منذ بداية الأزمة العربية مع قطر واتخاذ مصر والسعودية والإمارات والبحرين قرار قطع العلاقات معها، تنصل مسئولو الدوحة من الأسباب الأساسية للأزمة، وهرولوا وراء محاولات جذب تعاطف دولى معهم بعد أن صدروا كعادتهم صورة مغلوطة عن الحقائق، وبدلا من أن يراجع تميم بن حمد أمير قطر سياسته الداعمة للجماعات الإرهابية فى المنطقة راهن على دعم دول خارجية له محاولا تدويل الأزمة.
رهان رب إمارة الإرهاب هذه المرة كان خاسرا بعد أن لقى القرار العربى دعما إقليميا ودوليا فى ظل وجود أدلة دامغة على دعم الدوحة للإرهاب وزعزعة استقرار دول المنطقة، وبدأت أوراق التعاطف الدولى تتساقط واحدة تلو الآخرى من أيدى الدوحة، فبعد انسحاب واشنطن صاحبة أكبر قاعدة عسكرية بقطر من صف تميم تلاها عواصم أوربية كبرى فى حين ألتزمت آخرى الحياد ودعت لاستمرار الحوار لحل الأزمة جاء دور مجلس الأمن الدولى الذى كان يمثل لقطر الرهان الأكبر.
ومن داخل أروقة مجلس الأمن الدولى فى نيويورك قادت الدوحة منذ الجمعة الماضية حملة دبلوماسية قوية لحشد تأييد دولى لها، محاولة بذلك تقليب الرأى العام الدولى على الدول العربية التى انتفضت ضد سياستها الإرهابية فى المنطقة مروجة إلى أنها تتعرض لحصار ظالم، متجاهلة كم الخراب والدمار الذى جلبته لدول عربية شقيقة بعد أن فتحت أبوابها للجماعات الإرهابية لتمارس القتل والحرق.
الدوحة طالبت مجلس الأمن لتبنى وجهة نظرها فى الأزمة وفتح القضية داخل جلساته، وفى هذا الإطار التقى وزير خارجية تميم محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، بجَمِيعَ الاعضاء فِى مجلس الأمن الدولى الدائمين وغير الدائمين باستثناء مصر، وبحث وإياهم مقاطعة الرباعى العربى لبلاده، وطالب بتبنى مشروع قرار يدعوا الدول الأربعة إلى رفع العقوبات أعن النظام القطرى بعد أن أوشك اقتصاده على الانهيار.
وفى تلك الأثناء كانت قطر تناور على الساحة العربية حيث قامت بمراوغة الكويت التى تولت جهود الوساطة على امل حل الأزمة مع الدوحة وتلبية المطالب العربية المشروعة، وقبل ساعات من انتهاء مهلة الـ10 أيام الأولى مساء الأحد الماضى طلبت الدوحة مد المهلة وإعطائها فرصة جديدة لـ48 ساعة لتقديم رد على قائمة المطالب العربية، على أمل أن تنجح خطتها ويتم خلال هذه الساعات القليلة تحريك الأوضاع داخل مجلس الأمن الدولى لصالحها.
ولكن جاءت الرياح الدولية بما لا يشتهيه حكام إمارة الإرهاب، حيث وجه مجلس الأمن الدولى صفعة جديدة لقطر قبل ساعات من انتهاء المهلة الإضافية ورفض طلبها بالتدخل، وأكد المجلس أن حلَّ الأزمة الراهنة يكون عبر الحوار بين الدول المعنية، فى رسالة مبطَّنة إلى قطر، بأنه لا يعتزم التدخل فى الأزمة المشتعلة، وقال السفير الصينى لدى الأمم المتحدة بيو جيي، الذى تتولى بلاده رئاسة المجلس لشهر يوليو الجارى، إن "الطريقة المثلى" للخروج من الأزمة الراهنة "يكون بتوصُّل الدول المعنية إلى حلٍّ عن طريق الحوار والتشاور فيما بينها".
واليوم تقف الدوحة وحيدة فى ساحة المعركة التى اختارتها بإرادتها بعد أن آثرت العناد والكبر وعدم الاعتراف بالحقيقة ورفضت التخلى عن سياستها فى دعم جماعات إرهابية عملت على بث الفتن بالمنطقة، واحتمت بقوى خارجية فى وجه اشقائها وجيرانها بالمنطقة العربية، حيث تنتظر مزيدا من التصعيد من قبل الرباعى العربى والذى قد يصل لحد محاولة معاقبة النظام القطرى دوليا على جرائمه.
مجلس الأمن الدولى يراه المراقبون سيكون ساحة هامة لمعاقبة قطر من خلالها بعد نفاذ صبر الدول العربية وتعمد الدوحة لإفشال جهود الوساطة الكويتية، لافتين إلى أنه لا بد من استثمار تواجد مصر والكويت كأعضاء غير دائمين فى مجلس الأمن الدولى لتحريك فرض عقوبات ضد نظام تميم دوليا، خاصة أنها انتهكت قرارات مجلس الأمن، بحظر دعم وإيواء الجماعات الإرهابية.
كما أن هناك أدلة دامغة لدى الدول العربية على دعم قطر للجماعات الإرهابية وتمويل المليشيات فى ليبيا وسوريا وبعض دول أفريقيا بالسلاح بما يخالف القرارات الدولية، بالإضافة إلى رفضها تسليم إرهابيين صدر بحقهم مذكرات ضبط دولية، وهو ما يعد مخالفة صريحة للباب السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
وتنفيذا لهذا السيناريو شهدت الساعات القليلة الماضية اتصالات مكثفة على مستوى رفيع بين مسئولى الرباعى العربى ونظرائهم الغربيين لبحث الأزمة القطرية وسط إصرار على وقف دعم الإرهاب وتمويل الجماعات المتشددة فى المنطقة وخارجها، وأكدت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماى، خلال اتصال هاتفى مع ولى العهد السعودى، الأمير محمد بن سلمان، أن على قطر أن تواصل العمل مع جيرانها الخليجيين للتصدى لخطر التطرف والإرهاب فى المنطقة.
ومن جانبه، قال وزير الخارجية الألمانى زيجمار جابرييل، خلال مؤتمر صحفى مع نظيره السعودى عادل الجبير، إنه يجب إنهاء أى دعم للإرهاب والمنظمات المتطرفة، فى حين تلقى وزير الخارجية المصرى سامح شكرى اتصالا هاتفيا من نظيره الأمريكى ريكس تيلرسون بشأن قطع العلاقات مع قطر، تناول فيها تطورات الأزمة القطرية، فى وقت تتطلع فيه جميع الأنظار للقاهرة غدا الأربعاء حيث المؤتمر الصحفى الذى سيحمل الخطوات المقبلة فى هذا الملف الذى يمس الأمن القومى العربى.