أثارت حالة الميوعة السياسية التى سادت الإدارة الأمريكية فى تعاملها مع أزمة دعم قطر وتمويلها للإرهاب، بعدما أقدمت دول الرباعى العربى الذى يضم مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين على مقاطعة الدوحة وفرض عقوبات على نظام تميم بن حمد، حالة من القلق داخل العديد من الأوساط والدوائر البحثية ومراكز الدراسات فى الولايات المتحدة الأمريكية، والتى حذرت من تراجع النفوذ الأمريكى أمام صعود تركى إيرانى فى الشرق الأوسط.
وفى الوقت الذى تتمسك فيه الدول الداعية لمواجهة الإرهاب الممول من قطر بالتصدى للدور المشبوه الذى يقوده نظام تميم بن حمد عبر حزمة عقوبات أتت ثمارها بخسائر واضحة تكبدها اقتصاد الحكومة القطرية على مدار ما يقرب من شهرين، تعامل البيت الأبيض مع الأزمة منذ بدايتها بقدر من التضارب والميوعة السياسية، ظهر واضحًا فى تمسك الرئيس الأمريكى ومستشاريه بضرورة فرض عقوبات قاسية على قطر، فى وقت آثر فيه وزير الخارجية ريكس تيلرسون التزام الحياد السلبى، وتصدير الأزمة فى اتجاه أنها خلاف بين دول عربية لا يحتاج لتدخل أى أطراف إقليمية أو دولية.
وفى انتقاد للموقف الأمريكى، وتحذير من احتمالات مفتوحة لتراجع دور واشنطن فى المنطقة، قال المجلس الأطلنطى للأبحاث إن "الأزمة بين قطر وجيرانها من الدول العربية التى تطلبها بنبذ الإرهاب ووقف تمويله تدفع بتصعيد التوترات فى منطقة الخليج على حساب المصالح الأمنية الأمريكية وتراجع النفوذ الأمريكى لصالح إيران وتركيا".
وأضاف المجلس فى تعليق كتبه الباحث على مرهون، أن القوى الإقليمية مثل طهران وأنقرة أصبحت أطرافًا صاحبة مصلحة فى هذا الصراع، تتخذ خطوات فعالة فى تشكيله بطرق تتناسب مع مصالحها ورؤيتها الإقليمية، ولن يؤدى ذلك إلا إلى إدامة الصدع وتعقيد جهود المفاوضات، حيث أن العلاقات مع إيران وتركيا هى التى تقود المطالب من قطر، على حد قوله.
وتابع المجلس فى تقريره: "الولايات المتحدة لديها مصلحة أمنية فى منع انتقال الصراع إلى مسرح إقليمى آخر. لكن إذا بقى موقف الولايات المتحدة مقسما، فإن واشنطن يمكن تعانى قريبا من تآكل نفوذها داخل المنطقة".
وسلط التقرير الضوء على الدور المشبوه الذى تلعبه كلاً من إيران وتركيا فى الأزمة فى الوقت الذى تتزايد فيه الاتهامات بشأن ضلوعهما فى تمويل كيانات إرهابية وتنظيمات مسلحة من بينها جماعة الإخوان وحزب الله وحماس.
وقال التقرير: "وفى الوقت الذى دعت فيه إيران إلى حل دبلوماسى، قدمت دعمها لقطر من خلال تقديم المساعدات والمرور الجوى، حيث تستقبل قطر حاليًا مئات الأطنان من الأغذية يوميا من إيران، كما دعا زعيما البلدين إلى التعاون من أجل تعزيز العلاقات الثنائية على نقيض المطلب السعودى الأساسى من قطع العلاقات مع إيران"، وأشار التقرير إلى ما يتردد عن دور الحرس الثورى فى تأمين نظام تميم بن حمد فضلاً عن قيام الدولة الشيعية بحشد قواتها البحرية قرب مضيق هرمز فى تدريبات بحرية مشتركة مع الصين، كما وقعت مناورات عسكرية على بعد أميال قليلة من المياه السعودية، وبينما لا تزال الدولتان مقيدتين فى سوريا واليمن، ترى إيران أن الصدع فرصة استراتيجية لتعزيز وضعها.
ومن طهران إلى أنقرة، رصد تقرير المجلس الأطلنطى دور تركيا فى الأزمة وكيفية استثمارها لصالحها، مشيرًا إلى أن العلاقات التركية القطرية الحالية هى ثمرة للنظام الإقليمى الجديد الذى أعقب الربيع العربى، الذى تعتبر فيه تركيا نفسها ركنا أساسيًا به، وحيث أثار دعم قطر للجماعات الإسلامية غضب جيرانها فى الخليج. هكذا يرى أردوغان وحزب العدالة والتنمية الإسلامى أن قطر حليف نادر وقوى يشترك فى رؤية إقليمية. وعلى غرار إيران، سلمت تركيا بسرعة المساعدات للدوحة منذ بدء الأزمة، وبلغ مجموع الصادارات التركية لها 33 مليون دولار خلال عشرين يوما.
وسرعان ما قامت تركيا بنشر إضافى لقواتها فى قطر، مما زاد أعدادهم من 88 إلى ألف جندى، وعلى الرغم من أن عدد القوات لا يزال هامشيًا، ولكن توقيت إرسال مزيد من الجنود والذى جاء بعد يومين من قطع الخليج علاقاتها مع قطر، هو أمر رمزى بشكل لافت، ومن هنا جاء طلب الدول العربية إغلاق قاعدة تركيا فى قطر ووقف العمليات العسكرية مع تركيا فى المرتبة الثانية على قائمة مكونة من 13 مطلبًا.
واختتم المجلس تقريره قائلًا: "إذا استمر الصراع بوتيرته الحالية، يجب على الولايات المتحدة أن تكون حذرة من الجهات الفاعلة الإقليمية التى باتت تشارك فيه. فإيران ترى ميزة فى تقسيم الكتلة السنية، خاصة بعد أن أشار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى طهران كتهديد خلال قمة الرياض. وبالنسبة لتركيا، التى هى على خلاف متزايد مع الولايات المتحدة فى شمال سوريا، يمكن أن تستفيد من تقاربها الجديد مع إيران فى قطر لتحقيق تسوية مناسبة فى سوريا مع إعادة رسم خريطة سوريا السياسية".
وحذر المجلس الأطلنطى، أن كلا السيناريوهين يتعارضان مع المصالح الأمنية الأمريكية، وقال إن الممثل المفقود فى هذه الصورة هو الولايات المتحدة. فعلى الرغم من الحاجة الملحة للحفاظ على وحدة الخليج، لم تظهر واشنطن أى موقف دبلوماسى متماسك تجاه النزاع.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة