"الموت ضاحكًا" قصة جديدة لشريف عبد المجيد من مجموعة "صولو الخليفة"

الأربعاء، 31 مايو 2017 10:00 م
"الموت ضاحكًا" قصة جديدة لشريف عبد المجيد من مجموعة "صولو الخليفة" شريف عبد المجيد

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

1-

ضيف على الهواء
قبل ساعتين من بدء البرنامج على الهواء، اتصل الضيف من حجرة الاستقبال بالقناة الفضائية بالمعد ليخبره بحضوره، حيث لم يستطع أن يصل لاستوديو المقطم كما كان الاتفاق، شعر ببعض الإرهاق لذا قرر أن يخرج من مبنى ماسبيرو مع فريق العمل ليركب معهم فى السيارة المخصصة لنقلهم، وترك سيارته بالقرب من جراج المبنى، حضر إليه المعد وراجع معه أسئلة الحوار المزمع إجراؤه بعد ساعة على الهواء، كان المعد كعادته قد اتخذ احتياطاته، وكلم ضيفًا آخر أستاذًا فى النقد الأدبى ليكمل الحوار مع الكاتب الذى بلغ خمسة وستين عامًا، كما أبلغه منذ أيام قليلة، كان موضوع الحلقة حول قضايا النشر فى مصر وحقوق الكاتب من مبيعات كتبه، وصعوبة أن يعيش الكاتب من عائد بيع أعماله فى الوطن العربى وحقوق الملكية الفكرية، موضوعات عديدة كانت هى سبب اهتمام الكاتب بالحلقة وحضوره رغم مرضه، سأله المعد: أجيبلك حاجة تشربها يا أستاذ؟ أجاب الكاتب: لا شكرًا.
- طيب هاسيبك عشان أتابع مع المخرج خروج فريق العمل والكاميرا.
- اتفضل براحتك، أنا هاقعد أقرا فى الكتاب ده لحد ما تجهزوا.
تركه المعد وصعد لمكان حجز الكاميرات ليحث الجميع على التحرك، حيث إن المدة المتبقية أمامهم للتحرك من مبنى ماسبيرو وحتى بدء الهواء فى المقطم ليست كبيرة، وهكذا أعدوا أنفسهم للقاء الضيف، والاتصال بالسيارة لخروج الأوردر، ونزلوا من المصعد واتجهوا ناحية الضيف، الذى وجدوه جالسًا بشكل مائل على الفوتيه الكبير المخصص لجلوس الضيوف، والكتاب واقع على الأرض، جرى المعد ناحية الضيف، قال له المخرج: باينّه نام.
- إحنا جاهزين يا فندم، هكذا قال المعد، لم يرد الضيف، وصل لمكان جلوسه وأمسك بيده فأفلتت فى اتجاه جسده، الذى بدا مترنحًا بلا حراك، المعد:- الضيف مات.
- إلحقونا يا إخوانا، توقفت حركة الدخول والخروج للحظات، وبدا الجميع فى ذهول، اقترب رجل الأمن من الضيف: لا حول ولا قوة إلا بالله، تبع مين فيكم؟
- البرنامج الثقافى.
- لازم حد من أهله يستلمه.
قال المخرج موجهًا حديثه للمعد:
- معاك تليفونه الأرضى؟
- أيوة.
- بلغهم عشان ياخدوه.
- نلغى الحلقة؟
- لا طبعًا، ونقبض منين؟ لازم نذيع.
- إزاى؟
- الضيف التانى مش راح المقطم؟
- أيوة.
- خلاص خليك إنت هنا لحد ما يستلموه وإحنا هنروح نعمل الحلقة.
اتصل المعد ببيت الكاتب:
- مساء الخير يا فندم.
- مساء النور.
- أنا معد البرنامج الثقافى.
- أهلًا وسهلًا، على فكرة الأستاذ راحلكم من تلت ساعات.
- أيوة فعلًا يا فندم، بس هو تعبان شوية ومش هيقدر يطلع على الهوا.
- ما انا قلتله ما دام تعبان ماتنزلش، قال لى لازم أتكلم عشان حقوق الكاتب فى مصر.
- فعلًا هو ده موضوع حلقتنا، بس هو مش هيقدر يظهر للأسف.
- طب إديهونى أكلمه.
- هو مش قادر يتكلم دلوقتى، لازم حد يحضر عشان يوصله للبيت.
- طب قل له بقى والله ما أنا جاية إلا أما يكلمنى.
أغلقت السماعة بينما المعد ظل جالسًا بجوار جثة الكاتب، لا يعرف ما الذى ينبغى عليه أن يفعله تحديدًا فى تلك اللحظة.
 
 

2-

الحانوتى
 فى محله الصغير أمام مدرسة المشرقى المشتركة بشارع البقلى، خلف قسم الخليفة، كان عم سعيد يجلس على كرسيه الجلد البُنّى المواجه لمكتبه الكبير الذى توجد به دفاتر كثيرة متربة، وتليفون أسود قديم جدًّا، والذى تسلمه فى بداية ثمانينيات القرن الماضى ولم يغيره أبدًا، وخلفه ستاند صغير فوقه مروحة قديمة من طراز مراوح شركات القطاع العام.
محله الذى يفتحه فى تمام الثامنة بالضبط، لم يتأخر أبدًا عن فتح المحل فى ذلك الموعد، محله الزجاجى الوحيد الذى كانت كل جوانبه من الزجاج، بحيث يستطيع أن يرى الناصيتين اللتين يطل عليهما المحل ولكنه على غير العادة لم يترك مكتبه مطلقًا، لم يطلب الشيشة القص من المقهى المجاور، ولم يطلب الشاى الكشرى بالنعناع، بل لم يتحرك من على الكرسى طوال الوقت، ولم يلق بنكاته المكشوفة مع صاحب السوبر ماركت على ناصية الخليفة، أو مع الصيدلى فى صيدلية المشرقى، وعندما دخلت صاحبة الفرن عليه لتحاول أن تعطيه الخبز الذى تدخله إليه فى تمام العاشرة صباحًا حيث يكون هو قد طلب الفول والطعمية والباذنجان المخلل، كلمته: - يا عم سعيد يا عم سعيد، وعندما لم يرد عليها صوتت بأعلى صوتها: عم سعيد الحانوتى مات عم سعيد الحانوتى مات!
تجمع الناس فى شارع الخليفة حول صوت الصراخ وولولة صاحبة الفرن.
ولما كشف عليه الصيدلى وجس النبض أكد كلام صاحبة الفرن، قال أحدهم: لازم نبلغ القسم، قال آخر: إيه الصباح ده على الصبح؟! وقال ثالث: ده إحنا مانعرفلوش قريب ولا جار ولا ولاد، وقال رابع: ده طول عمره عايش كده لوحده أصله الله يرحمه كان بخيل.
فقالت السيدة صاحبة الفرن: اذكروا محاسن موتاكم 
وغطوه بقطعة قماش جلبها أحد صبيانها العاملين فى الفرن، وتعامل الجميع بحزن شديد مع الموقف، وقرؤوا الفاتحة على روحه، حتى أتى صوت صاحب القهوة: كده عايزين حانوتى يدفنه، فضجوا بالضحك حد البكاء وانفلت الموقف الحزين ولم يستطع أى منهم أن يتعامل مع الأمر بجدية مرة أخرى، وفكروا من سيقوم بدفن الميت الذى دفن كل أموات الحى، بينما كانت سيارته السوزوكى قابعة هناك لا يعرف أى منهم مكان مفاتيحها.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة