أصدرت المحكمة الإدارية العليا، حكما برفض الطعن المقام من الممثل القانونى للجهاز القومى لتنظيم الاتصالات، ضد وزير الاتصالات، ورئيس مجلس إدارة شركة فودافون مصر للاتصالات، وإلغاء قرار وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بلائحة الجزاءات التى يوقعها الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات على الجهات المرخص لها العمل فى مجالات الاتصالات، لعدم استيفاء الإجراء الجوهرى المتمثل فى مراجعته فى قسم التشريع بمجلس الدولة طبقاً لنص المادة (190) من الدستور.
صدر الحكم برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود، رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين أحمد الشاذلى ومحمد عبد الوهاب والمستشار الدكتور سامى درويش ومبروك حجاج نواب رئيس مجلس الدولة.
وذكرت المحكمة فى (6) مبادئ للتشريعات واللوائح غير المعروضة على قسم التشريع : أولها عرض التشريعات واللوائح على قسم التشريع وجوبى لتحقيق الأمان القانونى وعدم عرضها يؤدى إلى بطلانها، وثانيها أن العبرة ليست فى وجود التشريع، وإنما فى فاعلية التشريع وقدرته على التعايش بسلامة الأساس وصحة المضمون، وثالثها أن عدم عرض التشريعات على قسم التشريع يؤدى إلى عشوائية التشريع ويصبح معوقاً للاستقرار الداخلى وعقبة فى سبيل التطور الاجتماعى والنمو الاقتصادى، وعامل طرد للاستثمار الخارجى.
كما أن مراجعة التشريعات عمل فنى لا يقدر عليه طبقاً للدستور إلا أهل الخبرة والتخصص من رجال مجلس الدولة، لتمتعهم بالاستقلال عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، لتُجرى المراجعة بحياد وتجرد بعيداً عن الضغوط أو الإملاءات أو غيرها من أمور قد تؤثر فى سلامة إعداد مشروع التشريع، وخامسها أنه لا وجه للاحتجاج بأنه لا بطلان إلا بنص ذلك لأن تلك القاعدة تخص الإجراءات فى القانون الخاص، ولا تسرى فى مجال القانون العام، لأن الإجراءات فى القانون العام إنما شرعت لتحقيق المصلحة العامة، لا مصلحة خاصة، وسادسها أن رقابة المشروعية سابقة على رقابة الدستورية، وقد تغنى عنها ولا إلزام على المحكمة إذا تبين لها عدم مشروعية اللائحة أن تحيل الدعوى إلى الدستورية العليا، للفصل فى مدى دستورية اللائحة فلكل نطاقها.
وقالت المحكمة إن الدستور الحالى نص على اختصاص مجلس الدولة بمراجعة وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية بموجب المادة (190) منه، كما أنه وفقاً للمادة ( 63) من قانون مجلس الدولة فُرض التزام على عاتق السلطة التنفيذية بمراجعة مشروعات القوانين التى تقدمها إلى مجلس النواب واللوائح التى تختص بإصدارها، كما يلتزم مجلس النواب بإحالة مشروعات القوانين والاقتراحات بقوانين بعد انتهاء لجان المجلس من عملها فى شأنها، وموافقة المجلس عليها فى مجموعها، وقبل أخذ الرأى النهائى عليها إلى قسم التشريع لمراجعتها.
وأضافت المحكمة، أن التشريع مظهر من مظاهر سيادة الدولة، تفرضه مقدماً لتحدد به السلوك الواجب الاتباع، وتتدخل لتنفيذه جبراً عند مخالفته، ويشكل القواعد الأساسية التى يطبقها القاضى، وهو يفصل فى المنازعات بين الأفراد أو بينهم وبين جهة الإدارة، ومن عناصر الأمان القانونى أن يكون التشريع الذى يصدر ويُطبق صحيح الأساس، سليم المضمون، مفهوم المعنى، فلا يجوز أن يصدر قانون يخالف الدستور، فالدستور هو القانون الأعلى فى الدولة، وتحظر مخالفته، أو تعطيل أحكامه أو تقييدها بتشريع أدنى، وكل قانون ينطوى على عيب من ذلك يهوى فى هاوية عدم الدستورية.
وأوضحت المحكمة أن الأمر يقتضى مراعاة سلامة التنسيق بين القوانين حتى لا تتضارب أو تتعارض أحكامها عن غير قصد، ويجب أن تدرس عند إعداد مشروع القانون آثاره بعد صدوره على القوانين القائمة، وما إذا كانت أحكامه تتضمن إلغاء ضمنياً لنصوص وردت فى قانون آخر، أو تقييداً لعموم تلك النصوص، وما إذا كان من الملائم أن يصدر مشروع القانون كقانون مستقل أم أن يصدر تعديلاً لقانون قائم لضمان أن لا تتعدد القوانين المنظمة لمشروع واحد ، كما أن سلامة القوانين التى تصدر تقتضى عند إعداد مشروعاتها التأكد من استيفاء جميع الإجراءات التى نص الدستور على ضرورة إتباعها، كأخذ رأى الجهات التى أوجب الدستور أخذ رأيها فى مشروعات القوانين الخاصة بها أو المتعلقة بمجال عمل تلك الجهات، ولا يجوز أن تتضمن اللوائح أو القرارات الإدارية ذات الصفة التشريعية ما يخالف أحكام الدستور أو القانون والنصوص الواردة فى القوانين واللوائح تتضمن خطاباً من الدولة إلى من تطبق عليهم القوانين واللوائح، ويتحملون واجب احترامها وعدم مخالفتها، وإلى رجال الإدارة المكلفين بالتدخل لتنفيذها عند وقوع أية مخالفة لأحكامها ، وإلى القضاة المكلفين بالفصل فى المنازعات القضائية التى تثور بسبب مخالفة تطبيق أحكام القوانين واللوائح.
وأكدت المحكمة أن التشريع يشكل أول وأهم مصادر القانون التى يرجع إليها القاضى عند الفصل فى الدعـــاوى، فيجب أن يكون التشريع – قانون ولائحة – واضحاً، ومفهوماً، وقابلاً للإدراك، لا يشوب ألفاظه غموض، ولا يضيع معناه بين ألفاظ غامضة أو تعبيرات فضفاضة، ولا يتحقق معها يقين، ويتعين أن يكون الشخص العادى قادراً على أن يدرك بيسر ما إذا كان من المخاطبين بالتشريع من عدمه، وإذا كان مخاطباً به أن لا يشق عليه معرفة مجال نفاذه، والواجب المطلوب منه القيام به أو السلوك المهنى عن إتيانه، وأن يسهل على رجل الإدارة فهم التشريع ليتولى تطبيق أحكامه على من يخالفه.
وذكرت المحكمة أن سن التشريعات ليس غاية، وإنما يُسن التشريع ليطبق، والعبرة ليست فى وجود التشريع وإنما فى فاعلية التشريع وقدرته على تحقيق الأهداف المرجوة من تطبيقه، والتشريع الذى لا تتوافر له سلامة الأساس وصحة المضمون، أو الذى توضع فيه الألفاظ فى غير مواضعها، وتختلط فيه المعانى تنتج عنه حالة من عدم الاستقرار التشريعى، تتزعزع معها الحقوق، ويفتقد الأشخاص الأمان القانونى، ويخسر المواطنون حقهم فى التوقع المشروع الذى يمكنهم من تنظيم حياتهم وحقوقهم وأوضاعهم فى ظل نصوص تشريعية صحيحة، وثابتة نسبياً، وليست عرضة للحكم بعدم دستوريتها إذا تعلق الأمر بقانون، وبعدم المشروعية أو عدم الدستورية فى حالة اللوائح وغيرها من القرارات ذات الصفة التشريعية، فسلامة التشريع وانضباطه وفقاً للأصول الواجبة الإتباع من عناصر كفاء النظام القانونى، تؤدى إلى استقرار المجتمع والدولة، وتضفى حالة من الثقة بين الأشخاص داخل الدولة، تمتد إلى الأجانب المتعاملين مع الدولة إذا كانت ترغب جذب الاستثمار الأجنبى، أو تشجيع التجارة الدولية ، أما إذا سادت عشوائية التشريع وعدم مراعاة أصوله، فإن ذلك ينعكس سلباً على المجتمع فى العلاقة بين أفراده، أو بينهم وبين الدولة، ويصبح التشريع معوقاً للاستقرار الداخلى، وعقبة فى سبيل التطور الاجتماعى والنمو الاقتصادى، وعامل طرد للاستثمار الخارجى، وحجر عثرة فى سبيل زيادة مساهمة الدولة فى النشاط التجارى الدولى.
واستطردت المحكمة أنه لا يجوز لجهة الإدارة أن تمتنع عن مراجعة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية ، لأن هذا الإجراء تقرر للمصلحة العامة، لتحقيق مصلحة المخاطبين بالتشريع ومن ينفذونه من رجال الإدارة، ومن يطبقونه من رجال القضاء، لتصدر التشريعات منضبطة بالضوابط اللازمة لسلامتها، وصحتها ووضوحها وحسن صياغتها، ومراجعة التشريعات عمل فنى لايقدر عليه إلا أهل الخبرة من رجال القانون، وقد اختص الدستور والمشرع مجلس الدولة بهذا العمل وحده دون غيره لتوافر الخبرة والتخصص فى أعضاء مجلس الدولة، ولتمتعهم بالاستقلال عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، لتجرى المراجعة بحياد وتجرد بعيداً عن الضغوط أو الإملاءات أو غيرها من أمور قد تؤثر فى سلامة إعداد مشروع التشريع، الأمر الذى يترتب عليه أن اللوائح والقرارات الإدارية ذات الصفة التشريعية التى تصدر دون استيفاء مراجعة قسم التشريع لها قبل الإصدار تكون قد صدرت باطلة وغيـر مشروعة لعيب فى الإجراءات تمثل فى إغفال الإجراء الجوهرى المنصوص عليه فى المــــادة ( 190 ) من الدستور وفى المادة ( 63) من قانون مجلس الدولة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة