حالة من الانقسام شهدتها حركة النهضة الإسلامية فى تونس ـ الذراع السياسية لتنظيم الإخوان الإرهابى ـ بعد تباين آراء أعضائها بين مؤيد ومعارض لقانون المصالحة مع رموز النظام الأسبق زين العابدين بن على، والذى أطاحت به ثورة الياسمين فى يناير 2011، حتى أن المعارضين وقفوا فى وجه رئيس الحركة راشد الغنوشى الذى أعلن تأييده للمشروع، مما اعتبره البعض انقلاب داخلى على الزعيم الإخوانى.
الخلاف الذى كان متداولا بين أعضاء الحركة وخاصة الكتلة البرلمانية على مدار الأسبوع الماضى ظهر مؤخرا إلى العلن فى اجتماع مجلس شورى الحركة، الذى أكد على وجود أزمة داخلية بعد رفض عدد من الأعضاء للتصويت على القانون فى البرلمان، وبعد أن فشل الغنوشى فى إقناع الرافضين.
وكشف موقع "الإخبارية" التونسى كواليس الخلاف، حيث قال إن اجتماع مجلس شورى حركة "النهضة" الذى امتد حتى ساعة متأخرة من مساء أمس الأول انفض بعد أن قرر عدم الموافقة على مساندة مشروع المصالحة الاقتصادية الذى تقدمت به رئاسة الجمهورية إلى مجلس نواب الشعب كمبادرة تشريعية، وأوضح المصدر الذى حضر الاجتماع أن مساعى رئيس الحركة راشد الغنوشى فى إقناع الحاضرين بالموافقة على القانون قد باءت بالفشل.
وبحسب مراقبين، فإن رفض مجلس شورى الحركة يقلب الطاولة على الغنوشى الذى وعد علنا بدعم كتلة النهضة البرلمانية للقانون الذى يقف خلفه الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى، مما سيضعه فى حرج مع حزب الرئيس "نداء تونس" فى مجلس النواب خاصة أنه لا يمكن تمرير مشروع أى قانون داخل البرلمان دون اصطفاف نواب "النهضة" معها.
وتردد عقب لقاء جمع السبسى والغنوشى الأسبوع الماضى بقصر قرطاج أن أحد المحاور الأساسية التى كانت فى الاجتماع هى قانون المصالحة والمطروح أمام البرلمان حاليا لمناقشته وإقراره، حيث أن راشد الغنوشى تعهد لرئيس الجمهورية بمصادقة نواب حركة النهضة على هذا القانون بعد التعديلات، والذى سيعفو ـ حال إقراره ـ عن قرابة 400 رجل أعمال محسوبين على نظام "بن على" ومتورطين فى قضايا فساد، كما ينص على العفو عن الموظفين العموميين، بخصوص الأمور المتعلقة بالفساد المالى، والاعتداء على المال العام.
ويأتى موقف الغنوشى الداعم لقصر قرطاج فى وقت تصاعدت فيه تصريحات النواب عن الحركة برفض المشروع مما كشف عن وجود تضاربات واضحة بين قيادات النهضة (الصف الأول) بهذا الخصوص كما يقول موقع "لو سيومير" التونسى، بل أن هناك حالات غضب واضحة فى صفوف الإسلاميين (فى الصف الثانى والثالث) بسبب عدم اصطفاف النهضة بشكل واضح ضد هذا القانون وما يحتويه من خروقات واضحة للدستور.
وقال رئيس كتلة النهضة بالبرلمان، نور الدين البحيرى، خلال جلسة مناقشة مشروع قانون المصالحة، الأربعاء الماضى، إن حزبه يدعم مبدأ المصالحة لكنه ينتظر تطمينات من رئاسة الجمهورية (صاحبة المشروع) على مواضيع أساسية مرتبطة به، وهى العدالة الانتقالية وعدم الإفلات من العقاب ومكافحة الفساد، حتى يخرج القانون ملائما للدستور ومسار العدالة الانتقالية، فى حين شددت النائبة يمينة الزغلامى على أن النهضة لن تصوت للقانون لأنه غير دستورى ويمس بمسار العدالة الانتقالية، وأكدت أن "نواب حركة النهضة بالبرلمان لن يمرروا قانونا مخالفا للدستور".
وبعد هذا الجدل جاء موقف شورى الحركة لينسف الاجتهاد فى الآراء وليعلن موقف موحد لكتلة النهضة فى البرلمان ضد قانون السبسى للمصالحة، ولكن قرار مجلس الشورى نسف أيضا ما كان يخطط له رئيس الحركة من تقارب وشيك مع فلول نظام "بن على" - المصطلح عليهم سياسيا فى تونس بالدساترة نسبة الى اسم الحزب الحاكم فى عهده الحزب الاشتراكى الدستورى – خاصة فى أعقاب اجتماع منذ أيام ضم ممثلين عن العائلة الدستورية وعن العائلة الإسلامية مؤخرا للتباحث حول ملف المصالحة الشاملة.
هذا الاجتماع الذى وصفته صحيفة "الشروق التونسية" بـ"التاريخى" بين العائليتين الدستورية والإسلامية طغت عليه التكتيكات والحسابات السياسية وغير السياسية لكل منهما، لافته إلى أن الإسلاميون (النهضة) أصبحوا يتجهون منذ مؤتمرهم الآخير نحو إثبات الفصل بين الدعوى والسياسى ونحو التحول من حركة دينية إلى حزب سياسى مدنى.
وبالتالى فأن هذا التقارب مع العائلة الدستورية من شأنه أن يساعدهم على تحقيق هذه التماشى، وجزب أرضية أكبر فى تونس وتدعيم وضعيتها الحالية على مستوى السلطة من خلال التخلى عن الإقصاء السياسى، وهذا كله بهدف الاستعداد مبكرا للانتخابات البلدية المقبلة فى تونس والتى تكتسب أهمية من كونها الأولى منذ الثورة وستكون حاسمة فى مكانة الحركة السياسية خلال الأعوام المقبلة.
ولكن يبدو أن تخطيط رئيس الحركة راشد الغنوشى قد ضاع هباءا بعد أن انقلب عليه مجلس الشورى فى اجتماع الأمس برفض مشروع المصالحة المدعوم من قصر قرطاج، وهذا سيضع الشيخ الإخوانى فى المواجهة مع شريك السلطة حزب نداء تونس ما لم يتم تسوية الملف بإدخال تعديلات على المشروع خاصة أن هناك حراك شعبى لرفض تمرير القانون على صورته الحالية.