تساءلت صحيفة "الجارديان" البريطانية عن أسباب عدم تعرض العاصمة الإيطالية روما لهجمات إرهابية شأنها شأن العواصم الأوروبية الأخرى، وقالت إن هذا ليس محض صدفة، وإنما عمل منظم لأجهزة الأمن يربط بين المراقبة والترحيل، الخبرة التى استقتها السلطات الإيطالية من سنوات حربها الطويلة مع عصابات المافيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن كل مرة كان يأتى فيها الإيطالى من أصل مغربى يوسف زغبة، أحد منفذى هجوم جسر لندن الثلاثة، إلى بولونيا، كان ينتظره رجل أمن بمجرد نزوله من الطائرة، فلم يكن سرا أنه تحت المراقبة.
"كانوا يأتون للتحدث معه فى المطار، ثم يأتى رجال شرطة خلال فترة إقامته مرتين يوميا لمتابعته، وكانوا ودودين معه، فيقولون له "يا بنى، قل لى ماذا كنت تفعل وماذا تفعل الآن، أخبرنى عن حالك"، بحسب تصريحات والدة يوسف إلى صحيفة "الجارديان".
وأضافت الصحيفة أنه فى الأسابيع التى تلت الحادث الإرهابى فى بريطانيا، أظهرت الاختلاف فى كيفية التعامل مع الإرهابيين المشتبه بهم فى كل من لندن وروما.
وقالت فاليريا كولينا، والدة يوسف إن السلطات البريطانية لم توقف قط ابنها فى المطار أو تستجوبه، رغم أن نظرائهم الإيطاليين حذروهم من أنه يمثل تهديدا.
ومن جانبه، أكد فرانكو جابريلى، رئيس الشرطة الإيطالية، أن بلاده حاولت تحذير المملكة المتحدة قائلا إن سكوتلاند يارد لم تعتبر زغبة "موضوعا ذات اهتمام بالنسبة للشرطة والمخابرات البريطانية".
ورغم أن ايطاليا عانت من العنف السياسى فى العقود الأخيرة، وشهدت مقتل أشخاص مثل قضاة بارزين مناهضين للمافيا فى التسعينيات، إلا أنها على عكس جيرانها الأوروبيين، لم تشهد هجوما إرهابيا كبيرا منذ الثمانينات.
ولكن هل إيطاليا محظوظة حتى تكون بمنأى عن الإرهاب، تتساءل الجارديان، أم هل ساهمت سياساتها الخاصة بمكافحة الإرهاب – تلك السياسة التى نبعت من سنوات الخبرة فى محاربة المافيا ومن العمل الاستخباراتى المنظم ومن المعاناة من العنف السياسى الدموى لما يقرب من عقد خلال السبعينيات – فى منح المسئولين الإيطاليين الأفضلية أمام تنظيم داعش، أم هل هناك عوامل أخرى؟
وتجيب فرانشيسكا جالى، أستاذ مساعد في جامعة ماستريخت وخبير في سياسات مكافحة الإرهاب على هذا التساؤل قائلة: "الاختلاف الرئيسى هو أن إيطاليا ليس لديها عدد كبير من المهاجرين من الجيل الثانى الذين كانوا متطرفين أو من المحتمل أن يكونوا متطرفين".
وأضافت جالى أن مراقبة إرهابى مشتبه به تستدعى عمل 20 شخصا بدوام كامل. وبطبيعة الحال، فإن وفرة الموارد اللازمة لمراقبة أى شخص عن كثب تصبح أكثر تحديا إذا كان هناك عدد أكبر من المشتبه بهم.
ورغم وجود حادثتين أخرتين - حالة الزغبة، وحادث إرهابى آخر غير مميت فى ميلانو تعرض فيه جندى وشرطى للطعن من قبل إيطالى كان والده فى شمال أفريقيا – واللتان تعكسان تحولا محتملا فى صورة التهديد فى إيطاليا، إلا أن المحللة ترى إن الشرطة الإيطالية وقوات مكافحة الإرهاب بشكل عام لم تضطر إلى التعامل مع عدد كبير من الأشخاص الذين قد يكونون عرضة لخطر التطرف على عكس فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة.
وتضيف الجارديان أن هذا ليس معناه أن إيطاليا بعيدة عن خطر الإرهاب والتطرف.
ويقول بعض الخبراء إن إيطاليا استطاعت مواجهة تهديد داعش داخليا عن طريق إتقانها لأدوات القانون والشرطة والتى طورتها خلال أعوام الخبرة فى التحقيقات المتعلقة بالمافيا - والتى ولدت بدورها مما يسمى بـ"سنوات الرصاص" وهى الفترة بين فى أواخر الستينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين والتى شهدت اندلاع أعمال إرهابية سياسية قام بها مسلحون يساريون ويمينون.
ووفقا للأرقام الصادرة عن وزارة الداخلية الإيطالية، أوقفت سلطات مكافحة الإرهاب واستجوبت 160.593 شخصا بين مارس 2016 إلى مارس 2017. وأوقفوا واستجوبوا نحو 34 ألفا في المطارات، واعتقلوا نحو 550 شخصا يشتبه فى أنهم إرهابيون، وحكم على 38 شخصا بتهمة الإرهاب. وأغلق أكثر من 500 موقع ويب، ورُصد ما يقرب من نصف مليون موقع.
ويقول جيامبيرو ماسولو، الذى شغل منصب مدير المخابرات الإيطالية في الفترة من 2012 إلى 2016، أنه لا توجد "طريقة إيطالية" خاصة لمكافحة الإرهاب.
وأضاف "لقد تعلمنا درسا قاسيا للغاية خلال سنوات الإرهاب.. واستخلصنا منها مدى أهمية الحفاظ على حوار مستمر على مستوى التشغيل بين المخابرات وقوات إنفاذ القانون. والواقع، الوقاية أمر أساسى حتى تكون مكافحة الإرهاب فعالة ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة