الحزن والفرح ربما لا يجتمعان معا أبدا، ولكن ربما الذكرى اليوم تمثل مزيجا للمصريين ما بين مرارة النكسة فى 5 يونيو، ونشوة وسعادة عبور العاشر من رمضان.
ست سنوات هى ما احتاجه المصريون ليعبروا من الهزيمة إلى النصر، وحينها تم رسم ملحمة تاريخية استطاعت خلالها الجيوش العربية بقيادة القوات المسلحة المصرية، والجيش السورى من تحقيق أول وآخر انتصار عربى على الكيان الصهونى.
لكن السؤال الأهم كيف استطاع المصريون العبور، بعد تلك الفترة وأمام عدة موانع مادية ومعنوية هائلة تغنى بها كثيرا العدو الصهيونى ما بين خط بارليف المنيع، ومواسير النابالم والجازولين التى وضعها الإسرائيليون على جانبى شط قناة السويس حتى يمنعوا أى محاولات للعبور، بجانب أسطورة الجيش الذى لا يقهر، كلها معوقات تجعل من العبور أمرا صعبا ويكاد يكون مستحيلا.
ورغم العوامل الكثيرة للنصر يبقى "العِلْم" وحده صاحب الفضل فى العبور والعودة بالأرض الضائعة، فبالعلم استطاع المصريين إزالة خط بارليف المنيع، عن طريق مضخات المياه، وذلك بعد دراسة قدمها المهندس بدرجة مقدم "باقي زكي يوسف" قام بعرضها على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، فى سبتمبر عام 1969، عن طريق استخدام ضغط المياه العالى فى تجريف جبال الرمال وفتح ممرات يستطيع من خلالها جنود القوات المسلحة من عبور الجهة الشرقية من قناة السويس.
بالعِلْم أيضًا تمكن الرائد مهندس أحمد مأمون من خلال دراسة علمية التوصل لمادة تعطل مواسير النابالم، قدمها للرئيس الراحل أنور السادات ليقوم الضفادع البشرية للقوات المسلحة بسد فتحات تلك المواسير والتى قدرت بحوالى 360 فتحة بطول شط القناة.
الإستراتيجيات العلمية والخططية أيضا تمكنت بالقيادة المصرية، للوصول لتكتيك الوقت المناسب لتبدأ الحرب، فلم يتوقع أحد من الجانب الإسرائيلى، قيام الهجوم المصرى فى يوم الغفران وقت الظهيرة وبالتزامن مع صيام شهر رمضان، فسبب شلل تام للعدو الإسرائيلى افقدهم توازنهم فى ساعات قليلة.
كل ما سبق كان له إرادة حقيقة من القيادة المصرية فى ذلك الوقت بداية من الزعيم جمال عبد الناصر مرورًا بالرئيس أنور السادات، ويظهر لك جليًا فى القرارات الأولى لبناء الجيش بعد النكسة بالتوسع في تجنيد حملة المؤهلات العليا، حتى تتمكن من سرعة الاستيعاب والفهم والتدريب على الأسلحة الحديثة وتكنولوجيا الحرب المتطورة، وهو ما ساهم فى الاستفادة من الخبراء الروس، والتعامل مع الأسلحة الحديثة، والتخطيط الجيد للحرب من قبل القيادات العليا في الجيش، فاستطعنا الفوز في الحرب".