فيما يشبه المقايضة بين الدفع بالمليشيات التى تم تأسيسها على دعائم طائفية شيعية من جانب إيران، مقابل الاقتصاد السورى، تم تدشين معادلة العلاقات بين طهران ودمشق فى السنوات الأخيرة، خاصة مع توسع إيران فى المشاريع التجارية بالقطاعات الاستراتيجية، وحصولها على عدد بالغ من الصفقات مع الحكومة السورية، لاسيما فى مرحلة إعادة الإعمار.
إيران وإعادة الإعمار السورى
ففى الساعات الماضية نشرت وسائل الإعلام الإيرانية عددا من الأخبار يمكن وضعها إلى جوار بعضها البعض لتشكل موزاييكا يمكن من خلال ترتيب قطعه؛ فهم مستقبل الاقتصاد السورى فى ظل الاستحواذ الإيرانى على قطاعات بالغة الحساسية منه.
الجانبان الإيرانى والسورى عقدا جلسة مباحثات لتطوير العلاقات الاقتصادية وبحث "إعادة الإعمار فى سوريا"، وذلك من خلال اللقاء الذى جرى بين وفد سورى رفيع المستوى ضم الأمين العام لمجلس الوزراء محمد العمورى ومسؤولى البنكين المركزى والتجارى فى هذا البلد.
الوفد السورى التقى مع مستشار النائب الأول لرئيس الجمهورية، ورئيس لجنة تنمية العلاقات الاقتصادية بين إيران وسوريا، سعيد أوحدى، وبحث معه القضايا ذات الاهتمام المشترك وحضور إيران الفاعل فى معرض إعادة الإعمار فى سوريا، وفقا لما أوردته الوكالة الإيرانية الرسمية للأنباء.
السفير الإيرانى فى دمشق جواد تركى أبادى مع عماد خميس رئيس الوزراء السورى
واستهدفت جلسة المباحثات تطوير العلاقات الثنائية الإيرانية ـ السورية، والتنسيق لاستفادة رجال الإعمال الإيرانيين من الفرص الاقتصادية المتاحة فى سوريا وخاصة الحضور الفاعل لأصحاب القطاع الخاص الإيرانيين فى معرض الطاقات الاقتصادية وإعادة إعمار سوريا الذى سيقام فى دورته الأولى بالتعاون مع غرفة التجارة الإيرانية نهاية سبتمبر من العام الحالى 2017.
إلى هذا وفى السياق ذاته، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية أن عماد خميس رئيس مجلس الوزراء السورى استقبل يوم الأحد، السفير الإيرانى فى دمشق، جواد ترك آبادى، وبحث معه تطوير العلاقات بين البلدين فى مختلف المجالات ولاسيما فى القطاعات الاقتصادية.
رئيس الوزراء السورى اعتبر أن التحدى الأكبر هو الحرب الاقتصادية على الشعب السورى؛ ما يتطلب تطوير العلاقات الإيرانية ـ السورية إلى مستوى متقدم فى جميع المجالات، وفقا للوكالة الإيرانية.
وبيّن خميس أهمية التوسع بإقامة مشاريع استثمارية مشتركة بما يحقق المصالح المتبادلة للبلدين الصديقين، مشيرا إلى أن الملف الاقتصادى بين الجانبين يحتاج إلى متابعة واهتمام وتعزيز من خلال التواصل المستمر والتفكير بعقلية منفتحة فى العلاقات التجارية وتفعيل دور غرف التجارة والصناعة فى البلدين، لتقوم بدور أكبر فى هذا المجال.
الحرس الثورى وشبكة المحمول السورية
فى السنوات الأخيرة عملت إيران على الاستفادة من المساحة المالية السورية وتغيير بنية الاقتصاد تقريبا من اقتصاد وطنى يديره رجال أعمال سوريين إلى اقتصاد إيرانى بحت، يخدم المصالح السياسية والجيوستراتيجية الإيرانية فى سوريا، وذلك بأن حصلت من الحكومة على عدد من الصفقات التجارية فى مجالات النفط والمناجم والزراعة والاتصالات (شبكة المحمول).
ووفقا لتصريحات صحفية أدلى بها وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السورى أديب ميالة، فى يناير الماضى، فإن إيران ستستثمر أراضى زراعية فى محافظة اللاذقية وفى منجم للفوسفات، وستبنى الخزانات لتخزين النفط، وتبلغ قيمة هذه الاستثمارات 500 مليون دولار، وفقا لقوله.
وأفاد الوزير السورى أن إيران ستستثمر فى مجال الاتصالات، شبكة محمول ثالثة بحيث يتم تأسيس شركة سورية بالشراكة الاستراتيجية من قبل الشركة الإيرانية بقيمة 350 مليون دولار، على أن يدخل الخزينة السورية 100 مليون دولار.
أما فى مجال الخط الائتمانى الإيرانى والذى تبلغ قيمته مليون دولار سيتم من خلاله استيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الأولية والنفط وتنشيط التبادل التجارى، وفقا لمنطوق تصريحات الوزير السورى.
التومان الإيرانى
ومن المتواتر فى الاقتصاد الإيرانى أن مؤسسة الحرس الثورى هى التى تستحوذ على تكنولوجيا الاتصالات فى طهران، وبالتالى فإن الاتفاقية التى وقعها نائب الرئيس الإيرانى والمرشح المنسحب من الانتخابات الماضية، إسحاق جهانكيرى فى يناير الماضى مع الحكومة السورية، تعنى ضمنا انتقال مؤسسة الحرس الثورى للسيطرة على هذا القطاع الحساى فى دمشق، لاسيما مع حجم التعاون الكبير الذى تحظى به المؤسسة مع رامى مخلوف، رجل الأعمال السورى وابن خال بشار الأسد، الذى يستحوذ على هذا القطاع فى سوريا.
"ترك أبادى" كلمة السر
وكما هو الحال فى الدبلوماسية الإيرانية التى تشتهر بقدرتها على استخلاص المكاسب من كل الأطراف، فيبدو واضحا أن كلمة السر فى تعزيز العلاقات الإيرانية ـ السورية على مستوى الاقتصاد، هى السفير الإيرانى فى دمشق، جواد ترك آبادى، المعروف بقربه الشديد من مؤسسة الحرس الثورى، ذلك أن كل الأخبار ذات الصلة بالاقتصاد عادة ما ترتبط باسم هذا الرجل، لاسيما فى الأشهر الأخيرة التى تولى فيها المنصب.
ويمكن قراءة ذلك من تصريحاته التى أدلها بها عقب لقائه مع رئيس الوزراء السورى إذ قال إن "العلاقات بين سوريا وإيران مثال يحتذى للعلاقات المتميزة والاستراتيجية بين الدول ذات المصير المشترك، ووقوف إيران إلى جانب سوريا يعنى الوقوف إلى جانب قضيتنا المشتركة التى تمثل الحق".
السفير الإيرانى فى دمشق جواد تركى أبادى
أبادى ربط بين الحماية الإيرانية عن طريق ميليشيات الحرس الثورى والحصول على المكاسب الاقتصادية بكلمات لا تقبل التأويل وقال إن: "الانتصارات الكبيرة التى تحققت فى سوريا على الإرهاب أثبتت أننا أصحاب عزيمة واحدة وتقع علينا مسؤوليات كبيرة لتطوير ودعم العلاقات الاقتصادية بين سوريا وإيران وتعزيز التواصل على المستوى الاجتماعى والثقافى والإعلامى"، وفقا لما أوردته الوكالة الرسمية.
على هذا النحو يمكن مطالعة الدور الكبير الذى يقوم به السفير الإيرانى فى دمشق، جواد ترك آبادى، محتذيا حذو نظيره فى العراق، إيراج مسجدى، وهما اللذان تم تعيينهما فى منصبيهما بناء على اختيار من الحرس الثورى الذى يعتبر العاصمتين من مناطق النفوذ الحيوية التى يتم الاعتماد فيها على الدبلوماسية جنبا إلى جنب مع الاعتماد على السلاح.