أكثر شىء ملفت فى تصريحات أمير قطر، تميم بن حمد، أنه لأول مرة يتحدث بصراحة شديدة، وبشكل يتطابق مع الواقع الذى تعيشه دولة قطر حالياً، فتميم فى الماضى كان يكذب فى كل تصريحاته، هو وكل أعوان نظامه، كانوا يمولون الإرهاب فى الخفاء، ثم يظهرون فى الإعلام ليقولوا إنهم دعاة اعتدال، بل ويشاركون فى اجتماعات ومؤتمرات دولية هدفها مكافحة الإرهاب، كانوا يقولون إنهم مع وحدة الصف الخليجى، وفى الخفاء تورطوا فى خلق الفتن بدول الخليج.
للمرة الأولى يكشف أمير قطر صراحة عن وجهه القبيح، هو من يعاونونه فى حكم الإمارة المارقة، التى لا تسعى إلا لهدم البنيان العربى، وتحقيق مصالح حلفائها، سواء كانت إسرائيل أو إيران، فدولة قطر منذ سنوات تدمن اللعب بالنار، والجمع بين المتناقضات، علاقات قوية مع إسرائيل وإيران فى نفس الوقت، تحتضن أكبر قاعدة أمريكية فى المنطقة، وفى نفس الوقت تستضيف قادة حماس وطالبان، وتدفع وتمول التنظيمات الإرهابية فى المنطقة.
للمرة الأولى يقول تميم الحقيقة علناً، الحقيقة المعروفة لنا جميعاً، لكن القطريين لم يجرءوا على قولها بشكل علنى.
أمير قطر قال فى تصريحاته، إن هناك توتراً يشوب العلاقات القطرية الأمريكية، وإنه يثق أن التحقيقات التى تجرى حالياً فى واشنطن عن العلاقة بين إدارة دونالد ترامب وروسيا ستصل إلى الإطاحة بترامب، وما قاله تميم توصيف صحيح للمنطق الذى يحكم العقلية القطرية، فالخلاف بين الدوحة وترامب واضح من البداية، لأن الإدارة الأمريكية الجديدة مدركة تماماً لحجم العلاقات القطرية مع التنظيمات الإرهابية فى المنطقة، وعلى رأسها داعش وجبهة النصرة وجماعة الإخوان، وكان واضحاً أن ترامب وضع القطريين أمام هذه الحقيقة، وأن تميم وشركاءه يتحسبون للحظة المواجهة والحسم، ومن شاهد مشاركة تميم فى القمة العربية الإسلامية الأمريكية بالرياض مؤخراً سيجد أنه كان تائهاً، يبحث عن ملاذ آمن له من ترامب، لكنه فشل لأن ملاذه الآمن المتمثل فى الغطاء العربى والخليجى انفض عن قطر المتمردة.
تميم قال أيضاً فى تصريحاته، إن حركة حماس هى الممثل الشرعى للفلسطينيين، وإنه يسعى للمساهمة فى تحقيق السلام العادل بين حماس، التى وصفها بـ"الممثل الشرعى للشعب الفلسطينى" وإسرائيل، وهذا هو الواقع الذى تعيشه قطر حالياً، ففضلاً عن استضافتها الحالية لقادة حماس، وإجراء انتخابات الحركة، وإعلانها عن وثيقة المبادئ والسياسات العامة للحركة بالدوحة، تحاول قطر استمالة أبو مازن ناحيتها، لتفسح الطريق أمام حماس لتكون هى المحرك الرئيسى فى القضية الفلسطينية، وهو أمر ليس بجديد، فتميم ينفذ خطة قديمة عمرها أكثر من عشر سنوات لتمكين حماس فى فلسطين.
أمير قطر قال أيضاً إن علاقتهم قوية بإسرائيل، وهذا الأمر ليس فيه جديد، فالدوحة رغم عدم وجود تبادل للتمثيل الدبلوماسى بينها وبين تل أبيب، إلا أن التنسيق السياسى بين البلدين على أعلى مستوى، وهناك زيارات متبادلة بين مسئولى قطر وإسرائيل، ولا ننسى أن قناة الجزيرة القطرية كانت فى البداية فكرة إسرائيلية، استطاعت تل أبيب من خلالها أن تدخل بيوت العرب.
هو قال أيضاً إن علاقة بلاده بإيران قوية، كما امتدح إيران واصفاً إياها بـ"الثقل الإقليمى الإسلامى الذى لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، خاصة أنها قوة كبيرة تضمن الاستقرار فى المنطقة من منطلق التعاون معها، وهو الأمر الذى تحرص عليه قطر من أجر استقرار الدول المجاورة"، وهو موقف قديم من قطر التى كانت تراهن دوماً على إيران، حتى عندما نشب خلاف فى الرؤى الأعوام الماضية بشان الوضع فى سوريا كانت قنوات الحوار والتواصل السرية مستمرة وقائمة، وأقرب مثال على ذلك أن طهران وافقت على الطلب القطرى بالتوسط لدى خاطفى القطريين الـ26 فى العراق للإفراج عنهم، فى الصفقة التى أظهرت التلاعب القطرى بالميليشيات الإرهابية والمسلحة فى سوريا.
تميم قال أيضاً، "إن الخطر الحقيقى هو سلوك بعض الحكومات التى سببت الإرهاب بتبنيها نسخة متطرفة من الإسلام لا تمثل حقيقته السمحة، ولم تستطع مواجهته سوى بإصدار تصنيفات تجرم كل نشاط عادل، لا يحق لأحد أن يتهمنا بالإرهاب لأنه صنف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، أو رفض دور المقاومة عند حماس وحزب الله"، فهو يؤكد الواقع الذى تتبناه الدوحة ليس فقط بعد أحداث الربيع العربى، وإنما قبلها بسنوات، فالدوحة مثلت المأوى والملاذ الآمن لجماعة الإخوان، وفتحت لهم أبواب قناة الجزيرة، لتكون منبراً إعلامياً لهم، ولا يريد لأحد أن يرفض هذا الاحتضان، حتى الخليجين أنفسهم، لا يحق لهم الاعتراض، حتى وأن تدخلت قطر فى شئونهم الداخلية عبر أذرعها الإخوانية.