تسبب قرار البنك المركزى أمس برفع أسعار الفائدة، فى زيادة حجم المخاطر المحيطة بموازنة السنة المالية المقبلة 2017/2018، والتى قد تجد صعوبات بالغة فى تحقيق العجز المستهدف بواقع 9% من الناتج المحلى الإجمالى.
وقرر البنك المركزى أمس الأحد، بعد اجتماع دام لأكثر من 5 ساعات، زيادة أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض بنسبة 2%، وهى الزيادة الثانية منذ نوفمبر الماضى فى أعقاب تحرير سعر الصرف عندما رفع البنك المركزى أسعار الفائدة بواقع 3% مرة وحدة.
لهذا القرار العديد من التأثيرات، ولكن أكثر المتأثرين سلبا منه هو الموازنة العامة للدولة، والتى تعد أكبر مقترض من البنوك المحلية، حيث تعتمد وزارة المالية فى تمويل الجانب الأكبر من عجز الموازنة على الاقتراض المحلى من خلال الأوراق المالية الحكومية التقليدية متمثلة فى أذون وسندات الخزانة بالجنيه المصرى.
وتمثل مدفوعات خدمة الدين حوالى ثلث مصروفات الموازنة العامة منذ العام المالى 2015/2016، كنتيجة أساسية لزيادة معدلات الاقتراض الحكومى، وبأسعار فائدة مرتفعة.
وتسبب قرار البنك المركزى فى زيادة أسعار الفائدة فى نوفمبر الماضى، وتحرير سعر صرف الجنيه فى زيادة أعباء فوائد الدين التى تتحملها وزارة المالية لتقفز من 292.5 مليار جنيها كانت متوقعة خلال السنة المالية الحالية 2016/2017، إلى حوالى 304 مليارات جنيه تقريبا، بعد زيادة الفائدة وتحرير العملة، ومع استمرار الضغوط المالية وارتفاع حجم الاقتراض بلغت قيمة الفوائد المتوقع إنفاقها بموازنة السنة الجديدة 2017/2018 حوالى 381 مليار جنيه، باعتبار متوسط سعر الفائدة المتوقع 18%، وقبل صدور قرار البنك المركزى الأخير.
ويلقى قرار زيادة الفائدة بالمزيد من الأعباء والضغوط على كاهل الموازنة العامة للدولة، فى ظل المخاوف من تفاقم حجم مصروفات الفوائد، والتى يتوقع برلمانيون بلجنة الخطة والموازنة أن تصل الزيادة بها إلى حوالى 40 مليار جنيه، وهو ما يحتاج دراسة متأنية وتوضيحا من وزارة المالية بهذا الشأن، خاصة وان هذه الزيادة ستؤثر بصورة سلبية على المبالغ المالية المتاحة للإنفاق الاجتماعى والخدمات، فى ظل الحاجة إلى الحفاظ على عجز الموازنة عند مستويات مقبولة.
التحديات أمام الموازنة الجديدة لن تقف عند هذا الحد، وهو أمر تعيه وزارة المالية جيدا واعترفت به فى البيان المالى للسنة المالية الجديدة 2017/2018، عندما أكدت على وجود مخاطر مالية تتعلق بارتفاع حجم المديونية الناتجة عن الاقتراض المحلى قصير الأجل، وقال البيان: "أدى زيادة أعباء الدين العام فى الفترة الأخيرة من أدوات التمويل قصيرة الأجل إلى خفض متوسط عمر الدين القابل للتداول المقدر بنحو 1.8 سنة فى مارس 2017، مقارنة بنحو 2.1 سنة فى يونيو 2016، مما يعد من المخاطر المالية وذلك لحتمية إعادة التمويل فى المدى المتوسط فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة مما سيكون له أثر على مدفوعات الفوائد واستدامة الدين".
وأضاف البيان: "تعمل الحكومة على تنويع مصادر التمويل ومكونات محفظة الدين العام ما بين المحلى والخارجى، وإطالة عمر الدين المحلى القابل للتداول وتطوير منحنى العائد على الأوراق المالية المحلية".
بصورة أكثر سلاسة فإن وزارة المالية تعنى مخاطر استمرار أسعار الفائدة المرتفعة محليا على الموازنة، وتسعى لتنويع مصادر اقتراضها ومنها طرح السندات الدولية التى من المرتقب إصدار شريحة جديدة منها خلال أيام بقيمة 1.5 – 2 مليار دولار، ورغم أهمية هذا الاتجاه فى تخفيف الضغط على الموازنة العام من ناحية تقليل الاقتراض المحلى، إلا أن هناك مخاطر أيضا تحيط بعميلة التوسع فى الاقتراض الخارجى تتمثل فى سعر الصرف حيث مازالت قيمة الدولار أمام الجنيه عند مستوى مرتفع عند 18 جنيها حاليا، ووجود مخاوف من زيادة سعر الفائدة على الدولار الأمريكى فى ظل الإجراءات التى يقوم بها الرئيس الأمريكى ترامب والمتوقع معها قيام الفيدرالى الأمريكى بتحريك جديد لسعر الفائدة على الدولار بواقع 0.50 – 0.75 نقطة مئوية لتصل إلى 1.50% طبقا لتوقعات البيان المالى، وهو ما يتوقع معه ارتفاع تكلفة الاقتراض الخارجى أيضا.
فإذا كان الوضع بهذه الصورة القاتمة. فكيف يمكن الخروج من هذا المأزق؟
أشرف العربى عضو لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، يرى أن خطوة البنك المركزى بزيادة أسعار الفائدة كانت متوقعة فى ظل ارتفاع مستوى التضخم الذى وصل إلى 32.9% فى أبريل الماضى طبقا لبيانات جهاز الإحصاء.
ورغم أهمية الخطوة فإن لها بعض الآثار السلبية التى تتمثل فى زيادة مدفوعات خدمة الدين بالموازنة، وهو ما يحتاج لدراسته جيدا بحسب العربى، مشيرًا إلى أن الحكومة تركز على الحلول الصعبة وتترك الأهم، لافتًا إلى أهمية التعامل بصورة جادة مع ضم الاقتصاد غير الرسمى فى المنظومة الرسمية حتى لا يكون الحديث عن زيادة معدلات النمو والناتج المحلى مجرد أرقام دون إنتاج حقيقى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة