فى مصر يختلف طعم الفرح من مكان إلى مكان، تتنوع الطقوس والمظاهر والعادات، وتتسع أم الدنيا لهذا التنوع المبهج الذى تتعدد فيه ألوان الفرحة وفنونها، فترى أفراح الصعيد بلون وبهجة تختلف عن بهجة أفراح النوبة، ويختلف الاثنان عن أفراح قرى بحرى وطقوسها فى الزواج، ففى أم الدنيا تستطيع أن ترى الفرح بكل الألوان والأشكال، ويستطيع المصرى أن يبهر العالم بمظاهر فرحته وتفانينه الخاصة فى الأفراح.
ويصطحبكم «اليوم السابع» عبر سلسلة موضوعات فى رحلات بهجة نتذوق فيها طعم الفرح بكل الألوان المصرية، ونبدأ الرحلة بفرح من أفراح إحدى قرى وجه بحرى «قرية حمور» بالبحيرة، على أن نستأنف الرحلة فى أفراح أخرى. وتختلف أفراح القرية بطقوسها ولياليها وأغانيها عن أفراح المدينة، تحتفظ بهذه العادات التى تحمل رائحة التراث وجماله فى كل مراحل العرس، تشعر حين تتابع أحدها، وكأنك ركبت عربة الزمن وسافرت لتعيش أحداث فيلم سينمائى جميل من أفلام الأبيض والأسود، طقوس تحملها أزقة الشوارع الضيقة فى القرى البعيدة قد لا يعرفها أهل المدن، وعادات زواج يتمسك بها أهالى هذه القرى يظنها الكثيرون أنها لم تعد موجودة، فرح وفرحة بطعم مختلف، تبدأ من طقوس تجهيز العروس ومكونات العفش وطريقة نقله وما يصاحبها من أفراح وليلة الحنة وليالى العرس التى تشبه حكايات ألف ليلة وليلة، حتى يصل ختام الفرح إلى يوم الصباحية وطقوسه الخاصة. وفى الملف التالى ينقلكم «اليوم السابع» إلى فرح نورهان ابنة قرية حمور بالبحيرة التى دعتنا لحضور كل مراحل وطقوس فرحها ليعيش القراء أجواء وتفاصيل وليالى فرح القرية، بدءا من تجهيز العروس وحتى يوم الصباحية، والعاقبة عندكم فى المسرات.
يحيا أبوها ياجدعان جاب العفش على التمام
95 فوطة و85 مفرش سرير و5 بطاطين و20 طقم كاسات.. والعرض على عربية العفش
ساعة بالتمام والكمال تفصل بين قرية العروس نورهان فى قرية حمور وبالتحديد عزبة الجارحى وبين زحام المدينة وضجيجها، حيث يقع منزل والدها الحاج عصام الجماش، وهو عبارة عن طابقين وملحق به زريبة، بينما ونقشت على جدرانه رسومات قروية تسجل بعض ذكريات سكانه، وللوهلة الأولى يأسرك كرم أهل البيت وبشاشتهم.
بدأنا من منزل أسرة العروس، حيث لا يتبقى سوى أيام قليلة وتنتقل نورهان من هذا البيت، الذى ولدت وعاشت فيه طفولتها وصباها إلى منزل العريس لتبدأ حياة جديدة.
تعيش نورهان هذه الساعات المتبقية فى حالة تمتزج فيها مشاعر الفرح بكونها العروس محط اهتمام وأنظار الجميع والمقبلة على تحقيق حلم العمر، الذى تحلم به كل فتاة، مع مشاعر القلق من الحياة الجديدة، ومن سير ترتيبات الفرح بالشكل اللائق والمشرف، الذى تكتمل معه فرحتها.
فى التاسعة صباحًا يزدحم المنزل بالأقارب والجيران فى انتظار وصول عربات نقل الأثاث، بينما يجتمع الرجال فى غرفة مجاورة ينهون مراسم عقد القران.
تحول المنزل إلى خلية نحل، تنظر العروس كالملكة من شرفتها، بينما يصطف الشباب على لنقل الجهاز، الذى بدأت الأم فى جمعه منذ أن كانت العروس طفلة كعادة أهالى الريف.
زفة العفش عبارة عشر عربات امتلأت بأثاث العروس، تبعها عربات مكتظة بالسيدات يرددن الأغانى التراثية والزغاريد، بينما يتقدم الموكب دراجتان ناريتان تتراقصان بين طرقات القرية، يمتزج صوت الزغاريد بأصوات الكلاكسات وأغانى النساء، وتمتلئ شرفات المنازل بالنساء والأطفال يتابعن عفش نورهان ابنة الحاج عصام، بينما ينتظر أهل العريس الموكب، ويتابع الحاضرون أعداد المفارش والأوانى وأنواع الأجهزة الكهربائية، ينقل الشباب كل قطع جهاز العروس بحرص شديد إلى منزل الزوجية، بينما تتجول أم العروسة فى المنزل لترشد النساء عن أماكن وضع العفش الجديد.
ورغم احتفاظ أهل القرية بعادات الزواج القديمة إلا أن نوعية الأثاث اختلفت، ليحل السيراميك وغرفة الأطفال والسجاد وغرفة السفرة والصالون والنيش، الذى يكتظ بعدد مهول من الكاسات والأطباق والأطقم، محل الحصير والنملية والكنب البلدى.
وقفت خالة نورهان فى غرفة النوم ترص أعدادًا ضخمة من المفارش والملابس، قائلة: «العريس عليه الشقة والستاير والمطبخ والخشب، والعروسة عليها الأدوات الكهربائية، والصينى والملايات والمناشف، والمفارش الدانتيل والمطرز والقطيفة وأدوات المطبخ».
وأكدت الخالة أن جهاز نورهان يتكون من 95 منشفة و85 مفرش سرير، و5 بطاطين، وذلك بخلاف احتواء الدولاب على كل ألوان الطرح، التى يزيد عددها عن 50 طرحة، فضلا عن الملابس الداخلية والعبايات وغيرها.
أما عن أدوات المطبخ تقول والدة العروس بفخر: «أحضرت لنورهان أوانى السيراميك والتيفال والألومنيوم والجرانيت»، وتقف لدقائق تتذكر ما فاتها، «والغسالة الأتوماتيك والديب فريزر حتى فلتر المياه رغم ضعف المياه وانقطاعها الدائم».
مبدأ الزواج فى القرى «اللى ماعهوش ما يلزموش"
تتحدث الأم عن المعاناة فى القرى لإرضاء العرف واتباع العادات السائدة فى تجهيز العروس قائلة: «إحنا فى الفلاحين بنحمل نفسنا فوق طاقتنا فى الجهاز، وهناك من لا يستطيع شراء كل هذا الكم، وبيضطر للسلف والديون، أو الجمعيات»، مؤكدة أن المغالاة تصل إلى أن بعض الأسر تشترى جهاز كمبيوتر ضمن مكونات العفش، أكدت والدة العروسة أن جهاز ابنتها كلفها ما يزيد على 190 ألف جنيه.
وفى ركن هادئ تجلس إحدى قريبات العروس، التى بدا عليها التعب من ساعات العمل الطويلة بعد قيامها بترتيب أثاث العروس، لتتحدث عما تمثله هذه العادات من عبء قائلة: «إحنا بنبتدى نشيل جهاز للبنات من صغرهم، ولمدة سنوات وبعد كدة نكتشف أن الموضة راحت عليها ونبدأ نشترى من جديد».
وتابعت: «الكل فى الريف يتبع هذه العادات الفقير والغنى كله لازم يشترى، والبعض يقع تحت طائلة القانون، ويدخل السجن أحيانًا بسبب الجهاز، من خلال شراء الأجهزة الكهربائية بالقسط.
ليلة الحنة محلاها والبنات الكل حداها
تدق الساعة السابعة من مساء هذه الليلة قبل الأخيرة، التى تقضيها العروس قبل الانتقال إلى منزل الزوجية، تتذكر نورهان أحداث سنة من الارتباط بعريسها محمد، بدأت بنظرة ارتياح فى صالون عمتها، فالزواج فى القرى لا يعرف طريقًا غير غرف الصالونات.
أكدت نورهان أن الأمور اختلفت كثيرًا عن السابق فيما يخص تفاصيل تزيين العروسة، ونقل هذا المجتمع القروى الكثير من أمور المدينة مع احتفاظه بعاداته وتقاليده الموروثة.
خصصت الأسرة بعض الغرف لوضع وتقديم الطعام، وغرف أخرى لاستقبال صديقات العروس وضعت بها سماعات تبث الأغانى، وتتساءل الفتيات، «فين العروسة»، بينما تتعالى خارج الغرفة أصوات الأوانى وتنطلق روائح الأطعمة بعدما بدأ الشيف فى تحضير الطعام فى مكان متسع خصصته الأسرة لهذا الغرض.
شيف قرية «حمور» مهمة إطعام المعازيم بين ليلة الحنة وحتى الصباحية والسبوع
يقف الشيف على عبداللطيف متفاخرًا بمهنته، وهو يعد الطعام، قائلا: «أنا شيف قرية حمور، وكل القرى المجاورة ورثت المهنة عن أبى ووضعت فيها لمسة الشباب»،وتابع حديثه قائلا: «الأجر يختلف حسب نوع الأكل فهناك من يذبح عجلا وآخرون يريدون وضع لمسات فنية فى الأطباق، وكل ذلك غير وجبات الصباحية والسبوع
سندريلات القرى يتنافسن على الرقص
فى ليلة الحنة وصلات من الرقص لفتيات لم يمنعهن ارتداء الحجاب عن الفرحة والرقص، تضحك إحداهن على استحياء قائلة: «مينفعش نكشف راسنا، لكن ده مايمنعش إننا نفرح ونرقص»، تفاخرت كل منهن فى إظهار مهارتها فى الرقص، فقلدت إحداهن هزة صافينار، بينما قلدت الأخرى فيفى عبده، وتخلل وصلات الرقص الشرقى بعض رقصات وحركات المهرجانات.
ولم تكن هناك وسيلة أقوى من الطعام قادرة على إيقاف وصلات رقص البنات، فقد حان وقت تذوق ما فاحت رائحته، فجلسنا حول «الطبلية» التى وضع عليها الأكل، لتجدد كل منهن شحنة أخرى تنتظر أى لحن حتى تواصل الرقص.
فى حنة «البنات» للرجال مهام أخرى
وبينما يهتز المنزل برقصات البنات، كان للرجال مجالس أخرى، امتدت بالطابق الأول من المنزل، حيث امتدت موائد الطعام بطول الساحة، وانطلق الشباب من أقارب العروسين لدعوة كل المعازيم لتناول الطعام فى حرص شديد على ألا يفلت منهم أحد دون أن يأكل، واشتملت قائمة الطعام لحوم وأرز بالخلطة وسلطات وخبز وحلويات شرقية، بينما تخللت الحفل رقصات بسيطة للشباب الذين انشغلوا بدعوة الضيوف والترحيب بهم.
وكلفت هذه الليلة والد العروس ثمانية آلاف جنيه، لكنه أراد أن يتبع مبدأ «أدى العيش لخبازه».
فى ليلة الحنة.. ماتزوقينى ياماما أوام ياماما
وبينما يشتعل بيت العروس بالرقص والزغاريد، تجلس عمتها فى غرفة ذات إضاءة خافتة لتعجن الحنة بعد أن مزجتها بالمياه ووضعتها فى5 صوانى لتصنع منها «تورتة الحنة»، وتزينها بالورد والصابون المبشور، بينما تغنى سيدة فى منتصف الخمسينيات أغانى التراث القديم، صعدت العروس إلى الطابق العلوى لترتدى عباءة الحنة ذات القماش المميز زهرى اللون، ثم جلست على السرير مستسلمة لإحدى السيدات لتضع لها ما تيسر من ألوان المكياج على وجهها.
بينما كان لعريس يتنقل بين كل طاولة يشكر أصدقاءه وكل من أتى لإحياء تلك الليلة، التى يودع فيها حياة العزوبية.
وعلى بعد أمتار من بيت العروسة، تقف بقرة وحيدة أمام الباب تنتظر مصيرها المجهول، ويلهو الأطفال حولها ينتظرون ذبحها استعدادًا للفرح.
وفى ليلة وداع العزوبية جهز أهل العريس ساحة أمام المنزل وضعوا بها عددًا من الكراسى ونصبة شاى ومائدة شيشة، بينما تقف أمام المنزل سيارة تفرغ عددًا جديدًا من الكراسى، وفى الشقة الجديدة، التى تنتظر العروسين، يجلس والد العروس برفقة أحد أفراد الأسرة، ومعهم العريس ويقومون بإعداد ورقة «القايمة»، هذا المستند، الذى يضمن حق العروس.
من بيت العروسة للكوافير.. الليلة ليلة هنا وسرور
وفى يوم الفرح تنتظر العروس عريسها ليأخذها إلى الكوافير، تكسو وجهها علامات الخجل الممتزج بمشاعر القلق، تودع والدها، الذى يحتضنها، ويوصى العريس «خلى بالك منها»، ثم يسألها «مبسوطة يا حبيبتى» فأومأت برأسها، اختارت العروس أحد العروض، التى اقترحتها الكوافيرة وقالت: «اخترت عرضا يناسبنى ويحتوى على ميكب وباديكير ومانيكير ولف الطرحة وسشوار وببيليز، وكذلك الحمام المغربى وعدسات وفستان فرح إيجار، والتصوير من ضمن العرض، وذلك كله بألفين ومائتى جنيه»، ساعات طويلة من النهار مرت حتى اقترب من الزوال بينما يجلس العريس فى غرفته القديمة ويقف حلاق القرية ليعده لهذه الليلة الموعودة.
اتمخترى ياحلوة يازينة.. العروسة أول مرة تعمل سشوار
فى الكوافير تختبر نورهان أشياء لم تجربها من قبل، فلأول مرة تستخدم سشوار الشعر، وأول مرة تجرب الباديكير، وربما هى المرة الأولى، التى ترى نفسها بهذا الوضوح فى المرآة، لتصل إلى مرحلة ارتداء الفستان والطرحة، الآن أصبحت جاهزة لاستقبال العريس، الذى حضر وانطلقت معه صافرات العربات وبعض الألعاب النارية، اصطحب العريس عروسه إلى الاستوديو لالتقاط صور هذه الليلة المميزة من ليالى العمر.
ليلة الفرح.. رشوا الشارع مية دى عروسة الغالى جاية
يصل العروسان إلى مكان الفرح فتنطلق أصوات الألعاب النارية، التى أنارت السماء، ويصطحب محمد نورهان إلى الكوشة، وتبدأ وصلة رقص بين العريس وأصدقائه، وتجلس العروس بكل وقار وخجل.
وضعت أم العروس عشاء ابنتها وحماتها، المكون من الفاكهة والمشروبات وأوانى الأرز الفخارية، التى وضعت بداخلها اللحوم والبط، وتستمر الأم فى إرسال هذه الوليمة يوميًا لابنتها حتى يمر شهر من الزواج، وبعد انتهاء الشهر الأول من الزواج يقوم أهالى العروسين بدعوتهم يوميا للعشاء حتى يمر شهر آخر.
طقوس الصباحية.. نشر ملابس العروسين
يمر يوم الزفاف، ويستيقظ العروسان على ضوء الشمس، لتنهض العروس من سريرها، وتعرض بعض مكونات جهازها على أحبال الغسيل، فلابد أن يرى الجيران ما فى جعبة العروس الجديدة من مفارش سرير، ومناشف وبعض من ملابسها وملابس زوجها، ويحدث هذا الطقس يوميًا طوال الشهر الأول من الزواج مع تغيير الملابس والمفارش كل يوم عما سبقه.
يُفتح البيت من الصباح الباكر، ويبدأ توافد الزائرين من الأهل والأقارب يحمل كل منهم «سبت» يمتلئ بالفاكهة وشاى وسكر وأرز، ليفرغ فى مطبخ العروس، ويعود محملا بمنديل رأس وعباءة وصابونة وكحل مطحون.
كما تقدم العروس هداياها لأهل العريس، كأحد الطقوس المعتادة فى أفراح القرى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة