دعا الإمام اإلأكبرالدكتورأحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رجال الدين فى الغرب أن يسهموا فى تصحيح الصورة المغلوطة فى أذهان الغربيين عن الإسلام والمسلمين، مؤكدا أنه آن الأوان لأن تتجاوب أجراس الكنائس فى الغرب ونداء المآذن فى الشرق لتقول لا لهذا العبث باسم الأديان.
وقال شيخ الأزهر، فى كلمته باحتفالية الحركة الإصلاحية فى أوروبا، إنه لا حل لأزمة العالم المعاصر وانتشاله من مآسيه التى تكاد تعود به إلى فوضى القرون الوسطى إلا التعاليم الآلهية، موضحا أن للدين أهمية قصوى فى حياة الناس، فما أحوج الإنسانية اليوم إلى الدين وتعاليمه وأخلاقه من أى وقت مضى.
وأكد شيخ الأزهر أن ديننا ينص على أن علاقة المسلمين بغيرهم من المسالمين هى علاقة البر والإنصاف، وأن شريعة الإسلام تفرض على ولاة أمور المسلمين حماية غير المسلمين وضمان أمنهم وسلامتهم، متسائلا كيف يصدِّق الناس أن الإسلام هو دين الإرهاب مع أن الغالبية العظمى من ضحاياه هم المسلمون.
وذكر الإمام الأكبر أن الإسلام منفتح على الأديان الإلهية، مشيرا إلى أن الأديان السماوية هى رسالة سلام إلى البشر و الحيوان والنبات والطبيعة بأسرها، وأن حضارة المسلمين لم تخرج عن إطار المؤاخاة مع أبناء الأديان الأخرى.
ودعا شيخ الأزهر الشباب إلى أن يأخذوا دورهم فى نشر ثقافة السلام والإخاء وإقامة جسور التفاهم والحوار، موضحا أن مشاركة الأزهر فى هذه الاحتفالية تأتى فى إطار جهوده من أجل نشر السلام وثقافة الحوار بين الأديان.
وفيما يلى نص كلمة فضيلة الإمام الأكبر:
بسم الله الرحمن الرحيم
التسامح والتعايش السلمي
السيدة البروفيسور كريستينا أَوْسْ دير آوْ Christina Aus der Au - رئيس يوم الكنيسة الألمانى البروتستانتيه
معالى توماس دى ميزيير Thomas de Maizière - وزير الداخلية
السَّـــادة الحضور!
السَّلامُ عليكُم جميعًا ورحمة الله وبركاته،
يسرنى فى بداية كلمتى أن أتقدم بخالص الشكر والتقدير للدكتوره "أَوْسْ دير أَوْ" والسيد دى ميزيير على دعوتى للمشاركة فى هذا الاحتفال الكبير، وأخص بالشكر هذا الجمهورِ الكريم لتفضله بالحضور لاستماع هذه المحاضرة، ولمناقشتى فيما عساه أن تثيره من أسئلة أو استفسارات، فتحية لكل من شارك وأسهم فى تنظيم يوم الكنيسة الألمانى هذا العام، وتحية لمن أسسوه وساهموا فيه على مدى السنوات الماضية.
وتأتى مشاركة الأزهر اليوم فى احتفال يوم الكنيسة الألمانى كخطوة مشجعة على طريق الحوار بين الأديان من أجل السلام والتعارف وثقافة التسامح، بعد أن أتم الأزهر الشريف جولاتٍ حواريةً مكثفةً مع المؤسسات الدينية الكبرى فى الغرب، وبعد أن استقبل شخصيات دولية بارزة فى مقدمتها بابا الفاتيكان والمستشاره الألمانية السيدة ميركل والسيدُ وزيرُ الداخلية دى ميزيير الذى ألقى محاضرة عن التسامح بين الأديان فى جامعة الأزهر، وقد لمسنا أثرًا طيبًا يشجع على هذا الحراك الفكرى بين الشرق والغرب.
وأما كلمتى اليوم فإنى أعترف بديَّا أنها ربما قد تقع فى عيب الاختصار المخل، لأنها لا تدور على موضوع واحد، بل على موضوعات شتى، كل منها يستحق أن تُـفرد له محاضرة مستقلة.
هذا وإن احتفال اليوم هو فى الوقت نفسه احتفالٌ يُذكِّر بالدين وبضرورته وأهميته القصوى فى حياة الناس، وتصحيح مسيرتهم، وإنقاذهم من غواية الشيطان، وفلسفات الالتصاق بالأرض وظلمتها، وطغيان المادة وثوران الأنانية، وأن الدين ليس كما يقال شأنًا من الشؤون تخطاه الناس وخلّفته الحضارة العلمية، والحداثة اللادينية وراء ظهرها، وأنه أصبح فى ذمة التاريخ ومتاحف الآثار، كما بشّرنا بذلك طائفة من الفلاسفة المعاصرين.. واليوم يأتى هذا الاحتفالُ ليقدم الدليل المتجدد على بطلان هذه المزاعم، وليثبت – من جديد – أن الدين فطرة فطر الله الناس عليها، وليس ظاهرة مرتبطة بأسباب طبيعية أو نفسية أو اجتماعية، أو غير ذلك من النظريات التى قيلت فى تحليل الدين ونشأته، واستبعدتْ أن يكون الله هو مصدرَهُ الذى لا مصدر له سواه.
وقد عادت بى الذاكرة - وأنا أُعِدُّ هذه الكلمة – إلى زمن مضى كنت فيه طالبًا بقسم الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر فى ستينات القرن الماضى، ودرست نظرية الأدوار الثلاثة المعروفة فى فلسفة العالم الاجتماعى الكبير "أوجيست كومت" فى القرن التاسع عشرالذى يؤكد فيه هذا الفيلسوف على أن الحياة العقلية الإنسانية مرت بأدوار ثلاثة: دور الفلسفة الدينية، ثم دور الفلسفة التجريبية، ثم دور الفلسفة الواقعية، وهو الدور الأخير الذى اكتمل به رشد العقل الإنسانى، فخلع ثوب اللاهوت والميتافيزيقا ولبس حلته الجديدة والأخيرة من العلوم الوضعية والمنهج الحسى التجيربى، وقد درسنا فى نقد هذه النظرية أنها تحريف لواقعِ والتاريخ، لأننا ما زلنا نرى المؤمنين بالدين فى القرن العشرين، وفى قلب الحضارة الأوروبية، وبين علماء الطبيعة والطب وكبار الفلاسفة والأدباء.. واليوم يزدادَ الناس يقينًا بأن التدينَ نزعةٌ خالدة متأصلة فى طبيعية الإنسان، وشعور متجذر فى أعماق النفس البشرية، وأن هذه النزعة لن تزول عن الأرض قبل أن يزول الإنسان"[1]
ودرس آخر نستخلصهُ من وحى الذكرى السادسة والثلاثين، وبمناسبة مرور خمسة قرون على حركة الإصلاح الدينى، هو أن إحياء الشعور الدينى يأتى اليوم من عاصمة الدولة الألمانية أنموذج الدول الرائدة فى النهضة العلمية والعلوم التجريبية، ليس فى أوروبا فقط، بل فى العالم كله، لأنك حيثما وجدت صناعة دقيقة، أو تقدما تقنيًا مدهشًا، وجدت وراءه - فى الغالب - عقلا ألمانيا مبدعا، ولعلى لا أبالغ لو قلت ان الدرس الأهم الذى قد لا ينتبه له كثيرون من المعنيين بالبحث فى صراع العصر الحديث بين الدين والعلم، أن هذا الاحتفال ليس دلالة على المصالحة بين الدين والعلم فحسب، بل هو اعتراف صريح من العلم بالدين وأهميته فى حياة الإنسان.
وما أظن أن الإنسانية كانت بأحوج إلى الدين وتعاليمه وأخلاقه من حاجتها إليه اليوم، فى ظل حضارةٍ سخًّرت كل إمكاناتها الذهنية ونشاطاتها العقلية من أجل الخبز وحده، والذى حذرنا المسيح عليه السلام من اتخاذه "محورًا" تدور عليه فلسفة الحضارات، وحاكمًا مطاعًا فى علاقات الناس والتعاون بين الأمم والشعوب، فقد قال المسيح: " مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان"(إنجيل متى: 4:4) فى إشارةٍ قويةٍ إلى أن سياسة الإنتاج والاستهلاك والتسلط على الضعفاء لا تستحق أن يحيا الإنسان فى هجيرها يومًا واحدًا، وأن مثل هذه الحياة ليست فى حقيقتها إلا صورةً من أقبح صور الموت وأشدها بؤسًا.
ونحن المؤمنين بالله الخالق وبحكمته وبرحمته التى وسعت كل شيء، متيقنون من أن الأديان ما نزلت إلا لتهدى الإنسان إلى الخير، وتعرِّفَه به وتحثَّه على فعله، وتعرِّفَه بالشر وقواه الظاهرة والخفية، وتحُّذِّرَه من عواقبه، كما نتيقن بأن هناك خطابًا إلهيًا للإنسان حافلًا بنداءات السلام والأخوة والتعاون على الخير لعمارةِ هذا الكون واكتشاف أسرارِهِ وتبادل منافعه بين الناس، وأن هذا الخطاب حمله الرسل والأنبياء وبلغوه للناس بدءًا بآدم ومرورًا بنوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وانتهاءً بخاتَمِهم محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كلهم غرَّدوا فى سربٍ واحد وصدَّق اللاحق منهم السابق، وبنى على دعوته وتعاليمه، وهذا ما يفسر لنا أوجه الشبه القوية التى تبلغ درجة التطابق فى كثيرٍ من تعاليمها ولا غرابة فى ذلك، فما دام المصدر الذى نبعت منه هذه الأديان واحدًا، فمن المحتم أن تتحد هذه الرسالات فى الغاية والمقصد والتوجه.
"إن الأديان السماوية – أيها السادة – هى أولًا وأخيرًا ليست إلا رسالة سلام إلى البشر، بل أزعم أنها رسالة سلام إلى الحيوان والنبات والطبيعة بأسرها، وعلينا أن نعلم أن الإسلام لا يبيحُ للمسلمين أن يشهروا السلاح، إلا فى حالة واحدة هى دفع العدوان عن النفسِ والأرضِ والوطنِ، ولم يحدث قط أن قاتل المسلمون غيرهم لإجبارهم على الدخول فى دين الإسلام، بل إن الإسلام لا ينظر لغير المسلمين من المسيحيين واليهود إلا من منظور المودة والأخوة الإنسانية، وهناك آيات صريحة فى القرآن – لا يتسع لذكرها المقام – تنص على أن علاقة المسلمين بغيرهم من المسالمين لهم أيًّا كانت أديانهم أو مذاهبهم هى علاقة البر والإنصاف، ويكفى أن نذكِّر هنا بأن الإسلام الذى نزل على محمد صلى الله عليه وسلم يقدم نفسه بحسبانه الحلقة الأخيرة فى سلسلة الدين الإلهى، كما يقرر أن أصل الدين واحدٌ فى جميع هذه الرسالات، ومن هنا يذكر القرآن التوراة والإنجيل بعبارات غاية فى الاحترام ويعترف بأثرهما القوى فى هداية البشرية من التيه والضلال، ولذلك يصف الله تعالى – فى القرآن الكريم – كلًا من التوراة والإنجيل بأنهما "هدى ونور"، كما يصف القرآن نفسَهُ بأنَّه الكتاب المصدق لما سبقه من الكتابين المقدسين: التوراة والإنجيل.
والإسلام تربطه بالأديان السماوية كلَّها علاقةٌ عضوية يتضح ذلك مثلًا فى علاقة المسلمين بالمسيحيين، فهم – فيما يقرر القرآن –أقرب الناس قاطبة للمسلمين، والعلاقة بين أهل الدينين علاقة مودة وإخاء وتراحم."[2]
ومن دواعى سرورى أن أقول لكم إن أصول مصادرنا الدينية التى نعتمد عليها فى الفتوى والتشريع قديمًا وحديثًا تصف المسيحيين بخصال أربع، وخصلة خامسة جميلة، هذه الخصال هى أنكم أكثر الناس حلمًا حين تسود الفتن، وأسرع الناس عافية مما تصابون به من نوازل وأزمات، وأنكم أكثر الناس استعادة للعزم والحزم، وأنكم خير الناس لليتامى والمساكينِ والضعفاء.. والخامسة الحسنة الجميلة هى أنكم تنصفون المظلوم وتحولون بين المستضعفين وبين المتسلطين عليهم ظلمًا وعدوانًا.
هذه الشهادة المنصفة لكم درسناها وندرسها لطلابنا فى أصح الكتب بعد كتاب الله عندنا وهو صحيح الإمام مسلم.. بل هذا ما يدرسه المسلمون من مراكش فى المغرب إلى جاكرتا فى أندونيسيا.
هذا وعلماء المسلمين لا ينسون ما قدمته المسيحية للمسلمين من حماية وإنقاذٍ من تربصات الوثنية بهم، ومحاولات القضاء عليهم وعلى دينهم، وكانت المسيحية هى الحاضنة الأولى للإسلام.. حدث هذا عندما اشتد الأذى على المسلمين الضعفاء من أصحاب النبى محمد صلى الله عليه وسلم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، فقال لهم: "إذهبوا إلى الحبشة فإن بها ملكًا لا يظلم أحد فى جواره"، وهكذا لجأ المسلمون الأولون إلى هذا البلد المسيحى وملكها المسيحى فى هجرتين متتاليتين: رجالًا ونساءً وأطفالًا، ووجدوا عند ملكها النجاشى الحماية والحرية والأمن والسلام، وما كان للنبى أن يأتمن الحبشة المسيحية على أتباعه الذين هم رأس مال رسالته فى ذَلك الوقت لولا يقينه أن الدينيين شقيقان يتلاقيان ويقفان صفًا واحدًا ضد عدو مشترك هو الوثنية التى كانت تتعقب هذا الدين وتحاول القضاء عليه فى مهده.
السيدات والسادة!
هذه هى صورة الإسلام فى انفتاحه على الأديان الإلهية، وتاريخُ المسلمين يشهد بأن حضارتهم لم تخرج عن إطار المؤاخاة مع أبناء الأديان الأخرى، وكانت تتعامل معهم من منطلق القاعدة الشرعية "لهم ما لنا وعليهم ما علينا"، والتى تقر بقاء غير المسلمين على أديانهم وعقائدهم، وتضمن حرية إقامةِ شعائِرهِم، وحماية كنائسهم وأماكن عبادتهم، وكل عاداتهم الدينية والاجتماعية.
ولا يعنى ذلك أن صورة المجتمع الإسلامى مع غير المسلمين كانت صورة ملائكية ومنزهة عن الأخطاء والعيوب، وأنه لم يحدث من التوترات وبعض الانحرافات، سواء من الحكام أو المحكومين ما يزرى بهذه الصورة، فقد كان يحدث من ذلك شيء قليل أو كثير، لكنه يبقى دائمًا من باب الاستثناءات التى لا يخلو منها مجتمع تتعدد فيه الأديان أو الأعراق أو المذاهب.
وقد سجل كثير من المؤرخين الغربيين هذه الروح السمحة فى معاملة غير المسلمين فى المجتمعات الإسلامية، وأذكر على سبيل المثال البروفيسور السويسرى الألمانى "آدم ميتز" الذى كتب دراسته المعمقة عن الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى وقد درسنا هذا الكتاب فى ترجمته العربية ونحن طلاب فى الدراسات العليا، وترك فى نفوسنا انطباعًا عميقًا عن إنصاف المؤرخين الألمان للإسلام وموضوعيتهم فى عرض تاريخ الإسلام، وقد قرر هذا الأستاذ أن المسيحيين فى المجتمعات الإسلامية كانوا مواطنين لهم كل حقوق المواطن المسلم، فيما عدا الوظائف الدينية التى تتصل بالدينِ، ويشترط فيها العلم بالشريعة، وأظنكم تتفقون معى فى أن التاريخ لم يسجل اندلاع حرب فى الشرق بين المسلمين والمسيحيين، وسبب ذلك سبب شرعى خالص، هو أن شريعة الإسلام تفرض على ولاة أمور المسلمين حماية غير المسلمين وضمان أمنهم وسلامتهم، فلا يعقل أن يُكلف جيش المسلمين بحماية المواطنين المسيحيين ثم يسمح له بأن يعلن الحرب عليهم أو يشارك فى حرب تُـعلَنُ عليهم.
السيدات والسادة:
لست فى حاجة إلى التذكير ببراءة الإسلام والمسلمين من تلكم الأعمال الإرهابية التى ارتكبت باسمه، وأساءت إليه شرقًا وغربًا، ونجحت فى تصويره هنا فى الغرب فى صورة الدين الهمجى المتعطش لسفك الدماء، وصورت أتباعه فى صورة الهمج المتوحشين، واستنفرت بعض أجهزة البث والإعلام المشاهد والمقروء لتسجيل هذه الفظائع بكل ما فيها من عب وبشاعة، ثم بثها فى الفضاء لترسيخ الصورة المطلوب ترسيخُها فى أذهان الناس وبخاصة الشباب منهم.. وإنى لأنتهز فرصة مشاركتى فى هذا الاحتفال الدينى العالمى ليعلمَ الناس فى العالم كله أنَّ هذه الجرائم المنكرة لا تعرف الإسلامَ ولا يعرفها المسلمون، وأنتهز الفرصة أيضًا لأدعوَ رجال الدين، ورجال الفكر والثقافة فى العالم للوقوف صفًا واحدًا ضد الإرهاب وأن نعتبره جميعًا عدوًا مشتركًا، ومسؤوليتنا تجاهه مسؤولية مشتركة، كما أدعو رجال الدين فى الغرب أن يسهموا فى تصحيح الصورة المغلوطة فى أذهان الغربيين عن الإسلام والمسلمين.. وها هو الأزهرُ الشريفُ أكبرُ مرجعيةٍ دينية فى العالم للمسلمين يسعى بنفسه إلى كبريات المؤسسات الدينية فى الغرب، لا أقول لإقامة جسور المؤاخاة والتعارف، بل لاستعادة هذه الجسور، وترسيخها من أجل وقوف الأديان صفًا واحدًا فى مواجهة هذا الخطر، وتذكير الناس بأن الإهاب عمل من أعمال الشيطان وليس عملًا من أعمال المؤمنين بالله تعالى وعدلِه وحسابِه وعقابِه.
وأنا لست أدرى كيف يصدِّق الناس أن الإسلام هو دين الإرهاب، مع أن الغالبية العظمى من ضحاياه هم المسلمون أنفسهم.. رجالاً ونساءً وأطفالًا وجنودًا وآمنين فى المنازل والطرقات ووسائل المواصلات وغيرها.. وفى اعتقادى أنه آن الأوان لأن تتجاوب أجراس الكنائس فى الغرب ونداء المآذن فى الشرق لتقول: لا لهذا العبث باسم الأديان ولا للعبث بالفقراء والمساكين والبؤساء والنساء والأطفال، هؤلاء الذين يدفعون من دمائهم وأجسامهم وأشلائهم فاتورة حرب ليس لهم فيها ناقة ولا جمل، بعد أن تراخى القادرون على وقف هذه الحروب، التى أكلت الأخضر واليابس فى عالمنا العربي.
وعلى الشباب الذى هو عدة المستقبل وقوةُ الحاضر أن يأخذ دوره فى نشر ثقافة السلام والإخاء والتعارف بين الناس وتفكيك ثقافة الكراهية، وإسقاط الحوائط العازلة المصنوعة بين الحضارات لأغراض تسلطية ومصالح ضيقة وإقامة جسور التفاهم والحوار المشترك من أجل حياة إنسانية تليق بالقرن الواحد والعشرين.
وأنا شخصيًا أعوّل عليكم أيها الشباب فى صنع مستقبلٍ خال من الحروب التى شقى بها جيلى فى القرن الماضى والقرن الحاضر أيضًا، فأنا – مثلًا – ولدت فى أعقاب انتهاء الحرب العالمية الثانية بعامٍ واحد ولم تمض عشرة سنوات بعد مولدى حتى شهدت حرب العدوان الثلاثى على مصر، وفى ذاكرتى ومخيلتى من الصور المروعة لهذه الحرب ما لم يستطع الزمن أن يمحوَه حتى الآن، ولم تمر بعد ذلك عشر سنوات أخرى حتى دهمَـتـنا حربُ سبعة وستين بكل ما خلفته من أزماتٍ واختناقاتٍ واقتصاد حروب ثم جاءت حرب العبور عام 73 التى أعادت إلينا نحن شباب العرب كثيرًا من الثقة ورد الاعتبار والشعور بالنصر، لكن سرعان ما دخلنا بعدها فى دوامة الإرهاب التى لم تتوقف حتى هذه اللحظة، أضف إلى ذلك الحروب التى تشتعل فى عالمنا العربى ولم ينطفئ لهيبها حتى هذه الساعة التى أحدثكم فيها.. ولنا أن نتساءل: ماذا ننتظر من انطباعات جيلى الذى بلغ السبعين من العمر عن كل ما قرأه – وهو كثير جدًا – عن السلام الدولى وحق الإنسان فى الحياة دع عنك حقوقه الأخرى فى توفير الأمن والعيش الكريم والعدالة والمساواة إلى آخر ما نحفظه عن ظهر قلب عن حقوق الإنسان والمواثيق الدولية، والتى يتكشف رصيدها فى الواقع المعاش عن سراب خادع أو عن مجرد حبر على ورق فى أفضل الأحوال؟!
وإذا كان لى من كلمة أخيرة أختم بها هذه التأملات المكلومة التى يمتزج فيها الألم بالأمل، فهى أنه لا حل لأزمة العالم المعاصر وانتشاله من مآسيه التى تكاد تعود به إلى فوضى القرون الوسطى إلا التعاليم الآلهية التى تحتفلون بها اليوم وتؤكدون للعالم من خلالها أن الدين ضرورة حتمية لا يمكن أن تتحقق الأخوة ولا العدل ولا المساواة إلا فى ظلاله.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة