بينما يبذل مثقفون مصريون جهدا ملحوظا لتوصيف وتعريف حقيقة ماحدث فى ثورة 30 يونيو 2013، يأتى كتاب جديد للكاتب الصحفى والبرلمانى المصرى مصطفى بكرى ليشكل صفحة مضيئة فى سجل هذا الجهد المعرفى وإسهاما ثقافيا مهما فى التوثيق لوقائع ثورة انقذت مصر من خطر الانهيار والسقوط.
وجاء الكتاب الجديد لمصطفى بكرى :"عشرة أيام هزت مصر" فى 223 صفحة من القطع المتوسط موزعا على عشرة فصول بدءا من تصاعد الأزمة وانتهاء بالوثائق التى حرص على الاستعانة بها ضمن جهد بحثى فى محاولة لتأريخ الأحداث الجسام والتطورات الخطيرة فى عشرة ايام فاصلة بتاريخ مصر.
وتلك الأيام العشرة التى يصفها الكاتب والبرلمانى المصرى مصطفى بكرى بأنها "اخطر عشرة ايام فى تاريخ مصر الحديث" تبدأ فى الثالث والعشرين من يونيو عام 2013 حتى الثالث من يوليو فى العام ذاته.
ويوضح كتاب "عشرة أيام هزت مصر" كيف شكلت تلك الأيام العشرة نقطة تحول مهمة كان من ابرز نتائجها انتصار ارادة الجماهير وسقوط حكم الجماعة الارهابية بعد قرار الجيش الوطنى بالانحياز للشعب المصرى وثورته.
كما يكشف مصطفى بكرى فى الكتاب الجديد الصادر عن "مجموعة سما للنشر والتوزيع" حقيقة مؤامرة جماعة الاخوان الارهابية لطمس الهوية المصرية وتدمير مؤسسات الدولة الوطنية وصولا الى احلال الجماعة محل الدولة.
وفيما حرص بكرى على اهداء دال لكتابه "الى أرواح من ضحوا لأجل أن نعيش" فانه يرصد حالة الفوضى والانقسام التى عاشتها البلاد منذ وصول الجماعة الظلامية الإرهابية للحكم فى الثلاثين من يونيو عام 2012 ليصف المصريون هذه الفترة بأنها "من اشد فترات التاريخ الحديث ظلامية وسواد".
واذ عمت التظاهرات البلاد رافضة لحكم الجماعة الارهابية فان هذه الجماعة سعت فى المقابل-كما يقول مصطفى بكرى فى كتابه- الى فرض سطوتها وجبروتها بهدف كسر ارادة الجماهير وتركيع مؤسسات الدولة لتصبح تابعة "لمكتب الارشاد تأتمر بأوامره وتنفذ تعليماته".
ويضيف بكرى :"ومع تفاقم الأزمة وتصاعد التوتر وتهديد الكيان الوطنى وبوادر نشوب الحرب الأهلية بين الفرقاء، كان طبيعيا ان يتدخل الجيش لتقديم الانذار الأخير الذى يسبق الطوفان " ولمنع انزلاق مصر فى نفق مظلم من الصراع وانهيار مؤسسات الدولة.
وحرص الكاتب مصطفى بكرى على ايضاح انه يقدم هذا الكتاب "وشهوده لا يزالون احياء حتى يدرك الجميع حقائق الأحداث التى شهدتها مصر خلال العشرة ايام التى هزت الكيان الوطنى بأسره وأنقذت مؤسسات الدولة من الانهيار وحمت الشعب المصرى من مخاطر حرب اهلية كانت حتما ستقودنا جميعا الى مصير دول اخرى انهارت وسقطت ونهبت ثرواتها وشردت شعوبها فى أنحاء العالم".
وبقلم الكاتب الصحفى نجح مصطفى بكرى فى تصوير الحالة النفسية والمزاج العام للمصريين بعد ان انقضت الجماعة الارهابية على الحكم فيقول فى كتابه :"كان كل شيء يمضى الى النهاية, حلم الاستقرار تبدد, الخوف يعم النفوس, الاخوان والجماعات يفرضون سطوتهم فى كل مكان, يشعر المصريون بالغربة والاغتراب, الوجوه مكتئبة, الابتسامة غائبة, حتى السخرية التى تميز بها المصرى لم تعد تصلح امام هول الأحداث".
ويكشف كتاب "عشرة ايام هزت مصر" النقاب عن التفاصيل المخيفة لمخطط سرى اعدته الجماعة الارهابية بهدف اعطاء المبرر لممثل الجماعة الذى وصل لمقعد الرئاسة لفرض حالة الطوارئ واعتقال كافة المناوئين لهذه الجماعة الظلامية "لإثارة حالة من الخوف والفزع تقطع الطريق امام المظاهرات المتوقع حدوثها فى الثلاثين من يونيو 2013".
ويمضى هذا الكتاب المهم والذى يقدم مادة تاريخية ثرية للباحثين الجادين فى التاريخ المصرى الحديث ليرصد تهديدات قادة الجماعة الارهابية والجماعات المتحالفة معها ضد شعب مصر ومحاولات استهداف المناوئين لحكم الجماعة فضلا عن النيل من شخصيات فى القضاء والنيابة العامة والتطاول على الجيش الوطنى الذى يحمى شعب مصر والتآمر لتوريطه فى مغامرات خارجية واهانة جهاز الشرطة والقائمين على أمن الشعب.
كما يكشف مصطفى بكرى فى كتابه النقاب عن تفاصيل تتعلق بمواقف قوى خارجية سعت لتشويه مواقف الشعب المصرى وجيشه الوطنى حتى قبل ان تبدأ الأيام العشرة الفاصلة فى تاريخ مصر الحديث والتى توجت بثورة الثلاثين من يونيو الشعبية.
ورغم تشدق الجماعة الارهابية بحديث صندوق الانتخابات وتمسحها بالديمقراطية، فإنها كشفت عن حقيقة مزاعمها عندما رفضت المطلب الشعبى الواضح باجراء انتخابات رئاسية مبكرة كما يعيد الكاتب والبرلمانى مصطفى بكرى للأذهان فى هذا الكتاب محاولات الجماعة لترويع شعب مصر والاستقواء بالميليشيات الإخوانية المسلحة للاستمرار فى حكمها التسلطى.
وفيما يتناول الكتاب الجديد لمصطفى بكرى المواقف المضيئة لجموع المثقفين والفنانين المصريين الذين رفضوا سياسات الجماعة الارهابية فى وزارة الثقافة واعتصموا احتجاجا على توجهات وزير الثقافة وقتئذ "لأخونة الوزارة" فانه يؤكد ان هذه المواقف المضيئة كان لها دور كبير فى التمهيد لثورة الثلاثين من يونيو.
ولاريب ان مثقفين مصريين سعوا ايضا للتنظير لثورة 30 يونيو وما قبلها مثلما فعل باحث مصرى كبير هو الراحل العظيم السيد يسين " محددا الملامح الأساسية للخريطة المعرفية للمجتمع الثورى المصرى فى عدة نقاط من بينها "ظهور فئة الحشود الجماهيرية الهائلة" وهى الحشود التى تجلت كأروع ما يكون فى ثورة 30 يونيو ويجد القاريء تفاصيلها فى الكتاب الجديد لمصطفى بكري.
وكذلك يمكن لقاريء كتاب "عشرة ايام هزت مصر" أن يجد قراءة تحليلية واقعية لخريطة المجتمع المصرى عشية ثورة 30 يونيو بقدر مايقدم هذا الكتاب اجابة واقعية ايضا عن اشكاليات البحث فى العلوم السياسية كجزء من العلوم الاجتماعية التى ترتبط بالمجتمعات والبشر وتفاعلاتهم الثقافية والاقتصادية واحتياجاتهم ومتطلباتهم الاقتصادية.
والكاتب الصحفى والنائب البرلمانى مصطفى بكرى منحاز فى كتابه الجديد لإرادة شعب مصر العظيم وخياراته الحرة فى الحياة دون تسلط او ترويع فيما تبقى ثورة 30 يونيو كما يوضح الكتاب علامة فارقة فى انتصار ارادة الجماهير المصرية.
إنها الجماهير الشعبية التى رفضت تسلط جماعة ظلامية إرهابية حاولت احتكار السلطة والهيمنة على مجمل الفضاء السياسى عن طريق شبكات مسلحة واستعراض القدرة على الترويع لفرض ثقافة معادية للهوية المصرية ودخيلة على منظومة القيم التى ارتضاها المصريون لأنفسهم.
وكذلك عمدت الجماعة الارهابية للتوسل "بأساليب شعبوية رخيصة وتتناقض فى الجوهر مع قيم الديمقراطية" وهى اساليب يرصدها مصطفى بكرى فى كتابه "عشرة ايام هزت مصر" الذى تتضمن صفحاته الكثير من ملامح الخطابات الشعبوية لقادة الجماعة لتزييف وعى الجماهير التى اثبتت بثورتها فى الثلاثين من يونيو انها عصية على محاولات تزييف الوعى وكسر الارادة.
واذا كان بعض الباحثين فى العلوم السياسية قد اعتبروا ثورة الثلاثين من يونيو نقطة فاصلة فى تاريخ البحث السياسى المصرى والعربى ككل، فالكتاب الجديد لمصطفى بكرى يرسخ هذا المفهوم لحدث ثورى مجيد ثار فيه شعب من اجل انقاذ دولته الوطنية من خطر الانهيار والسقوط.
واذ استشهد بكرى فى كتابه الجديد بما ذكره عميد الصحافة المصرية والعربية الراحل محمد حسنين هيكل يوم العشرين من يونيو عام 2013 من أن ايام نظام الجماعة باتت معدودة "وان احدا لن يستطيع ان يواجه حركة الجماهير التى تنذر بالثورة" فان "الحاضر الغائب محمد حسنين هيكل" كان قد أثار ايضا تساؤلات ثقافية بالغة الأهمية حول قضية الثورة فيما ميز بين "الثورة" و"حالة الثورة" ليقدم هذا الصحفى الفذ اسهاما عميقا فى جدل مستمر ومتصاعد بين مثقفين كبار حول حقيقة ما جرى ويجرى فى مصر منذ 25 يناير 2011.
ولئن كانت حالة الثورة كما رآها الأستاذ محمد حسنين هيكل فى احداث الخامس والعشرين من يناير "تواصل حركتها بالقلق والعصبية وتكاد تقارب الفوضى أو تتحول بالفعل الى فوضى لأنها تدفق تلقائى ليس لديه مسار معلوم وليس فى اخره مصب معين" فان "الأيام العشرة التى هزت مصر" على حد تعبير مصطفى بكرى انما تشكل ثورة جاءت لتنقذ مصر من المسارات المجهولة والفوضى.
وهى ثورة اوضحت بجلاء ان "قوى الجماهير عنصر اساسى فى المعادلة الوطنية وفعلها مؤثر وتجاهله خطر" فيما قال الكاتب والباحث المرموق الراحل السيد ياسين "لو تأملنا الموضوع مليا لأدركنا ان التعريف التقليدى للثورة قاصر قصورا شديدا لأنه ركز فقط على البعد السياسى المتعلق بالقضاء على النظام القديم".
وفى فصل بديع بعنوان "الطريق الى الحرية" يرصد مصطفى بكرى وقائع ماجرى يوم الثالث من يوليو 2013 كيوم حاسم فى تاريخ مصر وهو يوم انتصار ثورة 30 يونيو واليوم الذى سيبقى للأبد فى ذاكرة التاريخ بعد ان تقدم اغلى الرجال وانبل الرجال لحماية مصر من خطر الانهيار والسقوط.
ولاجدال ان الكتاب الجديد لمصطفى بكرى ينطوى على اسهام ثقافى هام فى الجدل الفكرى حول قضية الثورة وينطوى على اهمية فى وقت يواجه فيه شعب مصر تحديات البناء والتنمية فى محيط اقليمى حافل بأسباب القلق وحالات سنهيار وسقوط للدول الوطنية بينما يسفر الارهاب عن وجهه الحقيقى كعميل لقوى لاتريد الخير للأمة العربية.
وثمة حاجة لخيال ثقافى واسع وافاق فكرية رحبة بلا حدود فى ايام الاستجابة للتحديات الجسام والأحلام النبيلة والاسئلة الكبيرة ووقف العبث بالذاكرة المصرية والتجرؤ على قصة كفاح للشعب المصرى التى بلغت ذروة عالية فى ثورة الثلاثين من يونيو المجيدة.
فتحية لمثقف وطنى يسعى فى كتابه الجديد لتخليد قصة كفاح الشعب المصرى وثورته المجيدة فى الثلاثين من يونيو..وللتاريخ ان يستقبل المزيد من اسهامات المثقفين المصريين حول ثورة شعب يصنع التاريخ وعناوين المستقبل الأفضل للإنسانية كلها.