سنوات طويلة كانت لندن خلالها ملاذاً آمناً، ومصدر تمويل لا ينقطع لجماعة الإخوان الإرهابية ، فقبل عام وبضع شهور، كانت الجماعة تواصل عبر تنظيمها الدولى جولات التحريض ضد دولة ما بعد 30 يونيو فى محاولة لقطع طريق القاهرة أمام إقامة علاقات سوية مع محيطها الإقليمى والدولى وكانت لندن أحد أبرز محطات إيواء ورعاية هذا التحريض، قبل أن تكتوى بنيرانه فى سلسلة لا تنقطع من العمليات الإرهابية.
فى العاصمة البريطانية ، وداخل مجلس العموم ، كان التنظيم الدولى لجماعة الإخوان على موعد مع مؤامرة جديدة فى 10 يونيو 2016.. بث قيادات الجماعة الإرهابية ، الدكتور إبراهيم منير ، نائب مرشد عام الاخوان ، ومروان المصمودى مستشار زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشى، وأنس التكريتى مدير مؤسسة قرطبة فى تركيا سمومهم ضد دول الشرق الأوسط وبلدان الربيع العربى، وكان للدولة المصرية التى وقفت مبكراً فى الصفوف الأولى من الحرب على الإرهاب، النصيب الأكبر من تلك السموم.
بأكاذيب الإخوان وبتدليس الحكومة البريطانية ونوابها فى مجلس العموم ، استطاعت الجماعة الافلات من الانضمام لقوائم الإرهاب، بل انتهى تقرير للجنة العلاقات الخارجية فى المجلس إلى أن الجماعة "كانت حائط صد ضد التطرف"، دون أن يدرى المجلس، ودون أن تدرك الحكومة البريطانية أنهما سيكونان فى مرمى نيران إرهاب الجماعة وما ينبثق عنها من تنظيمات إرهابية .
وقبل أن ينقلب السحر على الساحر، كان للإخوان فى بريطانيا ـ ولا يزالون ـ وجوه عدة، من بينها جمعية "أمانة الإيمان" التى تقدم نفسها للمجتمع البريطانى على اعتبارها "جمعية خيرية" بخلاف ما تقوم به من نشاطات على صلة بالتنظيم وقياداته داخل وخارج المملكة المتحدة.
وتساهم جمعية أمانة الإيمان فى تشكيل وعى النشئ وتجنيد أبناء أفراد الجاليات المسلمة داخل المملكة المتحدة منذ الصغر ، عبر سلسلة من المدارس المسائية التى يعمل بها مسئولون منتمون للجماعة الإهاريية.
ومن خلال جمعية نفسها، بدأ اسم الكويتى خالد المذكور المقرب من جماعة الإخوان يتردد بقوة داخل الأوساط البريطانية، حيث يشرف مع عصام الفليج بحسب ما نشرته صحيفة "تليجراف" اليوم الأحد على بناء مسجد كبير فى مدينة "شيفلد" ليكون أحد أبرز الواجهات التى تمكنت التنظيم من التسلل إلى عقول وأذهان مسلمى بريطانيا.
ولا يختلف مسجد شيفلد الذى رصدت قطر لتمويل انشاءه قرابة 400 ألف استرلينى عما دونه من مساجد ومؤسسات خيرية يسيطر الإخوان على مفاصلها، ويستقطبوا من خلالها الشباب البريطانى والأوروبى بشكل عام لضمه إلى صفوف التنظيم، واستدراجه فى رحلة مفتوحة من التطرف والإرهاب، تنتهى فى ميادين داعش القتالية.
ومع تعدد أوجه الإخوان داخل بريطانيا، كان طبيعاً أن تتزايد التقارير المحذرة من دور لندن المشبوه فى دعم وتمويل المليشيات الإرهابية فى مناطق النزاعات العربية .. وفى اتهام شبه رسمى، ألمح مندوب روسيا لدى مجلس الأمن فلاديمير سافرونكوف منتصف إبريل الماضى، إلى تورط بريطانيا فى هجمات كنائس طنطا والإسكندرية التى وقعت فى احتفالات أحد السعف ، وقال سافرونكوف خلال اجتماع للمجلس الحكومة البريطانية تأوي وتدعم المليشيات والجماعات الإرهابية التى نفذت هجوماً ضد الكنائس فى أحد الشعانين (السعف)"، فى إشارة إلى التفجيرات التى ضربت كنيستى طنطا والإسكندرية قبل أيام.
وبعد أقل من شهر على حادث مانشستر أرينا الإرهابى ، وبعد قرابة ثلاثة أشهر على هجمات لندن الأولى التى وقعت فى محيط مقر مجلس العموم البريطانى تتزايد فى الداخل البريطانى الدعوات المطالبة بإعادة النظر فى دعم الحكومة البريطانية وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية لجماعة الإخوان واستضافتها قيادات الصف الأول للتنظيم الدولى للجماعة.
ومن دعم وتمويل الإخوان ، إلى السقوط فى شباك التنظيم ، واصلت لندن رحلتها مع الاختراقات الأمنية والارتباك داخل المشهد العام من ميادين النزاع داخل الشرق الأوسط ، وصولاً إلى زلزال بريكست الذى ضرب الشارع السياسى فى عاصمة الضباب بقوة ، ودفع مؤسسات وشركات متعددة الجنسيات وآخرى تؤمن بأوروبا منزوعة الحدود إلى مراجعة حساباتها ، لتجنى لندن ثمار زرعتها الشيطانية وتكتوى بنيران الإرهاب.
وفى الوقت الذى يتلقى فيه مصابى هجمات لندن العلاج داخل 5 مستشفيات ، وقبل انتهاء تحقيقات الأجهزة الأمنية البريطانية ، خرجت تقارير إعلامية عدة لتحذر من خطر العائدون من تنظيم داعش ممن يحملون الجنسية الانجليزية وسط مخاوف متزايدة من صعوبة رصد حركة هؤلاء لوجود علاقات وثيقة تربطهم بأطراف داخل بريطانيا بالفعل وهم من يتولون الإشراف على تلك الجمعيات الخيرية والمساجد والمراكز الإسلامية الخاضعة لقيادات التنظيم الدولى للإخوان.
وتظل رئيسة الوزراء تريزا ماى التى بررت وقوع الحادث بسبب "التساهل مع الإسلام المتطرف" ، مطالبة ـ حال فوزها فى الانتخابات المرتقبة ـ بعدم التساهل مرة آخرى، وأن تنقل تلك التصريحات إلى حيز الفعل وتعيد النظر بشكل عاجل فى علاقة الاستخبارات البريطانية والدوائر الحكومية الرسمية داخل لندن بجماعة الإخوان وما تربطها من كيانات وجمعيات أهلية وخيرية.