محمود حمدون يكتب: فى انتظار ما لا يجىء

الجمعة، 12 مايو 2017 02:00 ص
محمود حمدون يكتب: فى انتظار ما لا يجىء ورقة وقلم أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

اقتربت عربة حنطور تميزها خطوات رتيبة الإيقاع لحوافر حصان على أسفلت الشارع، كان الوقت يقترب من المغرب بأحد أيام شهر يناير الباردة، حيث يحل الظلام سريعا ليلفّ الكون بعباءة سوداء ثقيلة مصحوبة بريح باردة تجبر الناس على المكوث بمنازلهم .

أثارت إيقاعات العربة بعض الجيران فطلت رؤوس تستطلع بدافع من شغف و فضول متأصل بين الناس فى الأحياء الشعبية .

توقفت العربة أمام منزل صغير، نزل منها بضعة نفر تبدو على وجوههم غلظة غير مألوفة ثم دقات على الباب، فتحت الزوجة الباب مواربا لتسأل من الطارق؟.

رد أحدهم نحن أخوة زوجك وقد جئنا فى زيارة من بعيد وسوف نصحبه الآن فى رحلة لن تستغرق أياما معدودات ثم يعود سالما.

رجف قلبها بشدة، فمع مرض زوجها الشديد وعجزه عن الحركة لفترة قصيرة، فلن يصمد أبدا لرحلة طويلة. وبوجل رحبّت بقدومهم.

أسرعت إلى زوجها فى فراشه تتعثر فى خطاها لتخبره بالقادمين بالخارج.

وأخبرته بنيّتهم اصطحابه فى رحلة طويلة ورجته متوسلة أن يرفض، وأخبرته دامعة بقلق يساورها وخوف يتعاظم بداخلها من هذه الرحلة الشاقة .

سعل بشدة ثم ضحك قليلا، مهدئا من روعها وقال: ربما لا يزال فى العمر بقية ولا ضير من زيارة للأهل فى البلاد البعيدة .

-لكننا نحتاج إليك ونخشى فراقك، وبنيك ماذا أقول لهم فى الصباح أن لم يجدوك فى فراشك؟

سوف أقبّلهم قبل ذهابى ورجاء لا تٌثقلى على .

فّرت دمعة ساخنة من عينها فأخذها فى حضنه وقبّل رأسها وقال " لنا موعد لن نُخلفه .

وأسرع لأخوته والعربة فى انتظارهم، ركب معهم يصحبه سعاله الشديد ودموع زوجه تنحدر على خدّيها فتحيل برودة ليل يناير إلى لهيب لافح للوجوه .

ولا زالت الزوجة، كلمّا هلّ يناير من كل عام تقف على ناصية الشارع تنتظر قادم لن يأتى أبدا وتعى أن من ذهب لن يعود ولا يزال قلبها ينقبض بشدة كلما تناهى إلى سمعها إيقاعات عربات الحنطور.










مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة