تعرضت قطر الأسبوع الماضى لحصار دبلوماسى قوى، فرضته مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وعدد من البلدان، لدعمها الإرهاب وتمويله، بالإضافة إلى علاقاتها مع إيران وسياستها الإعلامية الداعمة للتنظيمات الإرهابية فى الشرق الأوسط.
لم تكن الدول العربية أول من تفرض مثل ذلك الحصار على قطر، فهذه الإمارة الصغيرة كانت بمثابة مرض تجاه روسيا، وبالخصوص فى القوقاز المكان الذى كان يحتوى على أخطر الإرهابيين، الذين يعيشون فى رخاء بدعم من الدوحة.
اتهمت روسيا سابقا قطر باستمرار تمويل المسلحين، بما فى ذلك فى القوقاز، فى عهد حمد آل ثان والد تميم الأمير الحالى لقطر وكانت العلاقات بين موسكو والدوحة متوترة، وعلاوة على ذلك، كانت هناك أزمات سياسية بين روسيا وقطر.
الأزمة الأولى
فى عام 2004، قتل الإرهابى الشيشان سليم خان عبده مسلموفيتش يندرباييف وهو أحد قادة المتشددين الشيشان، فبعد ثلاثة أيام من اغتياله ألقت الشرطة القطرية القبض على ثلاثة مواطنين روس.
واتضح فى روسيا أن المعتقلين يعملون فى الأجهزة الأمنية الروسية، ولكن بأى حال من الأحوال هذا لا يعنى المشاركة فى تصفية يندرباييف، وعلاوة على ذلك، فقد ذكرت وزارة الخارجية الروسية أن اعتقال الروس استفزاز، وسرعان ما تسممت العلاقات بين موسكو والدوحة.
وبدأت روسيا فى الكشف عن احتضان الدوحة للإرهابيين، بعدما كشفت المخابرات الروسية عام 2001 عن تواجد سليم خان عبده مسلموفيتش يندرباييف، الكاتب والسياسى الشيشانى الذى تولى منصب رئيس جمهورية الشيشان "إشكيريا" بالوكالة من 21 أبريل 1996 إلى 12 فبراير 1997، ووعد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بقتله.
فى عام 2000 رحل يندرباييف إلى باكستان ليوثق علاقته برفاقه فى أفغانستان، غير أن موسكو تضغط على إسلام آباد فيضطر إلى الرحيل إلى الإمارات ومنها إلى تركيا، ثم تكون الدوحة محطته الأخيرة.
قبل أن تحتضنه الدوحة، نظم يندرباييف عملية احتجاز الرهائن فى مسرح فى موسكو فى أكتوبر 2002، وأجرى اتصالات هاتفية بمجموعة الخاطفين، وأدت العملية التى نفذتها القوات الروسية الخاصة للإفراج عن الرهائن إلى مقتل 129 شخصا من أصل 800 احتجزوا فى المسرح قضى معظمهم نتيجة الغاز الذى استخدمته مجموعة الكوماندوز الروسية، وقتل الخاطفون الـ41 فى الهجوم.
وخلال تواجده فى قطر ودعم الجماعات الإرهابية فى روسيا، طالبت الحكومة الروسية قطر رسميا بضرورة تسليمه واستدعت الخارجية الروسية سفير قطر فى موسكو أكثر من مرة لهذا السبب عام 2004.
وفى 13 فبراير عام 2004 اغتيل سليم خان يندرباييف عندما انفجرت قنبلة فى سيارته التى يستقلها فى العاصمة القطرية الدوحة وفارق الحياة فى المستشفى، وأصيب ابنه داود 13 عام بجروح خطيره، ولم يتضح فى البداية من كان مسئولا عن الانفجار، ولكن الشكوك تنصب على وكالة الاستخبارات الخارجية الروسية رغم نفيها عن أى تورط فى عملية الاغتيال حينها.
وفى اليوم التالى للهجوم قبضت السلطات القطرية على ثلاثة من الروس فى السفارة الروسية بقطر وأطلق سراح واحد منهم السكرتير الأول للسفارة الروسية فى قطر بسبب وضعه الدبلوماسى والباقيين وكلاء الاستخبارات الروسية، الذين اتهموا باغتيال يندرباييف، وخلصت تحقيقات النيابة العامة القطرية إلى أن المتهمين تلقوا أوامر من سيرجى إيفانوف شخصيا للقيام بعملية الاغتيال، وحكم عليهم فى 30 يونيو عام 2004 بالسجن مدى الحياة وذكر القاضى أنهم تصرفوا بناء على أوامر من القيادة الروسية.
تسبب الحكم فى توتر العلاقة بين الدوحة وموسكو، وفى يوم 23 ديسمبر 2004 وافقت قطر على تسليم السجناء إلى روسيا حيث يمكن لهم قضاء عقوبة السجن هناك، وتم ترحيلهم إلى روسيا وسلطات السجون الروسية ذكرت أن الحكم الصادر فى قطر "ليس له صلة بروسيا" وبالتالى أطلق سراحهم واختفوا عن الأنظار.
الأزمة الثانية
فى عام 2012، عندما قام موظفى الجمارك فى مطار الدوحة بضرب السفير الروسى لدى قطر فلاديمير تيتورينكو، وتبين فى وقت لاحق تعرضه للعديد من الإصابات والكدمات وتمزق الشبكية فى العين، وكاد يفقد الرؤية ولكنه خضه للعديد من العمليات.
بعد ذلك، أرسلت وزارة الخارجية الروسية إلى سفارة قطر فى موسكو مذكرة احتجاج، ودعا السياسيين والصحفيين الروس مثل فلاديمير جيرينوفسكى وفلاديمير سولوفييف لضرب قطر بقنبلة نووية لمسحها من على وجه الأرض.
الأزمة الثالثة
هدد مندوب روسيا فى مجلس الأمن فيتالى تشوركين فى شهر فبراير من عام 2012، بمسح قطر من وجه الأرض، حيث قال المندوب الروسى لرئيس الوزراء القطرى بن جاسم:" إذا تكلمت معى بهذه النبرة لن يكون هناك شىء اسمه قطر، أنا أتكلم مع الكبار فقط وليس معك احترم نفسك واعرف حجمك الحقيقى وممكن نزيل قطر من الخريطة نهائيا"، حيث وجه بن جاسم الكلام لمندوب روسيا فى البداية قائلا: "أحذرك من اتخاذ أى فيتو بخصوص الأزمة فى سوريا، فعلى روسيا أن توافق القرار وإلا فإنها ستخسر كل الدول العربية".
فرد الروسى بكل هدوء أعصاب: "إذا عدت لتتكلم معى بهذه النبرة مرة أخرى، لن يكون هناك شيء اسمه قطر بعد اليوم".
وهاجم المندوب الروسى رئيس الوزراء القطرى ووزير الخارجية حمد بن جاسم، خلال جلسة مجلس الأمن، المتعلقة بسوريا عام 2012، وخاطب تشوركين رئيس وزراء قطر قائلا: "أنت ضيف على مجلس الأمن فاحترم نفسك وعد لحجمك وأنا أساسا لا أتحدث معك أنا أتحدث باسم روسيا العظمى مع الكبار فقط".
واستخدمت روسيا والصين حق النقض "الفيتو" عام 2012 فى مجلس الأمن لإحباط مشروع قرار يدين القمع فى سوريا. وبرر تشوركين استخدام بلاده للفيتو ضد القرار، بأن مشروع القرار حول سوريا "لم يكن متوازنا".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة