"وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ"..هذه الأية الكريمة أول ما ترى عينك بمجرد أن تدخل من الباب الرئيسى لسجن النساء فى القناطر.
هنا سجن النساء..سيدات يتشحن بالملابس البيضاء، فاللون واحد والمكان واحد، لكن الجرائم متنوعة، ما بين قاتلة وسارقة وغارمة تتنوع الجرائم، فهنا سيدات مر على وجودهن سنوات طويلة، وأخريات ينتظرن سنوات أطول، فتختلف مدة السجن حسب نوع القضية ودور السجينة فيها.
إحدى السجينات مع طفلها
السجن لم يكن نهاية المطاف لهؤلاء السيدات، فهنا الجميع بدأ حياة جديدة، كلها عمل وجد، هنا خلية نحل لا تتوقف، سيدات قررن التغلب على وقت الفراغ بالعمل، والحصول على مصدر رزق حلال، يضمن لهن عدم العودة للجريمة مرة أخرى.
السجينات مع اطفالهن بحديقة الطفل
"اليوم السابع" أجرى معايشة لعدة ساعات داخل سجون النساء بالقناطر، أثناء إقامة وزارة الداخلية إحدى الحفلات بالسجن، فى إطار حرص الوزارة على استخدام فلسفة عقابية حديثة تجاه السجينات، وإعادة تأهيلهن للعودة للمجتمع مرة أخرى أشخاص أسوياء.
الزميل محمود عبد الراضى محرر اليوم السابع أمام بوابة سجن النساء
"داخل السجن نحقق مكسبا ماديا ومعنويا معاً"، هذا ما قالته السجينة "هدى.م" لـ"اليوم السابع"، والتى تقضى 5 سنوات سجن لاتهامها بالسرقة، قضت منهم 4 ، حيث حرضها زوجها على سرقة محال الصاغة وبيع المجوهرات والاستفادة من ثمنها، حتى تم القبض عليها في احدى الوقائع بمحافظة الشرقية، لتدخل السجن تاركة خلف ظهرها نجلها الوحيد الذى مازال فى سنواته الأولى.
فصول محو الأمية بسجن النسا
تكمل السجينة حديثها لـ"اليوم السابع": لم يكن السجن نهاية الدنيا، فقد تعايشت مع الظروف، وقررت العمل، ووفرت لنا مصلحة السجون بإشراف "محمد بيه" ـ تقصد اللواء محمد الخليصى مساعد وزير الداخلية لمصلحة السجون، كافة الإمكانيات للعمل، حيث وفروا لنا الخدمات والأدوات لإنتاج المفروشات.
وتقول السجينة، أتعشم أن يستقبلنى الناس عقب خروج من السجن كإنسانة عادية، فأنا لست من أرباب السجون، وهى "غلطة" لن تتكرر، وأصبحت من الكادحين على أرض هذا الوطن، وأساهم بجزء مما أكسبه لصالح صندوق تحيا مصر.
"عبير.ا" احدى النزيلات، تقول: هناك تطور غير عادى بالسجون، فأصبحت لدينا خدمات طبية جيدة، وهناك قوافل طبية لفحص السجناء باستمرار وعلاجهن بالمجان، وتوجد مستشفى داخل السجن بها كافة الإمكانيات، وهنا طاقم طبى على أعلى مستوى وتجرى بها بعض العمليات الجراحية أيضاً، حتى أصبحت هذه المستشفيات تضاهى الخاصة بالخارج، وأن الأمر لا يتوقف على علاج السجينات، بل هناك اهتمام بالغارمات وسداد ديونهن من زكاة ضباط الشرطة.
تجولنا داخل السجن، حتى وصلنا لـ"الحضانة"، حيث تقام على عدة أمتار، بها عدداً من الألعاب، حيث تسمح إدارة السجن للسجينات باستقبال أطفالهن فى مواعيد الزيارات الرسمية واللعب معهم داخل الحضانة وحديقة الطفل المجاورة لها.
وعلى بعد أمتار من هذه الحديقة الممتدة على عدة أمتار، التقينا بـ"فاطمة.أ" الحاصلة على لقب "السجينة المثالية" لعام 2017 بسجن النساء، والتى قالت: "إدارة السجن بتشيل الناس الكويسة على راسها.. واحنا هنا بنقضى عقوبة والناس متفهمة لدا كويس.. وبيساعدونا نؤهل نفسنا وما نرجعش هنا تانى بعد انتهاء العقوبة".
وتتحرك عدة خطوات على جانب مسرح الاحتفالات الموجود بالسجن، لتكتشف وجود مكان مخصص لأصحاب الهوايات ما بين رسم وعزف على الموسيقى وقراءة وعزل، وسيدات يشتركن فى مسابقات الشعر، وفتيات قررن أن يستكملن تعليمهن وأخريات يبحثن عن درجة الماجستير أو الدكتوراه من هنا.
لم تهتم مصلحة السجون بالمثقفات فقط من السجينات، وإنما كان لربات المنازل جزء من الاهتمام، فعلى بعد من المكان المخصص لممارسة الهوايات، تجد مكان عليه لافتة مكتوب عليها "محو الأمية"، حيث تسعى مصلحة السجون لتعليم السجينات اللاتى لم يتمكن من التعليم.
وبينما يسود الهدوء هنا.. فجأة تسمع صوت عال "انتبااااااه".. فتجد نفسك تقف أمام "سامية كمال" أشهر سجانة بسجن النساء، بملابسها الميرى ووجها الذى يحمل ملامح صارمة.
بعد استئذان قياداتها، تحدثت السجانة مع "اليوم السابع"، قائلة، أحضر من الصباح الباكر لعملى، ومهمتى الحفاظ على الأمن، ومنع تهريب الممنوعات للسجينات، والتعامل بحسم مع المخالفين، وتنفيذ القانون لا يعنى عدم الرحمة، فنحن ملتزمون بتنفيذ القانون فى اطار كامل لاحترام قيم حقوق الإنسان، فأساعد الأمهات على استقبال أطفالهن، واستوعب السجينات الجدد، فالأيام الأولى تكون صعبة على السجينة حتى تتعود على المكان الجديد.
وتقول السجانة، إنها تفصل تماماً بين عملها وحياتها فى المنزل، فهى أم لأطفال، تخلع شخصية السجانة مع خلعها للملابس الميرى، مؤكدة، أن الدراما شوهت صورة السجانة وهناك معالجات درامية خاطئة لا تمد للواقع بصلة.
فى نهاية اليوم، بعدما معايشة لعدة ساعات بين أسوار السجون، قررنا العودة للباب الرئيسى للخروج، وما أن تنتهى من عملية التفتيش وتلمس قدمك الأسفلت من جديد، لتقف دقائق تتنفس هواءً بقوة، وتحمد الله أنك لم تكن يوماً رقماً فى دفتر السجناء، تسترجع قصص وحواديت سمعتها يشيب لهولها رأس الرضيع، وتدرك أن الدنيا لا تساوى شيئاً ولحظة الضعف أمام الشيطان يقابلها سنوات طويلة داخل زنازين السجون.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة