وسط أجواء من التوتر، تواصل دوائر النخب الأمريكية محاولة استيعاب قرار الرئيس الأمريكى المفاجئ بإقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية جيمس كومى، الذى كان يتولى التحقيق فى قضية اتصالات فريق ترامب الانتخابى قبل دخوله البيت الأبيض مع المسئولين الروس، والذى جاء قبل يوم واحد من استقبال الرئيس الأمريكى وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف.
وفى الوقت الذى دعت فيه نيويورك تايمز فى افتتاحيتها بعدد اليوم الخميس المدعى العام الأمريكى للتحقيق مع الرئيس، مشككة فى العملية الانتخابية التى قادته إلى البيت الأبيض، سادت حالة من الغضب المكتوم فى أروقة وسائل الإعلام الأمريكية من السماح بدخول مراسلين وصحفيين روس لتغطية مباحثات "لافروف ـ ترامب"، وسط تحذيرات من تشكيل ذلك "مخاطر أمنية".
واجتازت حالة الغليان التى سادت واشنطن منذ قرار الإطاحة بجيمس كومى الصحافة الأمريكية وامتد صداها إلى الصحف البريطانية ، حيث نقلت صحيفة الاندبندنت البريطانية عن ديفيد إس كوهين، النائب السابق لمدير الـ"CIA" من أن قرار البيت الأبيض السماح بدخول مندوبين عن وكالات اخبارية روسية مثل تاس ربما يشكل مخاطر أمنية، الأمر الذى علقت عليه الصحيفة نفسها بقولها إن البيت الأبيض منع مراسلين أمريكيين من حضور لقاء الرئيس ترامب وسريجى لافروف وزير الخارجية الروسى.
وتساءل مستشار أمن قومى فى إدارة الرئيس السابق أوباما عما إذا كانت "فكرة جيدة" إدخال مصور له صلة بالكرملين إلى المكتب البيضاوى فى تغريده له على موقع "توتير" للتدوين القصير، وقال كوهين "لا. ليست فكرة جيدة".
وتزامنت زيارة لافروف إلى الولايات المتحدة، مع إقالة ترامب لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالى، الـFBI جيمس كومى المفاجئة على خلفية تحقيقه فى ملف علاقة الحملة الانتخابية الخاصة بترامب بروسيا ومدى تأثير الكرملين على مجرى الانتخابات الأمريكية الأخيرة، وهو الملف الذى أثر بشكل كبير على رئاسة ترامب الوليدة لاسيما وإن مستشار الأمن القومى، مايكل فلين، كان أول المسئولين الأوائل الذى خسروا منصبهم بسبب علاقته مع الروس.
وأوضحت الصحيفة أن لقاء الرئيس الأمريكى مع لافروف كان من المفترض أن يكون مغلقا أمام الصحفيين، بمعنى أن وسائل الإعلام لم يكن مسموح لهم بالدخول إلى اللقاء، على عكس ما حدث أثناء لقاءات الرئيس الأمريكى مع رؤساء العالم ومن بينهم أنجيلا ميركل. حتى أن الصحفيين تم استدعائهم فى اليوم نفسه لحضور اجتماع غير معلن بين ترامب وهنرى كسينجر.
لهذا كان نشر وكالة تاس الإخبارية لصور من اللقاء بين الرئيس ترامب ووزير الخارجية الروسى مفاجئا، لاسيما وإنها أظهرت الرئيس الأمريكى وهو يبتسم ويسلم على السفير الروسى سيرجى كيسلياك، ضمن الصور التى نشرتها السفارة الروسية بواشنطن. وكيسلياك كان محور ملف علاقة حملة ترامب الانتخابية بالروس، وهو نفسه الذى استقال على خلفية اتهامه بمناقشة موضوع العقوبات الأمريكية معه قبل تولى ترامب مهام الرئاسة.
وفى الوقت الذى ألمحت فيه عدة صحف أمريكية إلى أن قرار إقالة "كومى" خطوة نحو التقارب بين واشنطن وموسكو، أشارت "الإندبندنت" البريطانية إلى أن المسئولين فى البيت الأبيض –الذى لم ينشر صورا للقاء – شعروا بالدهشة كذلك من وجود مصور وكالة تاس الروسية.
وقال مساعد فى البيت الأبيض لصحيفة "نيويورك تايمز" "مصورنا الرسمى ومصورهم الرسمى حضرا اللقاء. وهذا كل شئ".
بينما قال عضو آخر فى إدارة الرئيس ترامب أن البيت الأبيض تم تضليله، إذ قال لهم المسئولون الروس إن المصور جاء مع لافروف ولم يكشفوا أنه يعمل لدى وكالة تاس.
وقال مسئول لصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية إن "لم يتم إبلاغنا من قبل الروس أن مصورهم الرسمى يعمل فى مكانين وأنه سينشر الصور على وكالة الأنباء الرسمية".
وأشارت "الإندبندنت" إلى أن البيت الأبيض قلل من التكهنات بشأن وجود أى أجهزة مراقبة، وأكد أن المصور ومعداته خضعوا لفحص أمنى. ولفتت إلى أن عملاء مخابرات روس اتهموا فى التسعينات من القرن الماضى بزرع "جهاز تنصت معقد للغاية" فى غرفة الاجتماعات بوزارة الخارجية الأمريكية.
واعتبرت "الإندبندنت" أن ظهور السفير الروسى كيسلياك كان بمثابة الصدمة للأوساط السياسية فى واشنطن. بل كان قرار ترامب بإجراء محدثات مع لافروف "غير عادى"، فالمعتاد أن يلتقى وزراء الخارجية مع نظرائهم خلال زياراتهم الرسمية، بحسب الصحيفة.
ورد لافروف بغضب على الصحفيين فيما بعد عندما طرحوا أسئلتهم الخاصة بتدخل روسيا فى الانتخابات وأكد أن الموضوع لم يكن ضمن المباحثات بينه وبين الرئيس الأمريكى.
ولفتت الصحيفة إلى أن الصحفيين الأمريكيين تم استثنائهم من زيارة وزير الخارجية ريكس تليرسون إلى موسكو الشهر الماضى عندما تركه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين منتظرا لساعات قبل أن يلتقيه فى الكرملين.
واعتبر السيناتور الديمقراطى، ديك ديربين أن لقاء لافروف مع ترامب فى المكتب البيضاوى فرصة دعاية كبيرة بالنسبة لروسيا، وقال أمام مجلس الشيوخ "الرئيس ترامب فى هذه الصور، يسلم على الروس، والكرملين ينشر هذه الصور حول العالم برحابة صدر".
ومن ناحية أخرى، اعتبرت صحيفة "الجارديان" البريطانية فى افتتاحية عددها اليوم أن هناك حاجة إلى محقق خاص للتحقيق فى مزاعم علاقة ترامب بالروس، وهو ما استبعدت أن يقوم به الرئيس الأمريكى. وقالت الصحيفة إن قرار ترامب إقالة كومى، يعتبر نقطة تحول فى مأساة الرئيس الأمريكى الـ 45 للولايات المتحدة.
وأضافت أنه "على الأقل، عندما اتخذ الرئيس الأمريكى السابق ريتشارد نيكسون قرارا مماثلا بطرد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي فإنه اتخذ هذا القرار للحفاظ على منصبه"، وتابعت أن " تصرفات ترامب تشكل خطرا على مسار الحكم فى الولايات المتحدة"، وأنه "يقيل ويطرد الموظفين الذين لا يتفقون معه، فهو يهاجم القضاة، ويرى أن سياستهم ليست قانونية".