة وفى الأسواق القروية، ويغزو طنكول الفضل فى السينما المغربية لمؤسسيها خاصة المبدع المقتدر "نور الدين الصايل".
محمد نور الدين أفاية، كتب دراسة تمزج بين فلسفة التاريخ والصورة، عبر قدرته على رصد مدى تعبير السينما كوثيقة عن التاريخ المروى أو المكتوب، هذه الجلية أجادت تقديمها السينما المغربية، فقد عرف الإبداع الأدنى المغربى كتابات السجن والاعتقال، وللشهادة أصدر جواد مديدش كتابه "الغرفة السوداء"، وحوله حسن بنجلون إلى فيلم.
وسواء تعلق الأمر بالكتاب أو بالفيلم، فإن سؤال الشهادة يطرح نفسه بقوة، من أى زاوية يمكن النظر إلى هذه الشهادة؟ هذا السؤال الذى طرحه محمد أفاية يطرح عدة تساؤلات للإجابة عليه، فيذكر أنه هل هو تعبير عن تذكر وعن تفاصيل زمن تعرض فيه صاحب الشهادة إلى ما تعرض له من ألم ومعاناة؟ أم لها منطقها ولغتها وعمقها الوجدانى، وخلفياتها ومقاصدها؟
هنا يستدعى "أفاية" فيلم "درب مولاى الشريف" ويرى أنه شهادة، حكى، وتذكر وتركيب، ويطرح سؤالا نقديا: هل استطاع الفيلم إبراز هذه المعادلة على صعيد التمثيل والإخراج؟
هذا السؤال النقدى فى حاجة إلى معالجة خاصة، فهو ينتقد مبالغات فيلم "جوهرة بنت الحبس" ويرى أن طرق تماهى الممثلين مع شخصيات فى الفيلم يعالج مسألة جدية كثيرا ما تظهر درجة كبيرة من الافتعال وغياب الأصالة، ذلك أن المخرج، باستناده إلى أجهزته التصويرية وأجساد تمثيلية لم يتمكن من ابتكار صور قريبة من متخيل كاتب الكتاب، أى أن المشاهد يلاحظ نوعين من الفارق السردى بين ما يعرضه متواليات الفيلم وبين متخيل الاعتقال، ويغزو "أفاية" هذا إلى غربة أغلب الأفلام المغربية عن المتخيل الجمعى، وحتى إذا انطلقت منه فكثيراً ما تسقط فى نمطية تفقد إبداعية المتخيل، وهنا تضيع قدرتها فى رأى محمد أفاية على الإقناع والجذب.
وقدم فريد بوجيدة دراسة عن "السينما المغربية فى رحاب التحولات.. قراءة سومسيولوجية"، ويرى أن السينما المغربية عرفت فى الفترة بين 2000 و 2013 ميلادية تحولات مهمة على العديد من المستويات، ومن الطبيعى أن يمس هذا التحول الجانب الثقافى والفنى. من هنا كان للسينما حظا كبيرا إذا استفادت بشكل كبير من الإصلاحات التى مست الكثير من القطاعات، وتشير المعطيات الرقمية أنه خلال هذه الفترة تم إنتاج 125 من الأفلام الطويلة و289 فيلم قصير، وحسب هذه المعطيات شارك الكثير من المخرجين فى إبداع أفلامهم الأولى (42 مخرجا)، أما بالنسبة للفيلم القصير فشكلت سنة 2006-2005 وحدها عمليه إنزال غير مسبوقة بإخراج 123 فيلما وكانت عملية تسليم بطاقه مخرج من طرف المركز السينمائى مشروطه بإخراج ثلاثة أفلام قصيرة لكل مخرج، وهذا ما يفسر الكم الهائل من الإنتاجات السينمائية خلال هذه السنة، وبالرغم من هذه الإنتاجات السينمائية خلال هذه السنة، وبالرغم من هذه الأرقام على مستوى الإنتاج السينمائى الذى ساهمت فيه الدولة بشكل كبير عبر الدعم الذى يقدمه المركز السينمائى المغربى فإن أرقام أخرى تشير إلى تحول غير إيجابى على مستوى الاستغلال السنيمائى، فهناك اختفاء تدريجى للقاعات السينمائية : 184 قاعة سنة 1996 ، 162 قاعة سنة 2000 و 77 قاعة سنة 2009 ، وهذا يعنى أن عدد المقاعد ينزل حسب السنوات وسيكون له انعكاسا على مستوى المدخول السنوى، من 113721 درهم سنة 1996 إلىى 61612 سنة 20099.
ورغم هذه المفارقة (بين عدد الأفلام كل سنة خاصة فى الفترة المدروسة وبين معدل الاستغلال) فإن هذه الأرقام تعد إيجابية خاصة إذا اعتبرنا كل فيلم سينمائى ورشة من ورشات العمل والإبداع.
هذه الدراسة تخلص إلى عدد من النتائج المهمة على النحو التالى:-
أولا، هناك تفاعل واضح بين السينما والواقع، السنيما والمجتمع، بدليل حضور عدد كبير من الأفلام التى عاجلت المجتمع المغربى وقضاياه، وهذا التفاعل يرتبط أساسا بتطور هذا المجتمع وبروز قضايا أساسية كان لها حضور فى الإعلام، مثل البطالة، الظلم الاجتماعى، القمع والاعتقال والوضعية الاجتماعية لبعض الفئات خاصة المرأة.
ثانيا: هذا الحضور لا يمليه الواجب فقط الذى يفرض على المخرجين (كمثقفين) أن يتفاعلوا مع قضايا مجتمع، بل الغنى الذى يقدمه المجتمع من تجارب ونماذج ومواقف متعددة ومتنوعة، إذ لا يمكن لمخرج مغربى أن يغامر بموضوع جديد أو خارج نمطية الدراما الاجتماعية، نظراً لقلة الإمكانيات المادية من جهة ولعدم تمرس هؤلاء المخرجين على موضوعات أخرى تهم مثلا الخيال العلمى ومجالات الفضاء والبحار والكوارث الطبيعية والمعارك والحروب.
ثالثاً: المخرج المغربى وانطلاقاً من المعطيات التى درسها فريد بوجيدة لا يستبق حدثاً أو يتأمل الواقع المتحرك فى اتجاه ما يمكن أن يكون، بمعنى أنه لم يستطع أن يتنبأ بشيء ما، وهذا ما يشكل ضعف فى السينما المغربية.
إذ أنها دائماً تأتى بعد الحدث، فهى بحكم طبيعتها غير غامرة.
رابعاً: وبناء على ما سبق يذكر أن الطابع الاجتماعى لمعظم الأفلام جعلها حبيسة موضوعات نمطية تشابه أحياناً حتى فى أسلوبها.
خامساً: إن أشكال التعاطى مع هذه الموضوعات وبالرغم مما ذكره فريد بوجيدة استطاعت فى بعض الأحيان أن تنفذ إلى عمق المغرب، شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، هو الذى يعكس انتماء المخرجين من الناحية الجغرافيا.
على سبيل المثال ينتمى محمد إسماعيل إلى شمال المغرب، وداوود السيد إلى جنوبه وياسمين قصارى من الشرق ونور الدين الخمارى من الغرب.
سادساً: إن الأفلام التى تم إنتاجها خلال الفترة الممدودة سنة (2000 إلى 2010)، اهتمت فى معظمها (وبغض النظر عن قيمتها الفنية) ببعض المؤشرات الجديدة التى تبرز المغرب كبلد يتحول اجتماعياً وثقافياً.
فالاهتمام بالفساد والرشوة والتعسف الذكورى والهجرة والتطرف ومشاكل الهوية والتهميش، كل هذه الآفات مرتبطة بمجتمع يتحول فى اتجاه البحث عن أفق جديدة.
ومجرد الحديث عن موضوعات من هذا النوع وبهذا الشكل الكاشف والمكشوف يجعلنا أمام صورة جديدة لمغرب يتحول.
سابعاً: ويذكر فريد بوجيدة أنه إذا كانت المعطيات تشير إلى هذا التحول انطلاقاً مما وفرته الكاميرات من أفلام توثق هذه الفترة، فإن السؤال الذى يمكن طرحه كيف تم تقديم هذه التحولات؟ كيف قدم لنا المخرجون المجتمع المغربى وفى أى سياق تم اختيار قضايا معينة ولماذا تم التركيز على موضوعات محددة دون غيرها وهل تمة مصلحة وراء ذلك؟
لاشك أن سوسيولوجيا أخرى تنصب على المخرجين جديرة بالفعل بالإجابة عن هذا السؤال لتبرز ذلك التداخل بين السينمائى والأيديولوجى.
هذا الملف عن السينما المغربية أثرته أيضاً دراسة حميداتباتو عن "وظيفة السينما فرص الانهيار".
وهو يركز على السينما والشباب وتحديث المجتمع الغربى، لكن سيصعب على أى قارئ ترك دراسة مهمة فى هذا الملف لنور الين بوخصيبى تحت عنوان "الفيلم المغربى بين طقوسية الرمز والتجربة الروحية"، وهنا نراه يركز على مستويين، مستوى الحكاية الفيلمية ومستوى الإبداع الفيلمى، فى هذه الدراسة نرى تباينا يبرزه الناقد بقوة، وستتوقف فى الملف كثيراً عند قراءة دراسة حمادى كيروم عن المقاومة بأعين سينمائية متعددة.
هذا الملف بلا شك مرجعا مهماً للسينما المغربية، بل إنه محطة تلفت الانتباه إلى نجاحاتها وسلبياتها حتى على مستوى دور العرض السينمائى والنقد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة