بالشموع والدموع، احتشد أهالى طنطا من المسلمين والأقباط لوداع شهداء كنيسة مارجرجس حيث نظم سكان المدينة وقفة رمزية أمام الكنيسة وفى حراسة الشرطة لتوديع الجثامين فور انتقالها من المشرحة، لتوارى جثامينهم الثرى أسفل مقر الكنيسة.
على يمين ساحة الصلاة التى لقى فيها الشهداء حتفهم، وفى ممر جانبى، تعبر سلالم صغيرة تقودك إلى مخزن الكنيسة الذى صار مقبرة للشهداء، ووسط حشود من الأهالى وخدام الكنيسة والكشافة الكنسية، تم البناء الذى بدأ فى الرابعة عصرا وانتهى منذ قليل.
بالطوب الأحمر والأسمنت بدأنا البناء بعدما أمر الأنبا بولا.. بذلك يقول أحد العمال، ويشير إلى سلم صغير يتفقده بعض الآباء الكهنة، ومن زاوية أعلى السلم ترى ما يشبه ثلاجة الموتى، أدراج أسمنتية يطلق عليها العامل "عيون الشهداء"، تسع كل عين ثلاثة جثامين، حيث عملت الكنيسة على تجهيز أماكن تتسع لـ53 شهيدا فى حال زيادة الأعداد خاصة مع وجود الكثير من الحالات الحرجة.
"التصوير ممنوع".. يقولها عامل شارك فى البناء، وهو يؤكد أن القبر سيتحول لمزار رمزى للشهداء، وعلى يساره كانت أسرة أحد الشمامسة الذين لقوا حتفهم اليوم، تمسك بصورته وتقبلها فى انتظار حضور جثمانه من المشرحة، بينما اكتظ آخرين يحاولون دخول كنيسة الصلاة ولكن الكشافة الكنسية تطلب منهم إبراز الدعوات.
"دعوة لحضور صلوات الجنازة على أرواح شهداء طنطا".. ورقة كرتونية صغيرة يمسك بها أحد الأهالى يقول إنه تسلمها من الآباء الكهنة عصر اليوم، حتى يتمكن من توديع أحبائه.
نعيش أسبوع الآلام الذى تمنع فيه الصلاة على الموتى، وهو ما يؤكده القس دانيال الذى استشهد نجله بيشوى فى الكنيسة اليوم، ولكن الكنيسة تضع الجثامين أثناء صلوات البصخة المقدسة ضمن طقوس أسبوع الآلام.
لحن "جولجوثا" الجنائزى الذى استخدمته الكنيسة فى توديع شهداء البطرسية، وهو اللحن الذى يعزف لتوديع الشهداء والباباوات والقديسين لن يستخدم اليوم، فأسبوع الآلام هو أسبوع تصلى فيه الكنيسة بالطقس الحزاينى تذكارا للمسيح وآلامه، حيث تزامن الحادث مع أول أيام أسبوع الآلام اليوم، وهو يوم أحد السعف.
فيما عملت الكنيسة على الاحتفاظ ببقع الدم على الحوائط والأرضيات وأحاطتها بمقاعد خشبية ليصبح دم الشهداء شاهدا وشهيدا على ما جرى، وبحلول المساء كانت رائحة الدم الذى سال صباحا قد صارت أكثر حدة، فيمكن لأى عابر فى محيط الكنيسة أن يميز رائحة الدم البشرى وكأنك تشهد طقوس عيد الأضحى الذى تملأ فيه الدماء الشوارع.
فى الساحة الرئيسية للكنيسة التى شهدت الانفجار، علق بعض من صور الشهداء على لافتة كبيرة كتب عليها اذكرونا أمام عرش النعمة، هو ليس موت لعبيدك بل انتقال، بينما تنظر الأعين للصور وترتفع الأكف ضراعة للسماء.
خلف الكنيسة التى شهدت الانفجار، انشغلت بعض النساء بجمع البقايا، ركام من خشب، وقماش محترق، وقطع صغيرة من أناجيل احترقت، قالت إحداهن إنها ستحتفظ بها كبركة من الشهداء ودمائهم الطاهرة، حيث صعدوا ليستقبلوا المسيح فى أورشليم تلك التى هناك فى السماء، بينما كانوا يحاولون إحياء ذكرى دخوله أورشليم اليوم فى قداس أحد السعف.
الأنبا بولا أسقف طنطا الرجل القوى فى الكنيسة ومسئول ملف العلاقات بين الكنيسة والدولة، كان مستهدفا من الانفجار ولكنه لم يصب بمكروه ووقف فى صالونه لتلقى التعازى من النواب والمسئولين والآباء الأساقفة، وأشرف بنفسه على كافة مراسم الجنازة.