كعادته بدا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فخورا بقراره ونفسه ومثيرا للقلق والسخط من الجميع، وهو يعلن فى الأول من يونيو الجارى، انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس العالمية لمكافحة تغير المناخ من أجل ما وصفه بـ"حماية أمريكا وشعبها".
فالاحتباس الحرارى - الذى أعلن ترامب انسحاب دولته القوة العظمى الوحيدة حاليا من الالتزام المشترك لحماية الأرض- هو الخطر الأكبر الذى يهدد الكوكب فى المستقبل القريب، وتعد دولته والصين هما المسئولان الأولان عن نحو 41 % من انبعاثات الغاز التى تسبب تغير المناخ.
ورغم أن اتفاقية باريس للمناخ مرنة للغاية وتسمح لكل دولة بوضع خططها الخاصة، وليس لها تأثير على السيادة، بل وتسمح للدول بأن تحدد نسب تقليل انبعاث الغازات بأنفسها، وليس عبر لجان خارجية، إلا أن ترامب تعهد بالخروج من أى اتفاقية "لا تضع أمريكا أولا".
ترامب يصرخ ويقول "نحن لا نريد زعماء آخرين وبلدان أخرى يضحكون علينا بعد الآن. ولن يفعلوا. لن يفعلوا"، وهو يقصد بذلك الصين.. لكن الأمر أكبر من ذلك، فذلك فى إطار خططه التى تستهدف دعم قطاع الطاقة واستخراج النفط الأحفورى ورفع القيود المفروضة عليه غير آبه بمخاطر التلوث البيئى
كارثة التغير المناخى التى تنتظر الأجيال المقبلة، عبر عنها رئيس مجموعة البنك الدولي، جيم يونغ كيم، فى منتصف يوليو 2013 فى تقرير للبنك الدولى بقوله: العلماء يقولون لنا إنه إذا ارتفعت حرارة العالم درجتين مئويتين – وهو ارتفاع قد نصل إليه فى غضون 20 إلى 30 عاما – فسوف يتسبب ذلك فى حدوث نقص غذائى واسع النطاق، وموجات حر لم يسبق لها مثيل، وأعاصير أكثر شدة. وعلى الأمد القصير، فإن تغير المناخ، الذى بدأ بالفعل يطرق أبوابنا، قد يضرب المناطق العشوائية بقوة أكبر ويلحق ضرراً هائلاً بحياة وآمال الأفراد والأسر الذين لم يكن لها يدٌ تذكر فى رفع درجة حرارة الأرض".
ما يشير إليه جيم يونج كيم، والتقارير الصادرة من الأمم المتحدة والبنك الدولى، تقول بوضوح إن ارتفاع درجة الحرارة الذى تتسبب فيه الدول الصناعية "الصين بنسبة 27% ثم الولايات المتحدة بنسبة 14 %، ثم دول الاتحاد الأوروبى 10 %، ثم روسيا بنسبة 6.5% ثم الهند بنسبة 5 %" سيكون تأثيره الأعظم على دول إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.. أى أن 4 دول وتكتل الاتحاد الأوروبى تتتسبب فى ما يقارب 64 % من انبعاثات الغاز، فهى من تجلب الخراب على الكوكب.. هذا الخراب الذى ستكتوى بناره الدول الفقيرة، التى لا تمتلك حتى الإمكانات والأموال الكافية لتلافى آثاره.
لماذا يجب أن نقلق من قرار ترامب بالانسحاب من التغير المناخى؟
قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف ما هى اتفاقية باريس وما أسبابها؟
اتفاقية باريس هى اتفاقية موقعة من 197 دولة فى العالم، تعنى بمواجهة التغير المناخى وارتفاع درجة حرارة الأرض الناتج عن انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحرارى، وقد اتفقت الدول على التالى:
واتفقت الدول الموقعة على الاتفاقية على:
- الاحتفاظ بدرجات حرارة الأرض بمستوى "أقل بكثير" من مستوى 2 درجة مئوية (3.6 فهرنهايت) فوق المستوى الذى كانت عليه فى أزمنة ما قبل الثورة الصناعية "والسعى لتقليلها" حتى إلى مستوى أكثر من ذلك وهو 1.5 درجة مئوية.
- تقليل كمية الغازات الدفيئة المنبعثة من نشاطات الإنسان إلى المستويات ذاتها التى يمكن للأشجار والتربة والمحيطات امتصاصها بشكل طبيعي، بدءا من مرحلة ما فى الفترة ما بين 2050 و 2100.
- مراجعة مساهمة كل دولة فى تقليل انبعاث الغازات كل خمس سنوات ما يسمح بقياس حجم مواجهة تحدى التغير المناخي.
- تمكين الدول الغنية من مساعدة الدول الفقيرة بتزويدها بتمويلات لمساعدتها فى التأقلم مع التغير المناخى والانتقال إلى مصادر طاقة متجددة.
- دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ فى نوفمبر الماضى، حيث صدق عليها 195 دولة من بين الـ 197 بلدا الأعضاء فى مجموعة الأمم المتحدة للتغير المناخى، بغياب سوريا ونيكاراغوا.
كيف تتأثر دول إفريقيا بالتغير المناخى؟
استعرض البنك الدولى فى سلسلة تقارير بعنوان "اخفضوا الحرارة" كيف يمكن أن تتأثر إفريقيا، حيث قال:
- فى أفريقيا جنوب الصحراء، بحلول ثلاثينات هذا القرن، ستؤدى نوبات الجفاف والحر الشديد إلى أن 40 فى المائة من الأراضى التى تُزرَع الآن بالذرة ستصبح غير صالحة لنمو ذلك المحصول، وقد يتسبب ارتفاع درجات الحرارة فى إلحاق خسائر جسيمة بأراضى السافانا العشبية مما يهدد سبل الرزق القائمة على الرعي.وبحلول خمسينات هذا القرن، من المتوقع أن تزيد نسبة السكان الذين يعانون نقص التغذية 25-90 فى المائة عن مستواها فى الوقت الحالى.
وفى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ستخلق الزيادة الكبيرة فى موجات الحرارة التى تصاحبها زيادة فى متوسط درجات الحرارة ضغوطا حادة على الموارد المائية ويسفر عنها عواقب ضخمة على الأمن الغذائى للمنطقة، فقد تنخفض غلات المحاصيل 30 % عند ارتفاع الحرارة ما بين 1.5درجة ودرجتين مئويتين وبنحو 60 فى المائة عند ارتفاع الحرارة 4 درجات مئوية. وفى الوقت ذاته، قد تزداد احتمالات نشوب صراعات نتيجة لما ستشهده المنطقة من هجرات وضغوط أخرى مرتبطة بالمناخ على الموارد.
وكيف تتأثر مصر بالتغير المناخى؟
مصر من أكثر الدول تأثرا، فمن المتوقع بحسب الدراسات، أن يحدث نقص فى إنتاجية المحاصيل بسبب الحر وتملح التربة. كما أن ارتفاع مستوى البحر نصف متر سيؤدي إلى غرق مليون فدان زراعى، كما سيؤثر التغير المناخى على إيراد نهر النيل والانخفاض المتوقع للأمطار وتدهور نوعية المياه الجوفية، نتيجة تداخل مياه البحر معا.
الدراسات التى أجرتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، بحيث تقرير عرضته وزيرة التعاون الدولى، فى يوليو 2016، فى المنتدى السياسي حول التنمية المستدامة التابع للأمم المتحدة، أشارت أيضا إلى أنه سيتم فقد شاطئ "جليم والشاطبى" بالإسكندرية إذا ارتفع مستوى البحر نصف متر فقط، وفى مثل هذه الحالة ستتجاوز قيمة خسائر الأراضى والمبانى والسياحة 32.5 مليار دولار.
كما تقدر خسائر الأعمال بـ127 مليون سنويًا نظرًا لأن معظم الفنادق والمعسكرات السياحية تقع على بعد 200-300 متر من حافة الشاطئ، وتفيد التقارير بأن كل ارتفاع فى مستوى البحر بمقدار متر يقابله 8 ملايين فرد فى مصر.
وبالرغم من أن حصة مصر فى انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية تقدر بـ0,6 % من المجموع الكلى لهذه الانبعاثات، إلا أن مصر لا زالت عرضة لمخاطر التغير المناخى، وطبقًا للدراسات التى أجرتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، من المحتمل أن يتم فقدان جزء كبير من شمال دلتا النيل مستقبلا نتيجة عوامل الإغراق والتعرية، مما سيؤدى إلى فقد الأراضى الزراعية والمناطق الحضرية.
لكن هل يعنى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس، أن العالم على شفا كارثة
الواقع يقول إن أمريكا ثانى أكثر دول العالم المتسببة فى التلوث المناخى، ورغم أن مدة الانسحاب ستستغرق فى أقل التقديرات عام واحد على الأقل، فإن لانسحابها تأثير فعلى.
وبالإضافة لذلك، ورغم أن الاتحاد الأوروبى والصين والهند والمؤسسات الدولية، أعلنت الالتزام بالاتفاقية حتى لو انسحبت الولايات المتحدة، إلا أن هناك مخاوف من اتباع دول أخرى لخطى "ترامب"، أو إبداء التزام أقل.
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد علي
هو الفقر مش عايز يفارقنا
حتى الكوارث الطبيعية لينا نصيب كبير فيها.. الدول الغنية تلوث البيئة وإحنا ندفع الثمن؟! مش عارف الفقر والنحس اللي ملازمنا ده مش هييجي يوم ويفارقنا؟!