لو تفكر الإنسان فى قيمة المحن التى يمر بها وقَدَّرها ؛ لتمنى أن تكون أغلب حياته مجموعة من المحن، فالمحنة هى التى تردنا إلى صوابنا، وهى التى تجعلنا نعرف الحياة على حقيقتها، وهى التى تُعرفنا طريقنا إلى الله، فلكى نعرف الحق لابد أن نقابل الباطل، والباطل قد يظن للحظات أنه الأصح والأقوى ؛ لأنه قد يفوز فى بعض المعارك، ولكنه لو انتظر للنهاية، سيدرك أنه هُزِمَ فى نهاية الحرب.
فطبيعة الإنسان أنه متعجل، فهو دائمًا ينتظر النتيجة السريعة، ولا يتحمل فكرة الانتظار ليعرف الأمور على حقيقتها، فالحياة سلسلة لن نصل إلى نهايتها، إلا بمرورنا على جميع حلقاتها، ولكى ندرك أننا على حق، فلابد أن نقابل كل الشوائب التى قد تهز بعض ثقتنا فى أنفسنا، ولكننا فى النهاية قطعًا سنصل إلى الطريق الصحيح، ونعرف الحق من الباطل .
فمن منا لا يعرف "هولاكو" قائد التتار الذين دخلوا البلاد الإسلامية وغزوها، فبينما كانت ابنته الأميرة تتجول فى شوارع البلاد رأت جمعًا غفيرًا من الناس يجتمعون فى مجلس علم لرجل من العلماء، فأمرت أن يأتوها به مربوط القدميـن واليدين، منزوع الحذاء والجورب والعمامة، ففعلوا، ولما وضعوه أمامها، قالت له : "أأنت رجـل دين ؟"، فقال : "أجل"، فقالت : " إن الله يُحبنا ولا يُحبكم، فقد نصرنا عليكم، ولم ينصركم علينا، وقد علمت أن الله تعالى قال : (والله يؤيد بنصره من يشاء) "، فلم يُجب العالم واشترط كى يُجيب على سؤالها أن يفكوا قيده، فوافقت وأعـادت عليه الكلام، فقال لها : "أتعرفين راعى الغنم ؟" فردت بالإيجاب، فقال : أليس عنـده من غنــم"، فقالت لـه : " بلى"، قال : "ألا يوجد بين رعيته بعض من الكلاب ؟"، فقالت : "بلى"، قال : "وما عمل الكلاب ؟"، قالت : "يحرس له غنمه، ويُعيد له الغنم الشاردة، حتى ولو أصابها بجروح إذا امتنعت وأبتْ"، فقال لها : " إنما مثلنا ومثلكم كذلك، فالله تعالى هو الراعى ونحن الغنم، وأنتم الكلاب، فلما شردنا عن أوامره سلط علينا الكلاب ليردونا إليه مرة أخرى" .
أى أننا عندما نقع فى المحن، علينا ألا نظن أنها نهاية المطاف، بل على العكس، فهى البداية لكى نستعيد أنفسنا، ونسترد قوتنا، وعلينا ألا نظن أن انتصار الشر دليل على قوته أو صواب نهجه، بل إنه هو الوسيلة التى تعيدنا إلى أنفسنا وإلى الحق .
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة