نار تحت الرماد، وصراع يهدأ أحيانا ليتجدد مرة أخرى ويطفو على سطح المشهد السياسى فى إيران، ذلك التنافس الذى يدور بين مؤسسة الحرس الثورى المتربعة على قمة هرم السلطة إلى جوار المرشد الأعلى، والرئيس الذى يمثل سلطة تنفيذية ويحتل المرتبة الثانية فى قمة الهرم، صراع أزلى لطالما بقيت هيمنة هذه المؤسسة العسكرية على السياسة وإدارة الاقتصاد ورفضت سياسة الانفتاح لروحانى.
يخوض الرئيس حسن روحانى معركة كبرى ضد الحرس الإيرانى الثورى منذ صعوده فى 2013، ويواجه طموحه فى خلع يد الحرس الثورى المهيمنة على السياسة والاقتصاد فى البلاد عنف من قادته إساءة من أنصاره، حيث تأجج الثلاثاء، سجال قديم جديد بين الحرس الثورى وروحانى، بعد سلسلة تصريحات جريئة للرئيس تجاه المؤسسة العسكرية، كانت آخرها تصريحات أطلقها على مائدة إفطار مع نشطاء اقتصاديين يوم الخميس الماضى شبه فيها الحرس الثورى بدولة تحمل البندقية تهيمن على الاقتصاد والسياسة والإعلام فى البلاد.
روحانى وقائد الحرس الثوري
"بندقية" روحانى التى أثارت غضب الحرس الثورى
أثارت بندقية روحانى غضب دولة الحرس الثورى فى طهران، بعد ما اعتبر أن جزءاً من الاقتصاد تم تسليمه إلى الحرس الثورى بذريعة الخصخصة، وقال "خامنئى أكد على أن الهدف من تنفيذ المادة 44 من الدستور هو تسليم الاقتصاد الى المواطنين مضيفا "فماذا عسانا أن نفعل بعد أن سلمنا جزءا من الاقتصاد الذى كان فى يد دولة بلا بندقية إلى دولة تحمل البنادق، هذا ليس اقتصاد أو خصخصة".. وقال أيضا أن "تلك الحكومة التى تمتلك البندقية تمتلك أيضا وسائل إعلام وكل شىء، ولا يجرؤ أحد على منافستها".
تصريحات روحانى كانت كالصاعقة على مسامع قادة الحرس الثورى وأنصاره فى الشارع الإيرانى، فبعد 24 ساعة منها هاجم أنصاره فى الشارع روحانى فى مسيرات يوم القدس العالمى، وأطلقوا هتافات مناهضة له، واتهموه بالخيانة وتشبهه بالرئيس المعزول الأسبق أبو الحسن بنى الصدر، ذلك التشبيه الذى لوح به المرشد فى وجه روحانى، كما وصف أنصار المتشددين نائبه اسحاق جهانجيرى بالمساوم مع اعداء البلاد. وكانت إحدى الهتافات التى رددوها "مبارك عليك الالتحاق ببنى الصدر.. الموت لرجل الدين الأمريكى.. الموت لأصحاب الفتنة.. الموت لنبى الصدر".
أما قادة الحرس الثورى فتفجر غضبها أمس، حيث شن محمد على جعفرى قائد الحرس الثورى، هجوما عنيفا على روحانى، معتبرا أن بنادقه من أجل الحفاظ على أمن الشعب وقال "امتلاكنا للصواريخ واستخدامها ضد الأعداء من أجل المحافظة على أمن الشعب ولمواجهة أطماع القوى المعادية المتغطرسة، معتبرا أن أى دولة لا تمتلك السلاح يتم اذلالها.
وردا على استياء روحانى من تغلغل الحرس الثورى فى الاقتصاد، قال جعفرى على هامش اجتماع مجلس استراتيجية البناء والاعمار التابع للحرس الثورى أن "الحرس الثوري لا يمارس نشاطات اقتصادية وربحية، بل إن نشاطاته ترتكز على إزالة الحرمان، والقيام بفعاليات عمرانية، واجهاض استراتيجية العدو لفرض الضغوط الاقتصادية على البلاد". وقال اللواء جعفرى أنه لولا أنشطة الحرس الثورى في البناء والاعمار، لكانت إجراءات الحظر مستمرة حتى الآن وتسببت بصعوبات للحكومة والبلاد، مضيفا أن عقيدتنا هو ضرورة بناء إيران بدون الاعتماد على الأجانب.
وخاطب روحانى بشكل مبطنا قائلا "يتفاخرون بالمشاريع التى ينجزها الحرس الثورى، وفى الوقت الذى يدينون لنا فيه بمليارات الدولارات يهاجموننا بلا إنصاف" فى إشارة مبطنة إلى روحانى الذى دعا الحرس الثورى للابتعاد عن السياسة وممارسة مهامه المقتصرة على حماية البلاد.
قادة الحرس الثورى
تدخلات الحرس الثورى فى السياسة
شارك الحرس الثورى، فى قمع الاحتجاجات الطلابية التى حدثت فى 1999 وسقط خلالها 7 من الطلاب، وعرفت إعلاميا بأحداث الحرم الجامعى، وفى عام 2009، تسببت الشكوك فى أن الحرس الثورى وميليشيا الباسيج زورا نتائج الانتخابات لصالح الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، فى 2009 ، بخروج مظاهرات فى جميع أنحاء البلاد، قوبلت بقمع شديد من عناصر الحرس الثورى، ووفقا لمنظمات حقوقية فقد قتل العشرات واعتقل المئات فى أكبر اضطرابات فى تاريخ الجمهورية الإسلامية.
كما امتلك الحرس الثورى داخل إيران، نفوذ كبير داخل التيارات السياسية، فتدخل فى الانتخابات الرئاسية يوليو2017 الماضى لدعم من يرضى عنه الولى الفقيه المرشح "إبراهيم رئيسى"، وكانت تحذيرات روحانى فى مايو الماضى خلال الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية، بمثابة خروج الصراع بين المؤسسة العسكرية والحرس الثورى إلى العلن.
وانتقد روحانى، دور الحرس الثورى المشبوه فى نسف أكبر انجازاته متمثلة فى الاتفاقية النووية، عبر إطلاق الصواريخ الباليستية، ونشره صور قواعد تحت الأرض لصواريخ إيرانية باليستية مكتوب عليها شعارات تهدد السلم فى الإقليم والعالم.
المؤسسة العسكرية فى إيران
كيف ساعدت الخصخصة على هيمنة الحرس الثورى على الاقتصاد
فى عام 2006 أصدر المرشد علي خامنئى مرسوماً بخصخصة 80% من القطاع العام وهو ما فتح الباب أمام الحرس والشركات التابعة له للاستحواذ على نصيب الأسد من شركات هذا القطاع، حيث تشير التقديرات إلى أن 13.5% فقط من الشركات المملوكة للدولة انضمت فعلياً للقطاع الخاص، فيما استحوذ الحرس على النسبة المتبقية، والتى تبلغ إجمالى قيمة أصولها 70 مليار دولار، ويقدر الدخل السنوى للحرس الثورى من مجمل أنشطته التجارية بما بين 10 و12 مليار دولار، وفى عهد الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، حصلت شركة "خاتم الأنبياء" للإعمار التابعة للحرس على عدد غير مسبوق من العقود التى تم منحها دون مناقصات وفازت بعشرة آلاف مشروع فى الفترة من 2006 لـ 2013.
حسن روحانى
أخطر تصريحات لروحانى أثارت غضب الحرس
وعلى مدار الأشهر الماضية ساهمت تصريحات روحانى فى تأجيج الصراع مع تلك المؤسسة، ففى يوليو الماضى، حذر الرئيس الإيرانى حسن روحانى الحرس الثورى وميليشيا الباسيج التابعة له على عدم التدخل فى الانتخابات الرئاسية، وقال "لدينا طلب واحد فقط: أن تبقى الباسيج والحرس الثورى فى أماكنهما لأداء عملهما".وعزز روحانى نداءه باقتباس كلمات الزعيم الأعلى الراحل آية الله روح الله خمينى مؤسس الجمهورية الإسلامية الذى قال روحانى إنه حذر القوات المسلحة من التدخل فى السياسة.
وفى المناظرات الانتخابية أيضا يوليو الماضى، اعتبر روحانى أن تلك المؤسسة دمرت البلاد بسبب سلوكها العسكرى، وقال مخاطبا المرشح الأصولي الخاسر ورئيس بلدية طهران قاليباف "أنتم خربتم بما يكفي السنوات الماضية والشعب سيقول كلمته الجمعة المقبلة".
وكرر روحانى على مسامع قادة الحرس الثورى تصريحات وصف فيها عناصره بـ"تجار العقوبات" الذين اعتاد الحديث عنهم منذ عام 2015 أى وقت توقيع الاتفاق النووى، وفى تصريح له أثناء جولاته الانتخابية الشهر الماضى قال روحانى "فى الأربع سنوات الماضية استاء تجار العقوبات من كساد تجارتكم، تريدون أن تعيدونا إلى الوراء 4 سنوات، نحن لا نتراجع واختارنا طريقنا".
واتهم أيضا روحانى الحرس الثورى والمتشددين بقمع الجريات، وقال الشهر الماضى "أقول لأولئك الذين قطعوا الألسن وكمموا الأفواه وكسروا الأقلام، ألّا يتحدثوا عن حرية التعبير والإنتقاد، فالحرية ستخجل!". ووجه اتهامات لجنرال الحرس الثورى السابق قاليباف، بالمشاركة فى قمع الاحتجاجات الطلابية التى حدثت فى ١٩٩٩ وقتل فيها ٧ من الطلاب، وعرفت إعلاميا بأحداث الحرم الجامعى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة