بوجه سمح وبملامح وجه شكلتها الأيام ووضعت الشمس بصمتها عليها لكثرة التواجد فى موقف الأتوبيسات يستقبلك عم "رمضان" كما يحب أن يطلقوا عليه فى موقف "المنيب"، فتجد ابتسامة بشوشة تعلو وجهه وتنم عن صفاء نفسى داخلى ليجلس بهدوء ويروى قصصاً ليس لها مثيل من رجل يعتبر "الأتوبيس" هو بيته الأول والأخير.
وباعتباره من أكثر الشخصيات التى تحتك بعامة الشعب على اختلاف طبقاته الاجتماعية يومياً على مدار اليوم، فهو أفضل من يخبرك عن تغير سلوكيات الناس ويسرد لك كيف تغير الحال داخل الأتوبيس، وكيف أصبح حال الناس خاصة عند المرور بظروف صعبة. يسرد عم رمضان قصص المصريين التى اختار لها عنوان "مجتمع أتوبيس الهيئة"، تلك القصة التى يكتب حروفها أبطال "كراسى الأتوبيس" من المواطنين، وبدأ يروى لليوم السابع عما يقابله كل يوم منذ 20 عاماً فى أتوبيس الهيئة، والذى يعتبره عم رمضان وجوده فى الشارع بمثابة إحساس "أمان" للمواطن المصرى.
"الناس كانت بتتطمن لما بتشوف أتوبيس النقل العام فى الشارع أيام ثورة 25 يناير 2011" هكذا بدأ عم رمضان قصة الأتوبيس مع المواطنين، وعلل تلك الجملة بكونهم كانوا يشعرون بالاطمئنان من فكرة اهتمام إحدى مؤسسات الدولة بهم فى ظل تلك الظروف العصيبة التى كانت تمر بها البلاد، وأشار إلى أنهم كانوا يعتبرونه ملاذا للهرب مما يحدث فى الشوارع أحياناً من كر وفر.
وعن قصص الناس داخل الأتوبيس قال "الناس جوة الأتوبيس عالم تانى.. ليهم عادات خاصة، وفى وشوش ثابتة من سنين بتركب معايا كل يوم"، ولأنه أفضل من يشهد على تغير سلوكيات الناس خلال السنوات التى قضاها بينهم داخل الأتوبيس يتحدث عم رمضان قائلاً "الناس اتغيرت 180 درجة، قبل ثورة يناير كان كل واحد فى حاله فى الأتوبيس، لكن دلوقتى الناس بقت بتفتح حلقات للمناقشة فى كل أمور الدنيا سواء السياسة أو السلوك أو المشاكل الشخصية."
لحظات من الصمت انتابت عم رمضان ثم أكمل حديثة ضاحكاً "افتكر فى مرة واحدة حكت عن مشكلة شخصية وبدأ الركاب ينصحوها بواقع تجاربهم وخبرتهم"، فيرى عم رمضان أن الناس فى الأتوبيس "كتلة واحدة" لا تنفصل أبداً حتى أنه يشعر فى كثير من الأحيان أنهم أصبحوا عائلته الصغيرة التى تكمل تفاصيل حياته معهم، إلى جانب عائلته الأصلية تنتظره كل يوم فى بنى سويف.
"الجدعنة اختفت" ألقى عم رمضان تلك الجملة التى تشبه الصخرة متحدثاً عن تغير كلى فى سلوك الشباب المصرى بخصوص الجدعنة فى الأتوبيس، فيقول "زمان كان أول ما الست أو البنت تدخل الأتوبيس الناس تتخانق مين اللى هيقوم عشان هى تقعد، لكن دلوقتى مبقاش فى حد يقوم."
وعن نشالين الأتوبيس قال عم رمضان إنه كان يراهم يوميًا على مدار سنوات طويلة، فيقول عم رمضان "بقالى سنين ماشوفتش نشال، مبقاش فيه فلوس تتسرق فى جيوب الناس"، وصمت لبرهة وكأنه تذكر شيئا إنسانيا ثم أكمل حديثه متنهداً: "فى مرة نشال بعد ما سرق محفظة واحد وجد بها قايمة أدوية مهمة، فطلب منى أن أعيدها لصاحبها، وتكرر ذلك الأمر فى أكثر من موضع، فكثير يجد النشال أن ما سرقه هو أموال بسيطة أو أوراق مهمة أو قائمة أدوية ويطلب منى إعادتها لصحابها مرة أخرى."
ويرى عم رمضان أن الأتوبيس ملك للناس وملجأهم الوحيد وقت الأزمات كما حدث فى مواقف كثيرة قام فيها سائق الأتوبيس بتغيير مسار طريقه ليقوم بتوصيل أم وابنها ذاهبة لمستشفى الدمرداش بسبب مرضه الشديد وحالته المتدهورة، وفى مرات عديدة يخرج الأتوبيس خصيصاً لتوصيل إحدى الحالات الحرجة التى يقابلها فى الطريق، وتحدث عم رمضان عن قطع التذاكر قائلاً "فى أوقات كثير الناس مابتدفعش.. بيبان من شكل الشخص أنه غير مقتدر وأنا بقدر ظروفه ومبرضاش أحرجه".
واختتم عم رمضان حديثه عن تغير سلوك المصريين داخل أتوبيس النقل العام على مدار 20 عام بابتسامة عريضة قائلاً: "الركاب بتكبر قدام عينى، فى ركاب كانوا أطفال وبشوفهم دلوقتى بعد ما أصبحوا شباباً وعارفينى كويس."
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة