ليلة بائسة مرت على القطريين فى أول أيام عيد الفطر المبارك الذى حل دون مظاهر للبهجة وشعب تحمل أعباء اقتصادية من زيادة أسعار السلع بسبب مقاطعة أكثر من 12 دولة لقطر وأخرى اجتماعية بسبب حرمان العائلات الخليجية المتداخلة بين دول مجلس التعاون الخليجى من لم شملهم فى يوم لا يعيشه العالم الإسلامى سوى مرة واحدة كل عام.
فرحة العيد التى لم يشعر بها القطريون يتحمل ذنبها حكام قطر الذين رفضوا الاستماع إلى صوت العقل فى الساعات الأولى لاندلاع الأزمة عندما قررت السعودية ومصر والإمارات والبحرين قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع قطر بسبب سياستها الداعمة للإرهاب، وبدلا من أن يعمد القائمون على حكم الإمارة إلى تغليب مصلحة شعبهم استمروا فى التصعيد مما دفع بالأزمة إلى التفاقم، وبعد ما يقرب من شهر أصبحت الأوضاع داخل الدوحة فى مهب الريح.
تميم بن حمد الأمير الشاب الذى غره النفوذ والسلطة المسئول الأول عن حرمان الشعب القطرى من فرحة عيد الفطر، فرفض أن يعترف بما اقترفه نظامه خلال السنوات الأربع الأخيرة من دعم الجماعات الإرهابية فى دول المنطقة وتأجيج الصراعات فى ليبيا ومصر وسوريا وتوفير الملاذ الأمن لقيادات جماعة الإخوان الإرهابية المتهمون بارتكاب أعمال إرهابية فى مصر وتهديد أمنها واستقرارها، وتنظيم داعش الذى مثل على مدار سنوات الحافظة المالية له والتى عاونته على الاستمرار والنمو، وعلاقته بالنظام الإيرانى الذى يعبث بأمن واستقرار الخليج العربى.
وبدلا من أن يصلح تميم ما أفسده اتجه نحو تصعيد الأزمة فى وجه جيرانه غير مبالى بما سيجنيه شعبه من جراء الأزمة السياسية، وأغلق الباب فى وجه أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذى حاول تقديم وساطة بين قطر والدول الغاضبة منها واحتواء الأوضاع فى المنطقة، وارتمى أمير قطر فى أحضان تركيا وإيران واستبدلهم بالأشقاء، وبعد فرض دول الخليج ومصر مقاطعة اقتصادية مع قطر وتعرضت الأسواق لأزمة نقص فى السلع عوض تميم هذا النقص من طهران وأنقرة متجاهلا الثمن الباهظ الذى سيدفعه من سيادة بلاده فى المقابل.
ليست الأسواق القطرية فقط التى فتحها أمام السلع التركية والإيرانية وإنما أيضا أصبحت الدوحة مرتعا للحرس الثورى الإيرانى والجيش التركى اللذان احتمى بهم تميم، وأصبح هو وأسرته والمبانى السيادية والمؤسسات الحيوية داخل العاصمة القطرية الدوحة فى قبضة الحرس الثورى بالكامل بعد تزايد الخوف من انقلاب داخلى عليه بعد كشف الفساد الذى شاب سنوات حكم الأمير الشاب الضئيلة.
كما صدق البرلمان التركى بشكل سريع فى أعقاب الأزمة الدبلوماسية بين الدوحة والدول العربية، على تشريع يتيح إرسال مئات الجنود الأتراك لقطر، وقبل العيد بـ48 ساعة وصلت طلائع الدفعة الثانية من القوات العسكرية التركية، إلى قاعدة العديد فى قطر، لتلتحق بالقوات التى كانت قد وصلت فى وقت سابق.
ليس تميم وحده الذى يتحمل مسئولية حرمان القطريين من فرحة العيد..وإنما الجانب الأكبر يقع على عاتق المرأة الحديدية التى تقف خلفه وتتحكم فى كافة الخيوط داخل الإمارة، فوالدته موزة بنت مسند هى المدبر الأساسى لكل ما تقوم به قطر فى المنطقة والتى وقفت خلف تميم لينقلب على والدة منذ أربعة أعوام ولتظل هى الشخص الأول المتحكم فى مصير قطر.
"موزة" لم تجنح إلى السلم بل ظلت تحرض فى أبنها ضد الدول الخليجية ليصعد من الأزمة وعملت لإفشال كافة محاولات الوساطة لاحتواء الأوضاع، وذلك خوفا من أن يضيع حكم ابنها للإمارة الخليجية ويذهب معه نفوذها الذى بلغ ذروته فى الأعوام الأخيرة، فوالدة تميم خططت منذ اليوم الأول لدخولها العائلة الأميرية كزوجة ثالثة لولى العهد – أنذاك - حمد بن خليفة آل ثان، لتصبح الأمر الناهى والحاكم الفعلى فى قطر، وخططت لانقلابا ناعما تحولت بموجبه إلى المحرك الأساسى لكل خطوات الإمارة الخليجية سواء الداخلية أو الخارجية.
واستطاعت موزة منذ اللحظة الأولى لدخولها إلى العائلة المالكة أن تتغلغل إلى كافة مفاصل الدولة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ووقفت خلف زوجها فى تسعينيات القرن الماضى كمحرضة لينقلب على والده ويستولى على الحكم، ثم أطاحت بالمنافسين لأبنائها على تولى العرش، إلى أن وصلت بتميم – ابنها الأصغر – لكرسى الحكم فى 2013.
واعتبر المراقبون إن وصول تميم للحكم فى قطر يؤكد مدى نفوذ الشيخة موزة فى هذه الدولة الصغيرة، خاصة أنها ظلت هى السيدة الأولى للدولة والواجهة النسائية الوحيدة للإمارة الخليجية على الرغم من أن تميم له زوجتان ولكن لم يظهرا قط فى أى من الفعاليات، فهى لم تغادر الحكم مع زوجها بل ظلت الحاكمة للإمارة بجانب ابنها تميم، تلعب دورًا رئيسيًا فى سياسات قطر وأجهزتها الإعلامية وفى مقدمتها قناة "الجزيرة"، ليتبين أنها هى من تدير فعليا شئون البلاد من خلف الكواليس.
ومن تميم وموزة إلى العقل المدبر منذ البداية للمسار الإرهابى الذى سلكته الإمارة الخليجية، فبعد اختفاء حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطرى السابق لسنوات عن الساحة السياسية عاد مجددا للظهور بعد أيام من أزمة الدوحة مع محيطها العربى والإقليمى، ليلقى خطابا أجج به الأوضاع أكثر مما كانت عليه وزاد من تفاقم الأزمة التى يعانى منها الشعب القطرى.
حيث خرج بن جاسم فى حوار طال خلاله الانتقادات إلى سياسة السعودية والدول المقاطعة لقطر، وقال فيه "لم نكن نتوقع هذا السلوك السياسى الغير مقبول من الأشقاء، فنحن لسنا فريسة سهلة و قطر نعم دولة صغيرة الحجم و لكنها قوية بمكانتها العالمية"، ورفض الاعتراف بجرائم قطر مشددا على أنها لم تدعم الإرهاب وكانت ولا تزال تحاربه.
وبدلا من الاعتراف بأخطاء الأمير الشاب ومحاولة تصويبها استمر بن جاسم فى السير على نفس النهج، وعمد إلى تبرير تلك الاتهامات وقال " إن الاتهامات التى وجهتها بعض الدول الخليجية لدولة قطر لا تقف على أرضية صلبة، وأرفض المساس بسيادة قطر أو التشكيك فى نزاهتها"،
وصعد بن جاسم من المواجهة مع دول الخليج وطالب الدول التى قاطعت قطر بـ"تقديم أدلة حول ادعاءاتها بتمويل الإرهاب"، مشيرا إلى أن "ما تدعيه هذه الدول بنشرها قائمة ما يسمى بالإرهاب، لم تزود بها دولة قطر فى وقت مبكر عن طريق القنوات الصحيحة"، وأعرب عن استغرابه للموقف الذى قامت به الدول المقاطعة، والذى جاء بعد وقت قصير من مشاركة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثانى فى القمم التى عُقدت فى الرياض مع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب.
ولاشك أن حمد بن جاسم كان اليد الأولى التى أججت الخلافات بين قطر والسعودية عندما ناطح بسياسته المملكة رغبة فى انتزاع مكانتها فى المنطقة، وعمل على ذرع الفتنة فى المنطقة العربية وتأجيج الصراعات فى العراق وسوريا وليبيا ومصر، ودعم تنظيم القاعدة حزب الله اللبنانى وحركة حماس، فى الوقت الذى قام فيه بتقوية العلاقات الخفية بين الدوحة وتل أبيب، فضلا عن الصفقات الاقتصادية التى قادها رئيس الوزراء الأسبق وشابها تهم غسيل أموال.
هؤلاء الثلاثة هم أركان النظام القطرى، موزة بنت مسند المدبر الأساسى والمحرك لتحركات الإمارة، وحمد بن جاسم رأس الأفعى التى رسمت مسارات السياسة الخارجية الإرهابية لقطر خلال السنوات الآخيرة، وتميم بن حمد الأمير المزهو بالسلطة والنفوذ ..وهؤلاء الثلاثة يتحملون مسئولية الأزمة التى يمر بها الشعب القطرى وتأجيج الخلافات مع دول الخليج ومصر، والتى قد تتخذ منحنى متصاعد خلال الفترة المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة