"هيئات الدولة لا تقدر الثقافة"... يمكن القول بأن هذه هى الجملة المفتتح فى الندوة التى أقامها اليوم السابع، للكاتب أشرف العشماوى، والتى تطرق الحديث فيها حول أعماله الإبداعية والتاريخ ورفضه لتولى حقيبة وزارة الثقافة والأزهر وتجديد الخطاب الدينى، فكل هذا كان حاضرًا فى الندوة التى استضاف فيها "اليوم السابع" أشرف العشماوى، وخاضت فى كثير من الأحداث الجارية، وقدم خلالها رأيه فى أمور كثيرة.
لماذا رفضت تولى منصب وزير الثقافة فى التعديل الوزارى الأخير؟
ما قيل حول أننى التقيت برئيس الوزراء غير صحيح، لكننى اعتذرت من المرحلة الأولى، مرحلة الترشيح، واعتذرت هاتفيًا، ومن ثم تلقيت اتصالاً من جهات الترشيح بهدف اللقاء للحديث لعرض وجهة نظرى حول كيفية تطوير وزارة الثقافة.
ولماذا اعتذرت؟
اعتذرت لأننى لا أرى نفسى فى هذا المنصب، ولا يمكننى فعل شىء إلا إذا شعرت بأن كافة الأدوات فى يدى، وبناء على هذا رفضت، لأننى لا أشعر بأن كافة أدوات وزارة الثقافة سوف تكون بين يدى، فقد سبق وكنت مستشارًا، وكانت لدى صلاحيات كبيرة، مكنتنى بالفعل من العمل، أما الآن فلا، أضف إلى ذلك أن الثقافة لا تحظى باهتمام كبير من الدولة الآن، فالظروف السياسية والاقتصادية تجعل الثقافة فى مرحلة متأخرة الآن.
هل تقدر هيئات الدولة الثقافة وتسعى حقا لتجديد الخطاب الدينى؟
الثقافة ليست هى القضية الآن فقط، وتجديد الخطاب الدينى لن يتم والأزهر لا يزال كما هو، لم يتغير حاله ثابت على جموده، وعدم الرغبة فى التطوير، فأى شىء تفعله الثقافة الآن أو فيما بعد، هو حرث فى بحر، ولن يتم فعل أى شىء على أرض الواقع بيد واحدة، نحتاج ليد الثقافة، ويد الأزهر، والوضع الحالى يقول بأن لدينا يد متحجرة ومشلولة ومتيبسة، فاليوم إذا قال أحد الكتاب رأيا، سيخرج من يطالب بحبسه، "عندنا كام رأس ذئب طارت"، اختلف أو اتفق مع إسلام البحيرى، لكنه قال رأيه، والأزهر اختار من يمثله ليواجهه بالرأى، وحتى هذه النقطة فنحن دولة متحضرة جدًا، لكن ما حدث فيما بعد هو أن إسلام البحيرى تم حبسه، فمن لديه القدرة والجرأة والاستعداد ليتعرض لنفس مصير "البحيرى"، وبرأيى ليست لدينا النية الحقيقة لتجديد الخطاب الدينى.
والثقافة بحاجة إلى أن يخفف الأزهر من جموده، فليس كل ما قاله السلف، علينا أن نأخذ به، فحتى السلف قاموا بالتنقيح، أضف إلى ذلك أن نظرة الأزهر للمثقفين يجب أن تتغير، وكذلك نظرة المثقفين للأزهر، هذا الجمود والعداء أدعى لأن ينتهى.
لكن ألا ترى أن ما تقوله هو أدعى لأن تتولى منصب وزير الثقافة؟
اعتذارى جاء بناء على أسباب تتعلق بى، فأولا أنا قاضى، وكونى قاضيًا فأنا معتز بعملى، ولو تركت القضاء لأتولى منصبًا تنفيذًا، وبعد شهور تركته، فلن أتمكن من الرجوع إلى القضاء مرة ثانية، فهى قاعدة، وأتفق معهم فى هذه القاعدة، فلا يجوز للقاضى أن يحتك بالناس فى حالة توليه المنصب التنفيذى، ويكون عرضة للنقد، ومن ثم يجلس على منصة القضاء مرة أخرى.
ولماذا حدث هذا مع عدلى منصور؟
بحكم القانون، لأن رئيس المحكمة الدستورية العليا يتولى منصب رئيس الجمهورية فى حالة غيابه، ما يعنى أنه كان يؤدى دوره، كما أنه لم يستقل من المحكمة الدستورية.
كيف تعاملت مع قضايا حرية الرأى والتعبير خلال عملك القضائي؟
عملت فى النيابة لعشرين عامًا متصلة، منذ أن تم تعينى، إلى أن أصبحت مستشارًا فى محكمة الجنايات، فى هذه الفترة، عرضت على 43 قضية، ومن حظى "أنه مافيش حاجة مهمة إلا واشتغلتها"، وبالنسبة لقضايا حرية الرأى والتعبير، فلا يمكنك أن تلوم قاضيًا، فهناك من يحكم بالبراءة، لأنه لم يكن مقتنعًا، وهناك من حكم بالحبس.
وفى الفترة من 1995 وحتى 2007، عرض على 43 قضية، وفى هذه الفترة لم يكن الإعلام يركز على هذه القضايا مثل الآن، فالزمن كان مختلفًا، وبين هذه القضايا قمت بحفظ 42 قضية، وواحدة فقط هى التى قدمتها للمحاكمة، وندمت فى وقتها، ولكن كل ملابسات القضية كانت تؤدى على ذلك، فالنيابة كانت أمام متهم يصر على توجيه سباب لله عز وجل والنبى صلى الله عليه وسلم، وذلك بهدف أن تتم محاكمته، ولهذا قلت بأننا نصنع أبطالًا من ورق، ونعطيهم فرصة ليكونوا أدباء وأصحاب رأى، فى حين أنهم "وهم"، وكان هدف الرجل، الذى كان يعمل وقتها بائع بويات أن يحصل على لجوء سياسى فى هولندا، ما يعنى أنه لم يكن كاتبًا، وحتى لو كان ذلك، فمن السهل أن تحصل على عضوية اتحاد كتاب مصر.
وهل لديك عضوية اتحاد كتاب مصر؟
لا
لماذا؟
بعدما وصلت إلى جائزة البوكر عن رواية "تويا"، قامت الدار المصرية اللبنانية بعمل ندوة، حضرها الكاتب محمد سلماوى، وكان وقتها رئيسًا للاتحاد، وقيل له بأننى لم أحصل على عضوية، وفى اليوم التالى تلقيت منهم اتصالا، ولكننى لم أرغب فى الحصول عليها.
ولماذا؟
لأنه ليس شرطًا لأن أكون روائيًا أن أحصل على العضوية من الاتحاد، فهل نجيب محفوظ كان يقدم نفسه على أنه عضو اتحاد كتاب مصر؟، "اللى بيقدم هو اللى ما بيكتبش"
نعود لكواليس منصب وزير الثقافة... ما مقترحاتك التى قدمتها؟
لن أتحدث فيها كثيرًا، مادمت قد رفضت ذلك، ولكن أحد الأولويات، تمثلت فى كيفية إيصال الثقافة إلى الناس.
ولكن ألا ترى أن هذه الإجابة ليست بجديدة؟
بالتأكيد، فأنا لست صاحب هذا الشعار، ولكن لدى الرؤية التى تمكننى لو كنت قبلت المنصب من تحقيقه، ولكنى لن أتحدث عنها، ماداهم هناك وزير ثقافة قائم بالفعل، ومن المؤكد أنه ليس بحاجة إلى رؤيتى، أضف إلى ذلك أن رؤيتى للفعل هى خلاصة تجارب آخرين.
وبرأيك من هو أفضل وزير ثقافة فى تاريخ الوزارة؟
هذا سؤال محرج، فقد كان جدى محمد العشماوى وزيرا للثقافة فى زمن الملكية، حيث شغل منصب وزير المعارف العمومية، قبل طه حسين، فى حكومة الوفد، ولكن برأيى أن الدكتور ثروت عكاشة هو من أفضل وزراء الثقافة، فمعطيات المرحلة واختلاف فكره عن الضباط الأحرار وما فعله من إنجازات يجعله يحتل المركز الأول حتى الآن، وإذا أعطينا نفس الإمكانيات التى حصل عليها فاروق حسنى لثروت عكاشة، فسوف يتعدى "عكاشة" ما فعله فاروق حسنى فى أيام مبارك، ولو أتى ثروت عكاشة بدلاً من فاروق حسنى فى زمن مبارك فسنجد أن ثروت متفوق على فاروق حسني، أضف إلى ذلك أنه من بعد فاروق حسنى لم نر وزيرًا للثقافة، فهناك أشخاص نكاد لا نتذكر أنهم تولوا هذا المنصب.
كنت قريبًا من نجيب محفوظ.. فماذا تتذكر منه؟
نجيب كان يرى أنه إن لم يكتب رواية الحرافيش فهو لم يكتب شيئًا، فهى من أقرب الروايات إلى قلبه، وذلك على عكس ما كان يقال حول فوزه بجائزة نوبل بسبب رواية أولاد حارتنا، كما أشار إلى أن الرواية الثانية القريبة إليه بداية ونهاية والثالثة هى رواية اللص والكلاب، نجيب كان يرى نفسه شخص عاديا، مثله مثل أى مواطن بسيط.
ما بين رواية "تويا" و"تذكرة وحيدة للقاهرة" ذكرت "عبد الناصر" بين المؤيد والمعارض؟ هل من الممكن أن يظهر فى عمل روائى آخر؟
نعم، لابد أن يظهر فى أكثر من عمل آخر، فأنا مولع جدًا بالكتابة عن الفترة ما بين الثلاثينيات وحتى الثمانينيات، فالـ 50 سنة هذه مهمة جدًا فى حياتنا، فمن يقرأها يعرف أين نحن وإلى ما نحن ذاهبون، فالتغيرات التى حدثت للمجتمع المصرى فى هذه المصرى أكبر بكثير مما حدث فى ثورة 2011، ففى عام 1952 كان أقوى، وما بعدها، وكذلك فى الفترة ما قبلها، فأنا أرى أن مصر فى هذه الفترة كانت من أفضل دول العالم عن الوقت الحالي، العالم كله يقول نحن بعد مائة سنة سنكون أفضل، أما نحن فالبلد الوحيدة التى تقول أننا منذ 100 سنة كنا أفضل فى كل شيء، فنحن لا نحصر الفترة فى شخص الملك، ولكننا نتحدث عن الأوضاع بشكل عام، فالملك فاروق على الرغم من مساوئه وما كان لديه من اضطراب فى شخصيته إلا أنه كانت لديه أيادى بيضاء على أشياء كثيرة فى الحياة.
لديك إنتاج أدبى غزير وعمر فنى قصير.. كيف ذلك؟
لأننى أكتب كل يوم، أضف إلى ذلك أننى بدأت الكتابة فى عام 1997، وكان عمرى وقتها 30 سنة، وبدأت لاننى كسبت القصة القصيرة ولم أتمكن من الحصول على الجائزة، حينما قدمت للجائزة كنت اعمل فى النيابة، فقدمت القصة باسم فتاة، فكسبت، وندهوا الاسم، وانا كنت قاعد مبسوط جدًا، الغريب أن أحد كبار النقاد، وقد صار وزيرًا فيما بعد، ظل يرسل لى الايميل طالباً اللقاء فى مكتبه، مشيدًا بالقصة، وبعد عشر سنوات من هذه الواقعة فى 2007، فقلت له يا دكتور ما رأيك فى هذه القصة القصيرة التى كتبتها شريفة كمال، وكسبت جائزة القصة، فتعجب وقالى "دى لا تصلح". وكتبت كثيرًا، وذهبت للنائب العام، ورفض، وشجعنى أنيس منصور، على الاستمرار، وحينما ذهبت لمحمد رشاد كنت قد ذهبت إليه بأربع روايات تم تغير العناوين فقط، وهو "زمن الضباع"، و"تويا"، "المرشد"، والبارمان" وكان العقد على أن يتم إصدار رواية كل عام، ومن عام 2012 وحتى 2014 كتبت كلابى الراعي، ومن 2014 وحتى 2016 كتبت تذكرة وحيدة، ولكننى لا أكتب رواية كل عام، إلا أننى أكتب يوميًا، ما عدا يوم الجمعة.
هل كونك قاضيًا منعك من الحديث عن أشياء معينة فى أعمالك؟
كونى قاضيًا لا يعنى أننى أمتنع عن كتابة معلومات معنية، والناشر طلب بالفعل منى حذف جمل معنية، إلا أننى رفضت، فالكتابة هى إبراز للحقيقة، والرواية أحد هذه الأوجه.
بعد "كلاب الراعى" قلت بأن لن تعود للرواية التاريخية لكنك عدت فى "تذكرة وحيدة للقاهرة"؟
لم أكن أقصد بالكتابة التاريخية هذا النوع من الكتابة، فهى رواية تاريخ موازي، لكن الرجوع للتاريخ لفترات لا يمكنك معايشتها أمر صعب جدًا، ففى كلاب الراعى اضطررت للعودة إلى مكتبة الإسكندرية للحصول على خرائط للطرق، وحينما جئت أمشى فيها لم أجدها فى الواقع.
هل تلقيت ردود أفعال من زملاء العمل فى القضاء؟ وهل تلقيت ردود فعل على مشهد منصة القضاء فى رواية "تذكرة وحيدة للقاهرة"؟
بالتأكيد، هناك من يعجب، وهناك من يستاء، فطبيعة القاضى فى مصر أنه متحفظ، ملتزم بالتقاليد الوقار والصرامة، ومجرد ذكر القضاء فى رواية يثير حفيظته حتى لو أعجبته الرواية، وهى نسبة قليلة، فأنا لدى جمهور من القضاء يتابع أعمالي.
هل تغيرت شخصيتك أو ردود الفعل معك على مستوى الأسرة بعدما أصبحت كاتبًا؟
لا، أنا زى مانا، لم أتغير على الإطلاق، لا قبل الكتابة، ولا بعدها.
أيهما تحب لقب القاضى أم الكاتب؟
الكاتب، أحب لقب الروائي.
لو عرض عليك أن تصبح نائبًا عامًا.. هل ستقبل؟
فى رأيى أن منصب العام طبعا هو أهم من منصب الوزير، وهذا المنصب مهم جدًا، فنحن لدينا مقولة شهيرة جدًا "مش هتكلم إلا قدام النيابة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة